"....في العام 1546م، تَنَفَّسَ الغرناطيون قليلا من الصّعداء بمجيء بيدرو غيريرو إلى المنطقة كرئيسٍ لأساقفتها حيث فَضَّلَ السَّيْر على نهج تالافيرا بمحاولة تنصير مسلمي مملكة غرناطة بالحُسنى.
خلال هذه الحقبة، تأسست مدرسة لتربية أطفال غرناطة على التعاليم المسيحية الكاثوليكية سُمِّيتْ لاَسْ كَاثَاسْ دِي لاَ دُوكْتْرِينَا (Las Casas de la doctrina)، أيْ بيوت العقيدة، بطلب من بيدرو غيرِّيرو نفسه، وقيل إن المشروع جاء بطلبٍ من موريسكيين في البيازين أيضا.
لكن هذا المشروع الذي بدا واعدا في بدايته سرعان ما انهار بعد أن تراجع إقبال الأطفال الموريسكيين على هذه المدرسة إلى أن تم إغلاقُها نهائيا حوالي 1568/1569م .
وبشكلٍ عام، لم تُعمِّر سياسة بيدرو غيريرو طويلا، وتعرضت للانتقاد الشديد في المجلس الكَنسي لعام 1565م، لا سيّما أنها فشلت في إقناع الموريسكيين في التخلي عن ديانتهم الإسلامية. وبالتالي أنهى هذا الفشل فترة "الاستراحة" بالنسبة لهذه الأقلية المضطهَدة، وعادت سياسة القبضة الحديدية إلى الواجهة والتي جسَّدها المرسوم المنبثق عن توجيهات المجلس الكنسي المعروف بمرسوم "الإصلاح" للنهج التنصيري لِموريسكيي غرناطة واستكمال كَثْلَكَتِهِمْ الصادر في مطلع شهر يناير/جانفي 1566م. وكان من بين تعليمات مشروع "الإصلاح" هذا التأكيدُ على منع الموريسكيين منعا باتًّا من استخدام لغتهم العربية أو Algarabia، كما كان يُقال باللغة القشتالية، كما مُنِعوا خلال أفراحهم وحفلاتهم من الغناء والرقص على الطريقة العربية الأندلسية التي ورثوها عن أجدادهم. وهو المنعُ ذاتُه الذي ورَد في مرسوم الملكة إيزابيلا عام 1502م دون أن يُطبَّق بِحزم ولا الموريسكيون أوْلوه أيَّ اهتمام واحترام . لكن كل هذه الممنوعات لم تزد الموريسكيين/الأندلسيين إلا إصرارا على التمسك بهويتهم ودينهم.
خلال هذا العام ذاته، عام 1566م، أصدر الراهب مارتن بيرث دي آيالا (Martin Perez de Ayala) كتابا عن الديانة النصرانية حسب المذهب الكاثوليكي يحمل عنوان Doctrina cristiana en lengua arábiga y castellana para instrucción de los nuevamente convertidos del reino de Valencia (العقيدة المسيحية باللغة العربية والقشتالية لتعليم حديثي التنصر في مملكة بلنسية) موجَّها إلى الموريسكيين وباللغة العربية العامِّية التي كانت سائدة في غرناطة وبلنسية، لأن الفصحى حينها لم تبق في متناول الجميع بعد كل القهر الثقافي الذي مورس على هؤلاء المسلمين لقرابة قرن من الزمن .
وقد استُخدِمت في هذا الكتاب مصطلحات قرآنية، بما فيها تسمية الكنيسة بـ: "الجامع" .
وتضاف لهذه الجهود قائمة طويلة من المساعي الدينية قام بها رهبان، بالتعاون أحيانا مع رهبان موريسكيي الأصل ، تطعن في الإسلام والقرآن الكريم هدفها الإقناع بأن الديانة الإسلامية غير صحيحة والخلاص يأتي باعتناق المسيحية، بعضها من توقيع اليسوعي بيدرو لوركا (Pedro Lorca) عام 1586م وقبله لوبي أوبريغون (Lope Obregon) عام 1555م .
لكن المثقفين المسلمين لم يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء نقل المعركة الحضارية إلى الحقل الفكري...
المقاومة الثقافية لم تتوقف أبدا، واستمر استخدام اللغة العربية حسب المقدرة، إذ كان الموريسكيون يتحدثون بها فيما بينهم حتى في محيط الكنائس عندما كانوا يريدون أن يقولوا فيما بينهم أشياء لا يريدون أن يفهمها "المسيحيون القدماء". كما لم يتوقف أبدا تداول المخطوطات والكتب العربية المرتبطة بالدين الإسلامي وتعاليمه سرًّا وغيرها من المواضيع العزيزة على قلوب الموريسكيين..."
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/12/2018
مضاف من طرف : nemours13
صاحب المقال : فوزي سعد الله
المصدر : فوزي سعد الله: الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم. دار قرطبة. الجزائر 2016م.