الجزائر

مسؤول البرنامج الوطني للمملكة المغربية لمحاربة التلاسيميا لـ ''المساء'':‏التجربة الجزائرية في مجال الوقاية يجب الاقتداء بها




لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فإن تلقين السلوكات الحضارية للنشء من أفضل المبادرات الرامية إلى مكافحة الآفات والمظاهر الاجتماعية السلبية في المجتمع. وتعد المدارس وجهة الكثير من الهيئات والمؤسسات الراغبة في تحسيس الصغار قبل الكبار بأهمية اِكتساب أو تغيير، أو التخلي عن بعض التصرفات اليومية، أملا في أن يأتي الخلاص منها.
من هذا المنطلق، فضلت مؤسسة حفظ الصحة والتطهير لولاية الجزائر ''هوربال'' منذ سبع سنوات، تنظيم حملات توعوية على مستوى مدارس العاصمة، تهدف أساسا إلى تلقين التلاميذ السلوكات الواجب اتباعها أو تجنبها من أجل الحفاظ على نظافة المحيط.
ويعد الحديث عن نظافة العاصمة بالذات حديثا ذا شجون، بالنظر إلى التدهور الكبير الذي تعرفه شوارعها وأحياؤها في هذا المجال، لذا فإن تحميل الصغار هذه المسؤولية الكبيرة قد يعني تحميلهم مالاطاقة لهم به.
وتعترف السيدة ليليان هندل المكلفة بالاتصال في ''هوربال'' أن إشكالية النظافة في العاصمة معادلة صعبة الحل، ''فكل طرف يتهم الآخر؛ الناس يتهمون المؤسسات المعنية بالتقصير، وهذه الأخيرة تتهمهم بافتقادهم للسلوكات الحضارية والتزامهم بضوابط رمي النفايات''.
وحتى لايبقى الأمر حبيس إشكال لاحل له، قررت المؤسسة تنظيم حملة تحسيسية على مستوى كل مدارس العاصمة، لعلها تزرع بذورالنظافة في الصغار الذين يمثلون جبل المستقبل. وحسب محدثتنا، فإن الحملة التي شملت الـ57 بلدية على مستوى العاصمة، كانت في البداية تتم على مستوى اِبتدائية من كل بلدية تختارها الأكاديمية، ثم توسعت العملية لتشمل اِبتدائيتين من كل بلدية. وفي كل ابتدائية يتم اختيار قسمين، يفتح فيهما النقاش حول مسألة نظافة المحيط، ويسمح خلالها للتلاميذ بالتعبير عن رأيهم وإبداء ملاحظاتهم حول هذا الموضوع الذي يشمل''أهمية النظافة والصحة البدنية، وكذا المحافظة على المحيط والصحة العمومية، إضافة إلى تنظيم مسابقة رسم كل سنة، احتفالا باليوم العالمي للبيئة الموافق للخامس جوان، وتطبع الرسوم الـ12 الأولى في رزنامة، تشجيعا للمشاركين الأطفال''.
وعن تجربتها الميدانية في إطار هذه الحملة، تقول السيدة هندل: ''إن هدفنا الرئيسي هوتعليم الأطفال السلوكات الحضارية وثقافة النظافة، والحقيقة أن احتكاكنا مع التلاميذ أظهر لنا مدى استجابتهم لمثل هذه المبادرات ورغبتهم الكبيرة في التعلم، وأحس بوجود وعي لديهم''.
أما عن الأسلوب المستعمل في طرح الموضوع على التلاميذ، فتعترف أنها كثيرا ما تلجأ إلى أسلوب ''التخويف'' غير المبالغ فيه طبعا، ولكنها تركز على الإرتباط الوثيق بين ''النظافة والصحة''، مذكرة التلاميذ بالأخطار والأمراض التي ممكن أن يتعرض لها المرء لإهماله هذا الجانب في حياته. ''أقول لهم إن المستشفيات مليئة بالمرضى، فهل تحبون أن تمرضوا؟ أي أحاول أن أخاطب الجانب الأناني فيهم، وهو ما لاحظت أثره عليهم.. كما لاحظت أنهم في كثير من الأحيان يقولون إن أولياءهم لايحترمون قواعد النظافة''.
لكن يبقى الأثر محدودا -حسبها- بالنظر إلى اختصار الحملة في بعض الابتدائيات وبضع أقسام فقط ضمنها، وهو ما لايعمم الفائدة كما ترى، لذا فهي تتمنى أن يتم توسيع الحملة بقدر الإمكان في السنوات القادمة، لتشمل الأغلبية، ولما لا الكل. ولذلك شددت على ضرورة مضاعفة الجهود والإكثار من الحملات التحسيسية.
إلا أنها تظل مقتنعة بأن لهذه الحملات نتائج إيجابية على المدى البعيد، تقول: ''النظافة موضوع حساس، والمواطن يعيش مشاكل عديدة اجتماعية واقتصادية، لهذا يهمل هذا الجانب. مع ذلك، تشير بالمقابل إلى عدم تقبل الكثير من الجزائريين للنصائح، وهو مايزيد من حدة الإشكال.

