محمد بن علي السنوسي .....مؤلفاته وآثاره:
لا شك أن عالماً كبيراً وداعية مجتهداً مثل السيد السنوسي بما توفر فيه من نظر ورأي سديدين كان يبدي آراءه وينشرها بين أتباعه ، ولذا فإنه كان مضطراً في بعض الأحايين إلى كتابه هذه الآراء والاجتهادات .
كما أن الباحث لا يستطيع الحكم على الآخرين إلا من خلال آثارهم وما نقل عنهم .
وللإمام السنوسي رحمه الله مؤلفات كثيرة في مجالات شتى ، حصرها الدكتور الدجاني على النحو التالي:
أولاً: المطبوع منها:
1- المسائل العشر المسماة: بغية المقاصد في خلاصة الراصد ، موضوعه عشر مسائل فقهية ، خالف فيها السنوسي مشهور مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى ، بين أدلة مأخذه في هذه المسائل ، مناقشاً ومحرراً لمشهور المذهب في هذه المسائل .
2- السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين ، تكلم فيه عن سلسلة الطرق الصوفية الموجودة في وقته ، وبين طرق اتصالها إلى أصحابها .
3- إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ، وهو في أصول الفقه ، بين فيه وجهة نظره في الاجتهاد .
4- المنهل الروي الرائق في أسانيد العلم وأصول الطرائق ، بين فيه أسانيد روايته للكتب الحديثية والفقهية ، كتبه استجابة لمن سأله بيان أسانيده في السنة .
5- الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية .
6- المسلسلات العشرة في الأحاديث النبوية .
7- رسالة مقدمة موطأ الإمام مالك رضي الله عنه ، مقدمة رائقة في بيان بعض تاريخ هذا الكتاب العظيم ، وذكر بعض شروحه ومنزلته من كتب السنة .
8- شفاء الصدر بأري المسائل العشر ، وهو مختصر بغية المراصد السابق ذكره .
ثانياً: المخطوط:
1- الشموس الشارقة في أسانيد شيوخنا المغاربة والمشارقة .
2- البدور السافرة في عوالي الأسانيد الفاخرة .
3- الكواكب الدرية في أوائل الكتب الأثرية .
4- سوابغ الأيد بمرويات أبي زيد .
5- رسالة جامعة في أقوال السنن وأفعالها .
6- هداية الوسيلة في إتباع صاحب الوسيلة .
7- طواعن الأسنة في طاعني أهل السنة .
8- رسالة شاملة في مسألتي القبض والتقليد .
9- رسالة السلوك .
10- شذور الذهب في محض محقق النسب .
ثالثاً: ما ذكر اسمه ولم يعلم مكانه ، وهي كثيرة جداً تبلغ 23 رسالة وكتاب [9] .
ويكون مجموعها أكثر من أربع وأربعين مصنفاً ، في مختلف العلوم وإن كان الغالب فيها السنة والتصوف .
وفي هذه المؤلفات توجد ملاحظة مهمة ، هي التأصيل الشرعي المستمد من تراث الأمة في السير بالدعوة والحركة والفكر ، والله أعلم .
الدعوة السنوسية :-
التعريف:
السنوسية دعوة إسلامية مشوبة بالصوفية ؛ ظهرت في ليبيا، وعمت مراكزها الدينية شمالي أفريقيا
والسودان والصومال وبعض البلاد الاسلاميه .
التأسيس وابرز الشخصيات
• تأسست الدعوة السنوسية في ليبيا في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي)، بعد شعور مؤسسها بضعف المسلمين وتأخرهم دينيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، فأنشأ حركته (*) التجديدية .
ومن أبرز شخصياتها :
ـ الشيخ محمد بن علي السنوسي 1202هـ ـ 1276هـ (1787 ـ 1859م) وهو المؤسس للدعوة السنوسية، وتنسب السنوسية لجده الرابع.
وُلد في مستغانم في الجزائر، ونشأ في بيت علم وتُقىً. وعندما بلغ سن الرشد تابع دراسته في جامعة مسجد القرويين بالمغرب، ثم أخذ يجول في البلاد العربية يزداد علماً فزار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن ثم رجع إلى مكة وأسس فيها أول زاوية لما عُرِف فيما بعد بالحركة السنوسية.
