الجزائر

محمد بن عزوز البرجي



الولي الأكبر و القطب الأشهر الشيخ سيدي محمد بن عزوز، ولد رضي الله عنه بالبرج من صحراء بسكرة في حدود سنة 1170، و توفي سنة 1232، ربي في حجر والده الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف، وحفظ القرآن العظيم و اشتغل بتحصيل العلم، فأخذ منه بغية حتى تضلع في المعقول.
و ألف تأليف مفيدة، منها الراسلة عالية في قواطع المريد و شرح على التلخيص و غيرهما ثم اشتاقت نفسه لعم الباطن فرحل لزيارة الشيخ الأكبر سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري و أخذ عنه طريقة و أدخله الخلوة و في تلك المدة خفت عن والدته أخباره حيث لا بوسطه و لا تلغراف، و اشتد شوقها إليه و قلقها عليه، فصعدت سطح دارها و نادته بثلاثة أصوات و بالرجوع إلى والدته وقال له: إن أدركتني المنية من بعدك فعليك بخدمة الشيخ عبد الرحمن باش تارزي تلميذه دفين قسنطينة، فكان الأمر كما ذكره، و لازم خدمة الشيخ باش تارزي إلى وفاته تمام سلوكه على يده.
و في السنة 1232 سافر صاحب الترجمة لحج بيت الله الحرام مع تلامذته الكاملين سيدي علي بن عمر الطزلقي، سيدي عبد الحفبظ الحنقي، و سيدي مبارك بن خويدم، وكان الركب الذي سافر معه سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن قبل على علرش الملك، فتعرف بالشخ لما رآه مكم كماله و لاززمه إلى أن أصبح ذات يوم متألما و تعطل سير الركب، و لما بلغ خبره مسامع السطان تحير واعده حينا و عالجه فشافه الله، و قال له سيدي علي بن عمر على لسان الشيخ: لمات شفاني الله على يدك فادع الله بما تريد يستجيب لك، فقال: لا أريد الآن إلا ولاية الملك، وهي بعيدة عني إذ بيني و بينها سبعة الرجال فقال: ندعو الله أن تكون لك، و إذا بالمملكة المغربية نزل بها و باء مات فيها السبعة و لما ىب السلطان من الحج و جد رجال دولته في انتظاره، فبايعوه و بقيت المكاتبات الودادية، جارية بينهما ثم إن الشيخ رجع من حجه ووجد الوباء ضاربا أطنابه في الزيبان، فكان هو آخر من استشهد به رضي الله عنه و ذلك سنة 1232و دفن بقرية البرج و بها الآن ضريحة المقدس، يأتيه الزوار من كل فج عميق، و ترك ستة أولاد كلهم مرشدونعلماء صالحون منهم سيدي مصطفى بن عزوزصاحب زاوية نقطة.
كان الشيخ رضي الله عنه آمر بالمعروف ناهيا عن المنكر محبا للمسلم و الأمن، و لذلك كان الناس يدعونه للصلح في مشكلاتهم و يطلب منه أمراء وطنه إخماد الثائرين، فيسعى في تلبيتهم بعظيم جاهه و لطف قوله، وكان حليما ذا أخلاق مسكية مع ما ألبسه الله من الهيبة و الوقار، و تخرج على يده فحول منهم الشيخ سيدي علي بن عمر صاحب الزاوية طولقة، و الشيخ سيدي عبد الحفيظ صاحب زاوية خنقة سيدي ناجي، و الشيخ سيدي المدني التواتي، و سيدي مبارك بن خويدم و غيرهم و لهؤلاء أتباع و مريدون لا يحصون، حتى إنه قلما يوجد في القطر الجزائري الشرقي و التونسي و طرابلس الغرب و بنغازي من ليس منتسبا لطريقته بواسطة أو وسائط، بل كادت أن تسمى الرحمانية بالعزوزية، و لولا الالتزام بالاختصار لأتينا في سيرته و مناقبة بما يكون وحده جزءا كبيرا و لكن شهرته تغني عن التعريف به و ناهيك أن ولده سيدي مصطفى و حفيده سيدي المكي بن عزوز قاطن الأستانة الآن اه، من خط الشيخ الكامل بن الشيخ المكي بن عزوز، نفعنا الله ببركاتهم آمين.
أقول: و للشيخ سيدي محمد بن عزوز أرجوزة سماها "رسالة المريد في قواطع الطريق وسوالبه و أصوله و أمهاته" و شرحها شرحا عجيبا مفيدا للغاية و هي و شرحها كافيان في الدلالة على عظم مقامه العلمي و العملي، و سنذكرها بتمامها حرصا على الإفادة و الإستفادة، و لأنها في الحقيقة قانون التمدن الكامل، لأنه عبارة عن تهذيب النفس و قتل حيوانيتها الطبعية، لكن قتلها عند الأخرويين في سبيل الله، و عند الدنويين في سبيل الإنسانية، و هذه تختلف باختلاف المعارف و العقائد و الأقطار و العوائد، و الحق أنها ما به إدراك الخير و طلبه و الشر و إجتنابه و قد أحببت أن أذكر نبذة من كلام الشيخ في شرح أرجوزتهللتبرك به قال قدس الله روحه، و نور ضريحه، و نفعنا ببركاته.
