الجزائر

مجلتان حاضرتان في مستودعات الوزارة غائبتان في الأكشاك بحث في فائدة المجلات الثقافية في الجزائر



مجلتان حاضرتان في مستودعات الوزارة غائبتان في الأكشاك               بحث في فائدة المجلات الثقافية في الجزائر
خرفي: الجزائر لم تشهد منذ الاستقلال تجربة أدبية واحدة استمرت عشرين سنة سكيني: لماذا لا تسألون عن غياب ثقافة مساهمة رجال الأعمال في المشهد الثقافي حرز الله: لا وجود لاستراتيجية ثقافية واضحة منذ الاستقلال المجلات، كل المجلات، علمية كانت أو رياضية، نسوية، اقتصادية، أو سياسية، تصير كلها مجلات ثقافية بعد حين، ناهيك عن المجلات التي تعنى مباشرة بالفعل الثقافي، تصير لسان ثقافة البلد، صوتها الحضاري، منبرها الشعري والنثـري، جدالها النقدي، سجل سيرة نجاحات أبنائها وتراثها الشعبي... وحتى صوت الآخر فيها من خلال الترجمة، لأننا نقف أمام صفحات لا تسجل الخبر حتى يأكل تفاصيله المساء وإنما أمام مسجلة تاريخية لا تصدأ.. كيف حالها الآن؟ في ضجيج الأنترنت والأنفوميديا؟ هل صارت فقط حالة من حالات إثبات الذات بالنسبة للمؤسسات والهيئات الثقافية؟ ربما الحال في الجزائر لا يرقى لمناقشة مماثلة وإنما سنسأل سؤال البدء: هل هناك مجلات ثقافية في الجزائر؟ ما موقع المجلات التي تصدرها وزارة الثقافة من الانقطاعات المتتالية؟ ولماذا لم تأت التعددية الإعلامية بمجلة ثقافية؟ المجلات الثقافية والتاريخ العربي في العالم العربي، المجلات الثقافية بدأت مع ظهور الصحافة في نهاية القرن التاسع عشر، قدمت ما قدمت آنذاك من صفحات للتنوير والإصلاح والقومية. هؤلاء الرواد الأوائل للمجلات كانوا محملين بأهداف واضحة، تجلى الغرض الأكبر من إصدارهم للمجلات في المشروع النهضوي للأمة العربية، على غرار مجلة "روضة المدارس المصرية" و"مرآة الشرق" لأمين ناصيف وخليل اليازجي، كذلك "البيان" و"الضياء" وفرح أنطوان الذي أوجد مجلة "الجامعة".. لكن المجلات العربية تشبه في تاريخها حال العرب وعثـراتهم، مجلة العربي مثلا تأسست سنة 1958 عندما كان الخيط القومي على أشده، فكانت الوحدة بين مصر وسوريا.. تعثـرت المجلات طويلا.. والآن صارت لسان حال مؤسسات ثقافية حكومية تملك المال وتملك أيضا مخططا ثقافيا..  في الجزائر.. المال كاين والراي تالف عن حال المجلات الثقافية في الجزائر يقول محمد الصالح حرز الله، الذي ترأس تحرير مجلة آمال التي تصدرها وزارة الثقافة: "إن السبب الأساسي في غياب المجلات الثقافية في الوقت الحاضر، سيما بعد التعددية الإعلامية، هو غياب استراتيجية ثقافية واضحة منذ الاستقلال وإلى غاية الآن، مختلف الحكومات التي تعاقبت على هذا البلد لم تنتهج النهج الصحيح فيما يخص الثقافة واعتبرتها أآر الأشياء التي يمكن أن ترقى لاستراتيجية أو تخطيط، وبالتالي كل ما جنيناه من مجلات سابقة كان نتيجة نضال ثقافي لمجموعة معينة من المثقفين. ولعل ما يفسر الانقطاع هو ذهاب النخبة التي حاولت شد المجلة إلى الحياة.. حال مجلة آمال