وله نحو أربعين كتاباً ورسالة منها: الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية وإيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن.
الأسس الفكرية للحركة السنوسية
بعد أن استعرضنا جزءاً من ترجمة الإمام السنوسي لا بد لنا من التطرق إلى الأسس والأصول الفكرية التي دعا إليها الإمام السنوسي وتلقاها أتباعه ودعوا إليها وساروا بها إلى الناس في حركتهم
والحقيقة التي يلاحظها المتتبع لسير الحركة السنوسية أنها ( فكر وحركة ) ، و( تصور ومنهج) ، ( ومنهج وعمل ) ، وليست مجرد دعوة فكرية أو مذهب أيدلوجي فحسب .
يقول الأستاذ أحمد حلمي زادة أحد مؤرخي تاريخ الدولة العثمانية:
( الطريقة السنوسية هي عبارة عن جمعية مذهبية وطريقة صوفية وسياسية واجتماعية ، ولو أنها من الناحية السياسية ليس لها أغراض تمردية على الدولة ) [10] .
وفي هذا إشارة إلى تكاملية الدعوة والحركة السنوسية ، فلم تقتصر على جانب دون جانب، وإن كانت تحكمها ظروف العصر ، فهي قد نشأت في ظل الدولة العثمانية التي كانت دولة الإسلام والخلافة
وهذا يفسر لنا قول المؤرخ المذكور ( ليس لها أغراض تمردية على الدولة ) ، فذلك أنها لا تحارب دولة الخلافة ، وإنما ترفدها وتسندها ، على العكس مما كانت عليه بعض التيارات الأخرى كالحركة الوهابية مثلاً .
ويمكن إرجاع السبب في هذا الفهم إلى كون الإمام السنوسي من العلماء الكبار في علوم الشريعة ، فهو المحدث الأصولي الفقيه المجتهد ، وهو الصوفي المربي ، وهو أيضاً ذو اطلاع تاريخي وصاحب اطلاع على علوم عصره من الهندسة وغيرها كما مر معنا .
هذا كله مع السبب الأول والمهم الذي هو توفيق الله تعالى ، الذي رعى هذه الدعوة ، وإلا فلولا الله لم يكن ما كان .
وأستطيع أن أجمل الأسس الفكرية والتصورات التي سارت عليها الدعوة السنوسية فيما يلي:
أولاً: دعوة الناس كافة إلى الالتزام بأحكام الإسلام الظاهرة والباطنة ، وذلك أن المسلمين في تلك الحقبة كان قد انتشر فيه الجهل وقلة الالتزام ، فكان تعليم الناس أحكام الشريعة هدفاً أولياً ، حتى يحقق المسلم معنى إسلامه .
وفي ذلك يقول الإمام السنوسي في إحدى الرسائل التي بعثها إلى بعض رؤساء العشائر: " وثانياً فإنا ندعوكم بدعاية الإسلام من طاعة الله ورسوله ، قال تعالى في كتابه العزيز: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول )) ، وقال تعالى: (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) ، وقال تعالى: (( ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً )) .
والطاعة هي امتثال أمر الله ورسوله من إقامة الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وأداء زكاة الأموال وحج بيت الله الحرام واجتناب ما نهى الله عنه من الكذب والغيبة والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق وشهادة الزور وغير ذلك مما حرم الله ورسوله فبذلك تنالون الخير الأبدي والربح السرمدي الذي لا يعتريه خسران ولا يحوم حول حماه حرمان .
وقد طلب منا أناس من ذلك الطرق أن نبعث معهم بعض إخواننا يذكرون عباد الله ويعلموهم ما فرض الله ورسوله عليه ويهدوهم إلى سبيل الرشاد ، وعزمنا على ذلك لكون هذه الوظيفة هي التي أقامنا الله عليها: ننبه الغافل ونعلم الجاهل ونرشد الضال " [11] .
