الجزائر

محمد بن الحسن القلعي



الأستاذ النحوي المحصل التاريخي أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن علي بن ميمون التميمي من قلعة بن حماد، كان جده ميمون قاضيا فيها.
نشأ بالجزائر و قرأ بها، و انتقل إلى بجاية مستوطنا و بها قرأ و برع، ولقي فيها مشايخ منهم الشيخ أبو الحسن الحرالي، و الفقيه أبو المطرف بن عميرة، و أبو زيد بن السطاح و غيرهم، و قٍا بالجزائر على أبي عبد الله بن مندلس، و غيره.
كان في علم العربية بارعا مقدما محكما لفنونها، الثلاثة: النحو و اللغة و الأدب، وكان له درس يحضره من الطلبة فضلاؤهم و نبهاؤهم، وتجري فيه المذاكرة المختلفة في التفسير و الحديث و أبيات الغريب و غيرهان وتمضي في ذلك من المعاني المنقحة ما لا يكاد أن يوجد مثله في نوادر الكتب و كان رحمه الله قويا في علم التصريف، ومحبا في التعليل، وكان جاريا فيه على سند أبي الفتح بن جني و كان كثير تلامذة و الأصحاب، و تقرأ عليه جميع الكتب النحوية و اللغوية و الأدبية، و يقوم على جميعها أحسن قيام.
قال الغبريني: و هو أفضل من لقيت في علم العربية، لزمت عليه القراءة ما ينيف على أعوام، و استمعت عه كثيرا، و استفدت منه كبيرا، قرأت عليه "الإيضاج" من فاتحته إلى خاتمته، و قرأت عليه قدر النصف من "كتاب سيبوية" و قرأت عليه قانون أبي موسى الجزولي، و قرأت جملة من الأمالي، و من "زهر الآداب" و من المقامات، وقصائد متخيرات من شعر حبيب و من شعر المتنبي، وحضرت قراءة "المفصل" و مضى الميعاد في مدة قراءتي عليه أضعاف أضعاف ما قرأته عليه.
و له كتاب سماه بـ "الموضح في علم العربية النحو" و له "تنقيح القنون" و "نشر الخفي في مشكلات أبي علي" و هو على الإيضاح، و هو على الإيضاح و كان يؤثر كتاب "الإيضاح" على غيره من الكتب.
و كان فيه فضل و سخاء و مروءة و إنجاب، وكانت يده و يد الطلبة في كتبه سواء لا مزيد له عليهم فيها و كان في ذلك على نحو قول الأول:
كتبي الأهل العلم مبذولة
يدي مثل يدهم فيـها
فــإنها يا محسن كتبهم
وظيفة الأشياخ تمضيها
و كان سخي الدمع سريع العبرة، سمعته يقول: إنه رأى رب العزة جل جلاله في المنام، فقال له، يا محمد قد غفرت لك، فقال: يا رب و بماذا؟ قال: بكثرة دموعك. و كان بارع الخطحسن الشعر، و من نظمه رحمه الله في الزهد و مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أمن أجل بانوا فؤادك مغــــرم
و قلــبك خفاق و دمعك مسجم
و ما ذاك إلا أن جسمك منجــد
و قلبك مع من سار في الركب متهم
و من قائل في نظمه متعجبـــا
و جسم بلا قلب فكــيف رأيتم
و لا عجب أن فارق الجسم قبلـه
فحيث ثوى المحبوب يثــوي المتيم
و ما ضرهم لو ودعوا يوم أودعوا
فؤادي بتذكاري الصبابة يضــرم
عساهم كما أبدوا صدودا و جفوة
يعودون للوصل الذي كنت أعلـم
و إني لأدعو الله دعوة مــذنب
عسى أنظر البيت العتيق و ألثــم
قيا طول شوقي للنبي و صحبـه
و يا شد مــا يلقي الفؤاد و يكتم
توهمت من طول الحساب و هوله