في الفترة التي كنت أشتغل فيها هو حال سيئ جدا، كان لدينا مقر صغير بوزارة الثقافة والإعلام، كنا نشتغل في الغالب في المقاهي.. لكن حتى أكون أكثـر صراحة، كان حال المجلات الثقافية في زمن الحزب الواحد أفضل حالا بكثير من الآن رغم التعددية الإعلامية التي كانت من المفروض أن تنتج لنا ثقافة المجلات، لكنها لم تفعل، وعليه هنا تكمن المأساة، لا القطاع العام ولا القطاع الخاص اهتم بالمجلة الثقافية". عناوين كثيرة.. لم تصل أبدا للعدد العاشر إذن.. لا توجد استراتيجية.. والقطاع الخاص لم يضف شيئا لحال المجلات الثقافية في الجزائر.. هل هو إذن مشروع فاشل؟ الدكتور صالح خرفي يؤكد أن التجربة تستحق التنويه ويؤكد أنه: "ليس من باب الاعتراف بالخيبة أن نعترف سلفا بأن جميع التجارب الجزائرية فاشلة، إذ لم تشهد الجزائر منذ الاستقلال إلى اليوم تجربة أدبية واحدة استمرت عشرين سنة كاملة، على خلاف ما هو موجود في دول أخرى مثل تجربة مجلة الآداب في لبنان التي بدأت سنة 1953 ولا تزال متواصلة (لمدة 58 سنة) وتجربـة le magazine littéraire في فرنسا حين بدأت سنة 1967 ولا تزال. في الجزائر لا المؤسسات الحكومية الرسمية ولا الأفراد استطاعوا أن يتبنوا مشروعا أدبيا وثقافيا طويل المدى لا يقف عند حدود مرحلة زمنية أو مصلحة معينة. وقد تبنت وزارة الثقافة الجزائرية مشروعين ثقافيين هامين؛ تمثل الأول في مجلة "آمال" وللأسف توقفت عن الصدور ثم عادت ثم توقفت ثم عادت، على الرغم من أنها كانت خالصة للأدب وحده، والثاني في مجلة "الثقافة"، التي بدأت نصف شهرية (العدد الأول مارس 1971) ثم أصبحت شهرية. وقد شهدت عدة تعثـرات اضطرت فيها للتوقف نهائيا مع العدد 102، ثم لتعود مع بداية التسعينيات مع تغيير الترقيم لتكمل المسيرة (بدءا من العدد 103جويلية / أوت 1994) وقد شغل رئاسة تحريرها كل من الأساتذة: صالح خرفي، حنفي بن عيسى، عثمان شبوب... على التوالي ومع اتحاد الكتاب الجزائريين الأمر أمر، فلا عنوان واحد ثابت لمجلته (مثل الموقف الأدبي لاتحاد الكتاب والأدباء في سوريا)، ولا تواصل في الصدور، فبعد إنشائه أصدر مجلة "إبداع" التي أشرف عليها محمد الصالح حرز الله وعبد العالي رزاقي، وحمري بحري وأحمد منور، ثم يتغير العنوان إلى "الرؤيا" التي لم تدم طويلا، ثم يتغير العنوان مجددا إلى "المساءلة" مع واسيني الأعرج، ثم إلى "الكاتب الجزائري" مع عبد الله حمادي". مع هذه الحصيلة التاريخية لابد أن نكون أوفياء ونذكر أن عدد الأعداد التي صدرت لكل هذه العناوين لا تتجاوز الـ10 في أفضل الحالات.. حالة حميمية فقط نشأت بين المثقف ومجلة آمال لاعتبارات عديدة، أهمها نستالجيا النص الأول لا غير، وعليه يضيف الدكتور صالح خرفي: "بقيت مجلة آمال وفية، لفترة زمنية، للحركة الأدبية الجزائرية، وللأدب العربي وللأدباء الشباب، وهذا ما يجعلها في مصاف الدوريات العربية، لأنها من أوائل الدوريات العربية الأدبية (قبل مجلة الطليعة الأدبية - العراقية - الرائدة