ويمكننا ملاحظة عالمية الدعوة عند الإمام السنوسي من حرصه على إنشاء زواياه في كل مكان قدر عليه ، فأول زاوية أنشأها كانت في الحجاز ، ثم في مصر وليبيا والجزائر والسودان الإفريقي ( تشاد ومالي ) .
وهذه سمة مهمة وخاصية تنبه لها الإمام بسبب حياته مع القرآن الدستور العالمي ، وملاحظته ضعف المسلمين في كل مكان من العالم الإسلامي .
ثانياً: من خصائص وأسس الدعوة السنوسية ما يمكن تسميته بـ ( سياسية عدم المواجهة مع الاتجاهات الإسلامية ) .
وهذا يتضح لنا جلياً من خلال عدة مواقف للإمام ، مثل موقفه من الحركة المهدية ودعوتها ، وحيث بعث إليه محمد أحمد المهدي صاحب الدعوة المهدية في السودان كتاباً فلم يرد عليه بنفي ولا إثبات ، حيث ادعى المهدية ، أي أنه صاحب الدعوة في السودان ادعى أنه المهدي المنتظر ، فلم يواجهه مع رفضه لفكره [12] .
وأيضاً عدم مواجهته الدعوة الوهابية ، مع أنها كانت ترى بطلان مبادئ الإمام السنوسي المتمثلة في التصوف والمعتقد السني الأشعري !! ورغم ذلك فلم يؤثر عن الإمام السنوسي كلمات أو ردود على تلك الطائفة [13] .
استمع إلى الإمام السنوسي رحمه الله يقول في إحدى رسائله ، بعد أن سئل عن خلاف بعض الناس في عصمة الأنبياء ، فأرشدهم إلى مراجعة كتب أهل العلم من علماء المسلمين كالإيجي والشريف الجرجاني والرازي والآمدي وغيرهم ، ثم قال:
" إنكم تعلمون أن مادة الخصام ليس من دأبنا ، وقد علمتم أن شأننا هو امتثال قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من ترك الجدال وهو مبطل بنى الله له بيتاً في الجنة ، ومن تركه وهو محق بنى الله له بيتاً في وسطها ، ومن حسن خلقه بنى الله له بيتاً في أعلاها ) .
هذا وشأن أهل الله أن يكونوا أرضاً لمن سواهم ، يحملون من الأذى حملها وينتجون خيرها … وأما الخوض والجدال في الأمور الاعتقادية فهو الطامة الكبرى والداهية الغرى " [14] ؟! .
وهذا يعطي لنا ضوءاً نفسر به انتشار الدعوة في بلاد المغرب والحجاز وغيرها من أماكن الصراع الفكري .
ويجب التنبيه هنا إلى أن هذا المبدأ لا يعني تمييع القضايا كما قد يفهمه البعض ، بل هو مبدأ ينطلق من العلم الشرعي الصحيح ، واختيار الرأي الصحيح والترجيح ، ثم بعد ذلك لا نلتفت للخلاف ، فهنا الخلاف ليس معوقاً للحركة وإنما هو رصيد تختار منه ما تراه صواباً وحقاً ثم تتجاوزه ولا تقف عنده
وأيضاً لا تقبل الدعوة البحث في الأمور العقائدية ، ذلك أن العقيدة أمر لا يسع الخلاف فيه، لأنها متقررة ثابتة متوارثة عبر أجيال المسلمين .
ثالثاً: من الأمور التي تميز هذه الدعوة عن غيرها من الدعوات في ذلك العصر هو رؤيتها الصحيحة للوضع السياسي ، ولذا نراها لا تواجه الخلافة العثمانية ، وتعتقد صحتها ، وإن كان هناك بعض الملاحظات من أهمها الضعف الديني وعدم استيفاء بعض الشروط كشرطية القرشية في الخليفة ، ولم توجه حربتها إلى صدر الخلافة .
هذا في حين نجد أن الدعوة الوهابية قد حملت السلاح في وجه دولة الخلافة ، والحركة المهدية لم تعتبر ولم تقم للخلافة وزناً .
