بني مسجد العباد بأمر من السلطان المريني أبي الحسن عام 739هـ، كان نواته عبارة عن رباط كان يتعبد به المتزهدون والمتصوفون، ويرابط فيه المدافعون عن البلاد والمدينة من الغارات والهجومات الخارجية التي كانت تشنها القبائل المعادية أو الدول المجاورة.
يقع المسجد بحي العباد في شمال شرق المدينة على سفح جبل شديد الانحدار، قصد هذا الحي الولي الإشبيلي الصالح أبو مدين شعيب بن الحسين من بجاية في طريقه إلى فاس في نهاية القرن السادس الهجري، فتوفي بعين تاقبالت قرب تلمسان قبل أن يصل إلى رباط العباد، فنقل إليه ودفن به عام 596هـ، فاشتهر الحي به وأصبح يعرف بعباد سيدي بومدين.
أسس المسجد على أرض مائلة ويتألف من قاعة للصلاة مستطيلة الشكل تحتوي على عشرين سارية مربعة الشكل وعالية. وفي مؤخرة القاعة غرباً ساحة بوسطها نافورة مياه وصهريج للوضوء، وحولها على اليمين واليسار، رواقان امتداداً لقاعة الصلاة. وفي نهاية الرواقين غرباً على اليسار واليمين قاعتان صغيرتان مرتفعتان عن ساحة المسجد كانت تفتح أيام الجمعة والأعياد.
للمسجد باب رئيسي كبير في مؤخرته الغربية صنع من شجر الزان الصلب ومزين بمسامير نحاسية كبيرة وجميلة، وله قفل ضخم من الداخل غلف بصفيحة من النحاس مزخرفة بدقة وإتقان؛ ويصعد إليه على اثني عشر درجة من الرخام الخالص. في مؤخرة المسجد وعلى اليمين توجد المئذنة المربعة الشكل، والمزخرفة بنقوش جميلة تضفي على المسجد والحي بكامله روعة وبهاء، وزينت كثيراً من جدرانه والمحراب بنقوش وآيات قرآنية كريمة.
ويعلو الجامع قبة بديعة المنظر يقول عنها الإمام ابن مرزوق الخطيب: 'وعلى مدرجه قبة من عمل المقربص غريبة الشكل قليلة المثل'. وفي سقف هذه القبة رسم عند ابتداء القوس ما يلي: 'هذا ما أمر به مولانا أبو الحسن عبد الله علي'. أما زخرفة القبة الجبسية فإنها تتألف من طبقتين تشتمل كل واحدة منهما على صفحات صغيرة رسمت على قناطر رشيقة، وتوجد تحتها حاشيتان تحمل إحداهما خطاً كوفياً رائع الجمال.
أما الرتاج المؤدي إلى صحن الجامع فقد حدثنا عنه الإمام ابن مرزوق الخطيب بقوله: 'وأما الباب الجوفي الذي ينفتح على المدرج الذي ينزل فيه إلى قبر الشيخ رضي الله عنه وإلى الشارع وهو باب من النحاس المشتمل على مصراعين كل مصراع منهما مصفح بالنحاس المخرم المنقوش بالخواتم المستوفاة المشتركة العمل وتخريمه على أشكال من نحاس ملونة فهو من غريب ما يتحدث به'. وبعد عبور الباب الجوفي يقع صحن المسجد المربع الشكل والمفروش بالفسيفساء المتنوعة الألوان، في وسطه حوض من الرخام ومصاطب يجلس عليها المصلون وقت الوضوء، وتحيط بهذا الصحن أروقة من الجهات الثلاث، أما الجهة الرابعة وهي القبلة فقد شغلت بقاعة الصلاة المحتوية على أربعة بلاطات وخمسة أروقة محمولة عقودها على ست عشرة سارية ذات أربعة أوجه، وأقواس على شكل حذوة الفرس، وسقف المسجد وجدرانه وقناطره مزخرفة بنقوش عربية بديعة يقول عنها ابن مرزوق الخطيب إن في سقفه كله 'أشكال منضبطة بخواتم وصناعات نجارة كل جهة تخالف الأخرى في الوضع قد وقعت على نحو ما يرقم عليه أشكال النجارة فلا يختلج في النفس شائبة ولا يعرض لها وهم أنها أشكال منجورة منقوشة وهي كلها مبنية إحكاماً بالآجر والقصة'.
أما المحراب الموجود بالرواق الأوسط من الجدار القبلي، فإن له فتحة مقوسة على شكل حذوة الفرس يحملها عمودان من المرمر الخالص لهما تاجان منقوش عليهما بخط أندلسي النص الأتي:
'هذا ما أمر بعمله مولانا أمير المسلمين أبو الحسن بن مولانا أمير المسلمين أبي يعقوب ابتغاء وجه الله العظيم ورجاء ثوابه الجسيم كتب الله له به أنفع الحسنات وأرفع الدرجات'.
ولقبة المحراب الداخلية تماثيل مدلاة محمولة على قناطر عادية. وأمام هذا المحراب توجد قبة مزخرفة بزجاج تختلف ألوانه بين الأصفر والأزرق والأخضر والأحمر بحيث أنها تلمع لمعاناً وتجتمع هذه القبة مع الرسم المربع برسم أفقي وضع على الزاوية وزخرفت بعمق. وكان لهذا المسجد منبر وصفه الإمام ابن مرزوق الخطيب بقوله: 'واشتمل على المنبر العجيب الشكل المؤلف من الصندل والعاج والأبنوس مذهب ذلك كله'، كما ذكر أن 'صومعته كذلك في غاية من الحسن والإتقان كل جهة من جهاتها الأربع تخالف الأخرى في النوع والإحكام..' 1.
1 : أنظر: ابن مرزوق الخطيب، المسند الصحيح الحسن في محاسن مولانا أبي الحسن، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، رقم : د 172
تاريخ الإضافة : 07/09/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : http://www.almasalik.com