ماذا تبقى من رواية المزاح لميلان كونديرا، بعد مرور اثنين وأربعين عاما عن نشرها؟ كيف نقرأ اليوم رواية أدرجت ضمن خانة الأعمال السياسية التي ساهمت في فضح النظام الستاليني، بعد انتهاء دواعي كتابتها؟ وهل يوجد أبعادا جمالية وفلسفية، غير الأبعاد الإيديولوجية في رواية كونديرا؟
أهمية رواية المزاح التي صدرت في تشيكوسلوفاكيا سنة ,1967 في كونها ساهمت في تحقيق النقلة السياسية في أوروبا الشرقية، من الأنظمة الشمولية إلى التعددية والديمقراطية، وروجت لتيار أدبي ساهم في تفعيل جنس روائي سمي لاحقا بأدب الانشقاق .
نشر كونديرا رواية المزاح رغم الرقابة المفروضة من قبل الحزب الشيوعي الحاكم الذي شرع في توجه سياسي انفتاحي نوعا ما مع بداية الستينيات. وبعد سنة من نشر الرواية، وقعت أحداث ربيع براغ في أوت 1968، فعرفت رواجا منقطع النظير في الغرب بالأخص، بحيث اهتم النقاد ببعديها السياسي والأيديولوجي، المعادي للستالينية، على حساب أبعادها الجمالية والفنية. وبحسب فرنسوا ريكار دائما، فإن النقاد في الغرب اعتبروا هذا العمل بمثابة رواية مُلتزمة، ووثيقة اجتماعية وبيان سياسي. رأوا فيها دليلا ماديا قويا في المحاكمة التي كانت تستهدف النظام الستاليني آنذاك، وكل أشكال الشمولية .
وظل النقاد يقدمون قراءات سياسية لأعمال كونديرا عقب الغزو السوفيتي لتشكوسلوفاكيا، وحتى أعماله اللاحقة الحياة هي في مكان آخر و فالس الوداع قرأت سياسيا وأيديولوجيا. وبالفعل كان كونديرا قد ألق على عاتقه مهمة فضح تجاوزات الأنظمة الستالينية الحاكمة في أوروبا الشرقية آنذاك.
صحيح أن هذه القراءة ليست خاطئة، من منطلق أن كل عمل إبداعي يستجيب لروح العصر، وكثـر القراء الذين كانوا يدافعون عن الأدب الانشقاقي من زاوية أنه ساهم في تدمير الشمولية والستالينية. وذلك هو الإحساس الذي كان يطغى بعد القراءة الأولية لهذه الرواية إلى غاية الثمانينيات. لكن بعد إعادة قراءتها بعد مرور عدة سنوات عن القراءة الأولى التي ارتبطت بوضع سياسي معين، هو سقوط جدار برلين، ورحيل أباطرة الأحزاب الشيوعية، تبرز تفصيل أخرى، وأبعاد جديدة لهذه الرواية التي ستبقى من أهم روايات القرن العشرين.
وتقدم رواية المزاح صورة واقعية عن المناخ السياسي الذي كان سائدا في تشيكوسلوفاكيا بين نهاية الأربعينيات ووصول الشيوعيين للحكم، ووسط الستينيات التي شهدت بدايات الانفراج السياسي التي أدت إلى مأساة أحداث ربيع براغ سنة 1968، حيث قامت القوات السوفيتية بقمع أنصار الانفتاح والديمقراطية.
ويمكن اعتبار هذه الرواية -على حد تعبير فرنسوا ريكار دائما- بمثابة العمل الأدبي الذي يثير احترام المؤرخين وعلماء الاجتماع على حد سواء، من منطلق أنها (الرواية) تملك القدرة على التعبير عن بعض الحقائق التاريخية بخصوص مرحلة من المراحل التاريخية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/02/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : يكتبها حميد عبد القادر
المصدر : www.elkhabar.com