وهذا يفسر لنا سبب رضا الدولة العثمانية للحركة السنوسية ، فقد أصدرت الدولة العثمانية مراسيم تبين فيها رضاها عن الحركة وتقر فيها أوقاف الحركة وزواياها وتوصي بدعمها [15] .
يقول د. الدجاني: " وفي رأينا أن ابن السنوسي مع إيمانه بأحقية القرشي بالخلافة لم ير إثارة موضوع الخلافة ، لأنه رأى أن من غير المناسب وليس من مصلحة المسلمين إثارة هذا الخلاف حول الخلافة ، ولذلك ركز تفكيره على جوانب الإصلاح الأخرى " [16] .
وفي المقابل نرى الإمام السنوسي يعد ويستعد للمواجهة مع الدول الغربية التي احتلت الجزائر في تلك الفترة ، فوجه اهتمامه إليها .
فلا شك أنه قد تأثر بهذا الحدث في العالم الإسلامي ، فلم يستطع السكوت فيما بعد ، فكان يدعو الناس إلى الجهاد في سبيل الله ضد النصارى والكفار ، وهذا أمر شعر به الفرنسيون وتنبهوا له ، فيقول الرحالة الفرنسي وفرير في ذلك:
" إن السنوسية هي المسؤولة عن جميع أعمال المقاومة التي قامت ضد فرنا في الجزائر " ، إلى أن يقول:
" إن الحقيقة التي يجب أن لا نغفل عنها أو نتغافلها هي أن الطريقة السنوسية أخطر أعداء نفوذنا - أي الفرنسيين - في شمالي أفريقيا وفي السنغال ، وأنها العقبة الكأداء في سبيل توسعنا السياسي والاقتصادي داخل إفريقيا " .
وهذا جعل الحكومة الفرنسية تومي إلى الدولة العثمانية بأن الحركة السنوسية تدعو إلى إضعاف الدولة العثمانية مما أثار شكوك الدولة العثمانية ، لكن تبين من خلال من أرسلته إليهم كذب الحكومة الفرنسية فلم تعبأ بها [17] .
وفي هذا إشارات ودلائل للمسلم المعاصر أن لا يغفل عن عدوه الحقيقي ، وأن يكون ذا نظر ثاقب للأمور ، يحلل بميزان الإسلام الطرق والوسائل التي يتعامل بها مع الآخرين .
وكم جر على الحركات الإسلامية من مآسي جهلها بعدوها الحقيقي والفعلي !! فتراها تهاجم في غير عدو وتقاتل في غير مقتل [18] !
فليست الحركة السنوسية إذاً مجرد حركة صوفية خرافية !! كما يقول بعض السذج ، وإنما هي تربية وجهاد وعلم وعمل ومصحف وسيف وفكر وحركة .
رابعاً: ومن آراء السيد محمد بن علي السنوسي البارزة هي دعوته إلى العمل بالكتاب والسنة في المجال الفقهي ، ورفضه للتقليد الذي أوجبه المتأخرون وحملوا الناس عليه وأغلقوا باب الاجتهاد !!
وهذا لا يعني رفض الاجتهادات التي جاء بها الأئمة الأربعة واستقر عليها عمل الأمة قروناً ودهوراً ، وإنما هو نظر واستدلال والوقوف مع الدليل وأتباعه إذا تبين لنا مخالفته للمذهب .
ومع هذا فقد كان الإمام السنوسي يفتي بمذهب الإمام مالك مع ادعائه الاجتهاد [19] ، وذلك لأن المسلمين في بلاد المغرب الإسلامي ( من ليبيا إلى الأندلس المسلوب أعاده الله دار إسلام ) كلها تدين الله سبحانه بعقيدة الأشعري وفقه الإمام مالك رحمهم الله تعالى .
فهو يرفض القول بإقفال باب الاجتهاد ، ولكن لا يعني هذا أنه يولج بلا شروط ولا ضوابط - كما نرى بعض الناس يفعل .
وإنما هو يدعو من استكمل آلة البحث والنظر إلى إبداء الرأي وعدم الوقوف على أقوال السابقين .