أشاد الدكتور أنور الشرقاوي مسؤول البرنامج الوطني للمملكة المغربية لمحاربة التلاسيميا في حديث خص به ''المساء''، على هامش أشغال الملتقى الدولي حول فقر الدم الوراثي الذي احتضنه قصر الثقافة والفنون لمدينة سكيكدة مؤخرا، بالتجربة الجزائرية الرائدة في مجال مكافحة هذا الداء عن طريق الدور الذي تقوم به الجمعيات المتخصصة في محاربة هذا الداء، ضرب مثلا في محاربته بجمع شمل 06 جمعيات من 06 مدن جزائرية تحت مظلة فيدرالية وطنية متخصصة.
وفي معرض حديثه، اعتبر ذات المصدر بأنه وعلى الرغم من الخطورة الكبيرة التي يتميز بها هذا المرض المزمن والقاتل المنتشر خاصة بدول البحر الأبيض المتوسط ومنه دول المغرب العربي، إلا أن الكثير من السلطات الصحية بعدد من هذه البلدان لا توليه الاهتمام الكامل الذي يتطلبه، فهو -كما قال- مرض مزمن مميت في الـ05 سنوات الأولى في غياب العلاج، وإن وجد هذا الأخير، فإنه يشكل عبئا ثقيلا على عائلات المرضى، لأن تكلفته باهضة الثمن، زيادة إلى ما يحتاجه المصاب من الدم مرة على الأقل في الشهر وذلك على مدى الحياة. وبخلاف دول المنطقة التي ما تزال تسجل كل سنة ولادات جديدة مصابة بفقر الدم الوراثي، فإن الدول الأوروبية قد نجحت في تقليص الإصابات بمرض التلاسيميا من سنة إلى أخرى بفضل التكفل التام الذي توليه في مجال الوقاية منه، إذ لم يتم تسجيل خلال السنوات الأخيرة أي ولادة جديدة بفضل برامج التوعية الصحية المتواصلة والمنتهجة، لذا يرى أنه من الضروري إنشاء مراكز متخصصة للتكفل الطبي بالمرض على مستوى دول المغرب العربي خاصة والدول العربية عامة، مع إعداد برامج تربوية توعوية تواصلية موجهة أساسا لعامة الناس، يتم من خلالها التعريف بالمرض وبأخطاره وطرق العلاج، مع تقوية العمل الجمعوي الجواري اقتداء بالتجربة الجزائرية الرائدة في هذا المجال، مع سعي الدول لتوفير الدواء الكامل للمرضى.
ومن جهته، كشف الدكتور بسطانجي أحمد نائب رئيس الجمعية العربية لأورام الأطفال وممثل الفيدرالية العالمية لتلاسيميا لـ ''المساء''، بأن عدد المصابين بمرض التلاسيميا بالجزائر وصل إلى حوالي731 مصابا، بينما يقدر عدد المصابين بفقر الدم الوراثي المنجلي بحوالي أكثر من 2000 مصاب، مضيفا بأن أكثر من 70 بالمائة من المرضى يتوزعون بالخصوص على مستوى ولايات الشرق الجزائري؛ كسكيكدة التي تحصي لوحدها 850 إصابة، والطارف وعنابة وبجاية وقسنطينة، مضيفا بأن هذه الأرقام تبقى افتراضية على أساس أنه لا توجد إحصاءات دقيقة، منها غياب الكشف المسبق وكذا الكشف الوراثي في الجزائر..
دعا المشاركون المتخصون من دول مختلفة، عند اختتام أشغال هذا الملتقى الذي دام يوما كاملا، إلى الإسراع في إنشاء مركز وطني متخصص بالشرق الجزائري متخصص في أمراض فقر الدم الوراثي، وكذا إنشاء مركز وطني آخر لزراعة النخاع لمعالجة الدم من الجذور، مع المطالبة بإعداد دفتر وطني لأمراض فقر الدم الوراثي، وكذا إلزامية إجراء التشخيص المبكر لهذا الأخير قبل الزواج بالخصوص، وخاصة أكثر من35 إلى 45 بالمائة من الإصابة ناجمة عن الزواج بين الأقارب، وكذا تعميم طريقة تحويل الدم المعروفة باسم ''الفينوتيب'' على مستوى كل المستشفيات الوطنية، مع التأكيد على ضرورة توسيع العمليات التوعوية، الإعلامية، التحسيسية والتربوية، وتوفير الدواء للمرضى والمصابين من أجل الوصول إلى صفر ولادة.
أكد المختصون أن المرض يبقى يشكل خطورة عالية لدى المواليد والأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الرابعة في حال عدم التكفل اللازم والعاجل بحالتهم الصحية، خاصة وأن هذا المرض يتميز بعدم قدرة الجسم على إنتاج الكريات الحمراء العادية، مما يتسبب في حدوث فقر في الدم وتعب، إضافة إلى تسجيل تأخر في النمو، مما يستدعي القيام بعمليات حقن الدم شهريا ومدى الحياة وبانتظام، لأن غياب العلاج الذي يزيل تراكم الحديد في الأعضاء (الكبد والقلب والبانكرياس) يؤدي إلى وفاة المصاب عند بلوغه سن .20



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)