و كـــثرة ذنبي كيف لا أتوهم
و قـد قلت حقا فاستمتع لمقالتي
فهل تــائب مثلي يصيغ و يفهم
وذلك في الـقرآن أوضح حجة
و مــــا ثم إلا جنة أو جهنم
إليـك رسـول الله أرفع حاجتي
فأنت شفـيع الخلق و الخلق يرسم
فقد سارت الركبان و اغتنموا المنى
و إني مـــن دون الخلائق محرم
فيـا سامع الشكوى أقلني عثرني
فإنك يــا مولاي تعفو و ترحم
و يـا سامعي استوهبوا لي دعوة
عسى عطفـــه من فضله تتنسم
و هبني عصيت الله جهلا و صبوة
فمن يقبل الشـكوى و من يترحم
و قد أثقلت ظهري ذنوب عظيمة
و لــكن عفو الله أعلى و أعظم
و أختــم نظمي بالصلاة مرددا
على خير خــــلق الله ثم أسلم
و من شعره أيضا:
الخــبر أصدق في المرأى من الخبر
فهـــذا العذر ليس العين كالأثر
و اعمل لأخرى و لا تبخل بمكرمة
فكـــل شيء على حد إلى قدر
و خــل عن زمن تخشى عواقبه
إن الـــزمان إذا فكرت ذو عبر
و كـل حي و إن طالت سلامته
يغتاله الموت من بين الورد و الصدر
هو الحمـــام فلا تبعد زيارته
و لا تقـــل ليتني منه على حذر
يا ويح ن غــره دهر فسـر به
لم يخلص الفــو إلا شيب بالكدر
أنظر لمن تنظــــر آية عجبا
و عبرة لإولي الألـــباب و العبر
أين الأولى جنبوا خيلا مسومــة
و شيدوا إرما خوفا مـــن القدر
لم تغنهم خيلهم يوما و إن كثرت
و لم تفد إرما للحادث النكر أوضح
بادوا فعادوا حديثا إن إذا عجب
الرشد لولا شيء النظــــــر
تنافس الناس في الدنيا و قد علموا
أن المقام بها كاللمح بالصــــبر
أودى يفده شيئه مال ولا ولــد
و مزقته يد التشتيت في الأثــــر
فكون في ملوك العرب من يمـن
و لتعتبر بملوك الصين من مصـــر
أفنانهم الدهر أولادهم و آخرهم
لم يبق منهم سوى الأسمــاء و السير
و كان يسلك في شعره على طريق حبيب بن أوس، وكان صاحبه أبو عبد الله الجزائري يسلك في شعره سلوك المتنبي، و كان يتراسلان الأشعار، وكل واحد منهما على طريقته، فكان الأستاذ رحمه الله ينحو نحو حبيب، و الأديب أبو عبد الله الجزائري ينحو نحو المتنبي، و لولا الإطالة لأتيت من شعر كل واحد منهما ما يستظرف معناه و يروق محياه.
و شهؤته بالأديب سماه بذلك الشيخ أبو الحسن الحرالي، و ذكر أن سبب هذه التسمية أنه جرى بين يدي الشيخ رضي الله عنه ما قال الرجل، وأترك الريحان برحمة الرحماء للعاشقين، و تكلمفي معناه فقال بعض من حضر: أشار إلى العذار لأن و لوع القائل كان به، قال: فقلت: إنما أشار إلى دوام العهد لأن الأزهار كلها تنقضي أزمانها، و الريحان يدوم عهده، فإستحسن ذلك الشيخ رحمه الله، وقال: أنت أديب، فجرى عليه اسم الأديب، و هو أكثر الناس شعرا، وقد شرع في تدوين شعره في عام ثلاثين و ست مئة (630)، وهو في كل عام يقول منه ما يكتب في ديوان، وعاش بعد شروعه في تدوين شعره ثلاثة و أربعين سنة، ولو تم له تدوينه لكان في مجلدات كثيرة، و لكن بأيدي الناس منه كثير، وتواشيحه حسنة جدا.
و توفي رحمه الله ببجاية عام ثلاثة و سبعين و ست مئة (673).



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)