وهذا الرأي طرحه الإمام السنوسي بشكل واضح في كتابه المسمى بـ ( إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ) .
وقد طبق الإمام رأيه هذا في كتابه: بغية المقاصد في خلاصة المراصد ، حيث ذكر فيه المسائل التي خالف فيها مذهب المالكية .
وفي الحقيقة ليس من ضير على من بلغ رتبة النظر والرأي أن يجتهد في المسائل الفقهية ، وإنما الضير والحرج والخطأ في تسوُّر بعض من لا يفهم من الذين لم يبلغوا رتبة من العلم هذا الباب ، ورفضهم آراء من سبق من العلماء !!
وقد ظن بعض الباحثين بأن هذه الفكرة تسربت إلى الإمام السنوسي جراء تأثره بالدعوة الوهابية ، وهذا ليس لازماً ، فإن من علماء المغرب من كان يدعو إلى هذا المنهج الفقهي ، مثل الإمام محمد بن ناصر الدين الدرعي الذي وصف بأنه مجدد المغرب وأنه أحيا السنة بالمغرب .
وهذه الدعوة من الإمام السنوسي كان لها أثر إيجابي في سيره العلمي ، فقام بإقراء كتب الحديث الشريف فأحيا علوم الإسناد ، كما ترى في مصنفاته ذلك ، وألف مقدمة لدارسي موطأ الإمام مالك ، وهذا أمر يحمد عليه رضي الله عنه .
خامساً: ومن الخصائص التي امتازت بها الحركة السنوسية هي الربانية المتمثلة في الطريقة الصوفية السائرة على منهج الكتاب والسنة .
حيث تحتل الصوفية النقية محلاً من فكر الإمام السنوسي والدعوة السنوسية ، فالإمام السنوسي هو أحد المتحققين في هذا الباب ، وله فيه عدة مصنفات ، من أهمها ( السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين ) .
فالطريقة الصوفية هي وسيلة للترقي بالنفس وتهذيبها ومعالجتها من شهواتها الفاسدة ، وتطويعها لله سبحانه
يقول السيد السنوسي في إحدى رسائله:
" وبعد ، أخي فالمطلوب منا جميعاً إقامة ما خلقنا لأجله من العكوف على التزام محققات العبودية واجتناب دواهي منازعات الربوبية ، بتعمير ظواهرنا بالأدب على متابعة أفعال وأقوال عبده وصفيه الأنور صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وذلك بتعمير بواطننا بمراقبته تعالى في جميع حركاتنا وسكناتنا بحيث لا نفعل ولا نقول إلا ما نعلم أنه يرضى عنه ، وندع كل ما سواه ، ونخلص ذينك من شوائب الأكدار وملاحظات الأغيار بحيث يكون نصب العين في كل مشهد بكل ما يرى ويشهد " [20] .
ثم يبين طريقة ذلك قائلاً:
" ولا سبيل إلى ذلك السبيل إلا بالدخول من باب العلم الشرعي من حديث وتفسير وفقه على الأوجه الأكمل الذي كان عليه السلف وورثه عنهم الخلف ، وهي طريقة الكمل من البرهان والعيان ، وهي أفضل الطريقتين وأكمل المنزلتين .
وبالدخول من باب المجاهدة وارتكاب مشاق المكابدة بمخالفة النفوس وإذاقة البؤس وملازمة الأذكار آناء الليل وأطراف النهار حتى تنقدح الأنوار في قلب الذاكر فيستنير به الباطن والظاهر ، من باب أن النور إذا دخل القلب انشرح وانفسح ، قيل: وهل لذلك علامة يا رسول الله ؟ قال: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد إلى الموت قبل نزول الفوت .
فيستفيد العلوم منه به إليه ، ويستغني عن العالم في كل ما يؤول أمره إليه من باب (( اتقوا الله ويعلمكم الله )) ، وما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علمه ، وليس العلم بكثرة الرواية ، إنما هو نور يضعه الله في قلب من شاء " [21] .
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/07/2011
مضاف من طرف : yasmine27
صاحب المقال : الاستاذ محمد الشارف الخطابي
المصدر : موقع الشريف الخطابي