في هذا الميدان)، فظهرت أصوات أدبية ما كانت لتظهر لولا آمال، ولكن للأسف بعد مسيرة ليست بالهينة وبعد عطاء وفير وخدمات معتبرة، تتوقف آمال، ولكنها لم تفشل ونحن في أيامنا هذه نحتاج إلى بعث تلك الحقبة الخصبة من تاريخنا. ويبقى السؤال في النهاية: كيف يمكن لمجلة أدبية سدت فراغا وحققت نجاحا أن تغلق أبوابها ؟؟". آمال تعيش على التمويل الرسمي.. والكتاب لا يتعاونون الأبواب ليست مغلقة، وها هو أبو بكر سكيني يؤكد أنها لا تزال مفتوحة لجميع المبدعين، لكن علينا أن نوضح عددا من الأمور يجمعها في تصريحه لـ"الفجر" ويقول: "المجلات في العالم العربي تقوم جميعها على العائد المالي الرسمي، لأنها مجلات ثقافية بعيدة عن النشاط التجاري والعائدات الإشهارية، في الجزائر تغيب ثقافة مساهمة رجال الأعمال في المشهد الثقافي، وبالتالي وزارة الثقافة تقف على تمويل مجلتي آمال والثقافة، من خلال مديرية الكتاب التي تخصص ميزانية للطبع، كذلك يطرح مشكل التوزيع، خاصة وأننا في الأساس لا نطبع أكثـر من 3 ألاف نسخة في كل عدد يوزع على مستوى مديريات الثقافة لولايات الوطن.. كما أننا نصطدم بمشكل آخر وهو عزوف المثقفين عن المساهمة والاستكتاب لاعتبارات مادية أو قضايا شخصية.. علينا أن نقول هذا بصدق، كما أنه لا توجد هيكلة داخلية للمجلة، ولا إطار قانوني يحدد صلاحيات المجلة ويضمن لها العمل السليم". لابد من إطار قانوني.. ولا نسلم بالعرف الثقافي في ذات الجانب، يرى محمد الصالح حرز الله أن الجانب القانوني مهم جدا وعليه يوضح: "حاولت طويلا خلال تواجدي في رئاسة تحرير مجلة آمال أن أوجد الإطار القانوني، لكنني لم أوفق، لا يمكن العمل من دون إطار قانوني، كل ما نقوم به لا يستند إلى قرارات واضحة، لهذا لم نوفق في خلق مجلة ثقافية دائمة". لكن، هل يمكن التصديق بهذه النتيجة، هل المشكلة بالفعل إطار قانوني يحدد العمل.. ألا يوجد عرف ثقافي ما يجعل من الأمر ضرورة حضارية.. لكن قبل هذا نستمع لحديث جمال فوغالي، رئيس تحرير مجلة آمال، الذي يقول: "أولا أعتقد أن طرح الإشكال من الأساس غير صحيح، لأنه ينفي وجود مجلات وزارة الثقافة، المتمثلة في مجلة الثقافة وآمال، واللتين أسستا لثقافة المجلة الثقافية في الجزائر منذ أجيال مضت، مجلة الثقافة وآمال تصدران تباعا، الآمال في عددها الـ12 والثقافة في العدد الـ27 وهما توزعان على مستوى المكتبات العمومية عبر البلديات وتسعى لخلق التواصل بين القراء والتراث الجزائري، هذا يعني أن الدولة الجزائرية تقوم بواجبها وعلى المستثمرين أن يدخلوا هذا المجال ويؤسسوا لمجلة ثقافية موازية، فقط عليها أن تحافظ على مقومات الدولة وقيمها سيما مبادئ الأول من نوفمبر". في الأخير لا توجد استراتيجية محددة المعالم من طرف الدولة، ولا توجد رؤية متجددة من طرف القطاع الخاص الذي لم يشأ الخوض في هذه التجربة، ولا يوجد عرف ثقافي يجعلنا نجمع بعضنا في مجلة.. هاجر قويدري


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)