اختار محمد العديدي أستاذ بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، إثراء الرصيد المعرفي للجمهور الذي زار مؤخرا مهرجان الزي التقليدي، بإشرافه على تنشيط محاضرة جاءت تحت عنوان ”الزي الرجالي ”، كشف فيها عن مجموعة من الأسباب التي دفعت بالرجل الجزائري إلى التخلي عن زيه التقليدي وتعويضه باللباس الأوربي.
على هامش المحاضرة، تحدث الأستاذ محمد ل« المساء”، عن الدافع الذي جعله يختار موضوع ”الزي الرجالي” فقال ”ما جعلني أتحمس لهذا الموضوع هو أني قمت في سنوات الثمانينيات ببحث حول موضوع الزي الرجالي، في تلك الأثناء طلب مني أن أقوم بتحضير أطروحة لأحوز على الشهادة الجامعية بباريس، ففكرت في موضوع الزي التقليدي الرجالي الجزائري، وكانت بداخلي مجموعة من الأسئلة تدور حول مجموع الأسباب التي جعلت الرجل الجزائري يتخلى عن لباسه التقليدي ويرتدي اللباس الأوربي الذي ألفه وتعود عليه ما أنساه لباسه الأصلي”.
وأردف قائلا ” طرحت التساؤل التالي: ما هي العوامل التي شجعت أو حفزت الرجل على ترك لباسه التقليدي والتشبه بالرجل الأوربي، ومن ثمة بدأت أبحث لإثراء الموضوع بالرجوع الى المصادر التاريخية التي كانت في حقيقة الأمر شحيحة، ما جعلني أحصر بحثي في الفترة الممتدة بين 640 ميلادي الى 1830 تاريخ دخول المعمر الفرنسي الى الجزائر، وعلى العموم وانطلاقا من بحثي، تبين لي أن دخول اللباس العربي الجزائري كان بفضل الفاتح عقبة بن نافع، ليشهد بعدها العديد من التغيرات سواء من حيث الشكل الخارجي أو في طريقة التصميم، غير ان الأكيد هو ان الرجل الجزائري قديما لبس مثل الإغريق والفنيقيين الى جانب الزي الروماني البربري الذي كان عبارة عن قندورة محزمة بخيط الى غاية دخول المعمر الفرنسي، وهي الفترة التي عرفت انسلاخ الرجل عن لباسه التقليدي”.
وفي رده عن سؤال ”المساء” حول الأسباب التي جعلت الجزائري يتخلى عن لباسه التقليدي الذي تأثر بالحضارات التي تعاقبت عليه، قال ” في حقيقة الأمر تأكد لي من خلال بحثي، أن الرجل الجزائري تخلى عن لباسه التقليدي عقب دخول الاحتلال الفرنسي الذي جاء بثقافة جديدة أثرت على لباسه، ولعل من بين هذه العوامل اذكر العامل الاقتصاد، فاللباس التقليدي وتحديدا ”زي الرجل ”، كان باهظ الثمن بالنظر الى إتقانه ودقة صنعه، على خلاف اللباس الأوربي الذي كان رخيصا ومتوفرا، ما جعل الرجل يقبل على شراء مثل هذا النوع من الألبسة، وبالتالي العامل الاقتصادي لعب دورا كبير في تجريد الرجل من زيه التقليدي، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى، الزي العربي القديم كالسروال المدور، والقندورة لم يكن ثوبا عمليا بالنسبة للرجال الذين امتهنوا مهنا أخرى غير الفلاحة كالعمل بالمصانع والورشات التي أقامها المستعمر والتي كانت تتطلب نمطا معينا من اللباس، ومن ثمة فالبحث عن اللباس العملي المناسب لطبيعة بعض المهن، جعلهم يتخلون عن اللباس التقليدي” .ضف الى ذالك يستطرد محدثنا عامل التأثير الثقافي، فالمعمر الفرنسي كان يحتك بالأثرياء من الجزائريين، وكان يتبادل الهدايا وتحديدا في اللباس، وبالتالي، فالرغبة في التغير والبحث عن وجه جديد للباس دفع ببعض الجزائريين الى تفضيل اللباس الأوربي الذي كان يمثل بالنسبة لهم لونا جديدا لم يعرفه الجزائريون من قبل، هذا دون ان ننسى أطفال الجزائريين الذين كانوا يقصدون المدارس الأوربية، ما جعلهم يغيرون في لباسهم ويتشبهون بأبناء المستعمر.
من أهم النتائج التي خرج بها الأستاذ محمد من خلال بحثه، أن سكان المدن الكبرى تأثروا بما جاء به المستعمر من ثقافة في اللباس، حيث قال ”الرجل الجزائري الذي عاش بالمدن الكبرى هو الذي تأثر، لأن المستعمر استوطن هذه المدن، بينما نجد الرجل الذي عاش بالقرى ظل محافظا على خصوصية لباسه التقليدي”.
لا يستطيع الرجل الجزائري اليوم ان يلبس اللباس التقليدي الذي لبسه قديما، يقول الأستاذ محمد، لعدة اعتبارات، منها طبيعة المجتمع اليوم والتطورات الحاصلة التي فرضت نمطا معينا من الحياة، فلا يمكن للرجل ان يعمل بالقندورة مثلا في المؤسسات والمكاتب، غير ان هذا لا يعني التخلي عن اللباس التقليدي الذي يمثل أصالتنا، ويعلق محدثنا قائلا ” الرجل الياباني لديه نمطان من الحياة، الحياة العصرية التي يتشبه فيها من حيث اللباس بالرجل الأوربي، والحياة التقليدية أي بعد عودته الى المنزل يمارس تقاليده المجسدة في ارتداء لباسه التقليدي، لذا حبذا لو ان الرجل الجزائري يتفطن الى هذه المسألة ويحيي لباسه التقليدي بارتدائه في المنزل للحفاظ على الموروث، والتعريف به للشباب الذي لا يعرف أبسط المعلومات عن الألبسة الرجالية القديمة، وان كان بعض الرجال، خاصة كبار السن، يلبسون كل ما هو تقليدي في الأعراس والمناسبات.
وحول بعض المميزات التي اتسم بها الزي الرجالي قديما، قال الأستاذ محمد ”تنوعت وتعددت الألبسة الرجالية على غرار بدلة الجابادولي، البرنوس والسروال المدور والبشماق والسبرشيخة (بلغة) (وهي كلمة رومانية، يؤكد أن الجزائري لبس الزي الروماني)، غير ان الميزة الأساسية التي كانت تطغى على الألبسة هي الحشمة، التي تعكس أصالة وشهامة الرجل، ناهيك عن إبراز أناقته من خلال ما تحمله ثيابه من تصاميم وتنوع في القطع”.
مقال رائع
hama - etudiente - mila - الجزائر
13/07/2013 - 107892
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/12/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : رشيدة بلال
المصدر : www.el-massa.com