و أختلف أيضا هل الحمد و المدح بمعنى واحد أو معنها واحد أو متغايران، و الذي يقول بالتغاير يفرق بينهما بأن الحمد مخصوص بالحي، و المدح يعم الحي و غيره، و لذلك يقال: مدحت اللؤلؤة على صفائها و لا يقال: حمتها، و اختلف في الألف اللام من الحمد الله فقيل، إنها للاستغراق جميع أفراد الحمد، إذا في الحقيقة ما حمد الله إلا الله، لأنه تارةحمد بنفسه كقوله تعالى:{الحمد الله} و {نعم العبد إنه أواب} و تارة يحمد فعله بفعله كجمد العبيد بعضهم بعض، فالحمد منه يدا و إليه يعود و قيل: إنها للجيش و هو يستلزم الاستغراق و قيل: إنها للعهد، و المعهود لنفسه فب الأول، كما أجاب به سيدي الشيخ أبو العباس المرسي بن النحاسالنحوي حين سأله عن ذلك اهـ.
و أما الأرجوزة المشار إلأيها و هي الرسالة المريد في قواطع الطريق و سوالبه و اصوله و أمهاته" للقطب الشهير الشيخ محمد بن عزوز البرجي نفعنا الله به أمين فهذا نصها:
الحــمد الله الذي ألهمنا
نظــم أصول و قواطـع لنا
ثم صلاته على سر الوجود
محمد أكرم وافواف بالعـهود
و آله و الصحب و التباع
و كل قطب للــرشـد داع
و بعد إن المرء ليس يشرف
إلا بأحكم الذي سيـوصـف
من التــجنب لكل قاطع
و اللارتـدا بكل أصل جامـع
و قد نظمت ما أفاد شيخنا
من أمهات و سوالــب المـنى
اذ طال ما بالغ في تفصيلها
فعند ذا شرعت في تحصيـلهـا
سميتـــها رسالة المريد
فيـــها له من كل ما مفـيد
فقـلت طالبا من الرحمان
عــونا و تبليغا إلى الإحسـان
قواطع المريد فاعلم شـره
رؤيـــــته أعماله معتـبره
كذا امتــداد أمل تحدث
نفســــه أنـه و لي وارث
قنـاعة بوارد الأحلام مع
ركـونه إلى قبــول الخلق دع
تــأنس بالورد مع تلذذ
بـوارد سكونه و الــوعد خد
و الاكتـفا بزعمه و الغرة
بالله ثمـــت هذه العشــيرة
وضف لها خمسا سوالبا أتت
إرســاله حورحا قد أودعـت
لدى نعـاصي الله و التصنـع
بــطاعة الله خــلق بمـنع
مـــثلها طمعه في الخلـق
وقيعة في عرض أهــل الحـق
و عـدم احترامه للمسـلمين
على الذي أمر رب الـعـالمين
و أمهات العشر قد تـقررت
إن حيلت نفس بها تظــهرت
لزومك التقوى بفـعل ما أمر
به و ترك كل ما عنه زجــر
و هـكذا العمـل بالأسباب
اللاتي يكمل لذى الألبــاب
بها التقى و يـستدام و اعددا
تــيقظا لها لما قــد وردا
و مثل ذا صحبة من يـدلك
على الإله و يـــريك عيبك
و جانب الأضداد أهل الغفلة
و الاغترار هــم اشـر فتنه
كـــذا التزم أدب بحسب
صاحب ذي التجريد و التسبب
آدب ذي التجريد قالوا أربعة
أنصـــافه من نفسه لمن معه
و عــدم انتصافه لها وضغ
لذا احتـــرام أكبر منه عرف
و رحمه الأصـغر منه ثم زد
أربعة للمتـــــسبب نفذ
و هي اجتنابه من أهل الظلم
إيثلر لعـــــامل بالعلـم
كــذا مواساة ذوي المجاعة
لــزومه للخمس في الحماعة
و سـو بالتراب لا تعبأ بمن
هـــذه خلا و لضد ضغن
و هــو القلب بأربع خصال
بــذكر غربتك في دار الزوال
و ذكر مصرعك حال موتتك
و وحـــشه و وحدة بحفرتك
و ذكرك الوقوف بادي الوجل
بـــين يدي رب خبير بالزلل
و خمسة هـي الصول الوافية
و هي الـتقى في السر و العلانية
كـــذا اتباع سنة الرسول
في القــول و الفعل بلا عدول
أعراض من الخلق سواء أدبروا
أو اقبــــلوا فالله نعم الناصر
وارض بقسمة إلاهك الخـبير
في كــل ما أعطى قليلا أو كثير
و ارجع له في كل حال قد أتت
سراء أو ضــراء كيف ما وفت
فـــذي ثلاثون فنصفها درر
حــل بها النفس بجانبك الضرر
و نصـــفها الول كالأفاعبي
ففــــر منها لا تجب لداعي
كــــذا أفادها لنا الأستاذ
نعـــــم المفيد و هو الملاذ
و الحــــمد الله على التمام
و نــــعمه الإيمان و الإسلام



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)