في صباح ال16 من شهر سبتمبر سنة 1982، استيقظ لاجئو مخيمي صبرا وشاتيلا جنوب لبنان على واحدة من أكثر الفصول دموية في تاريخ فلسطين المعاصر، ففي ذلك اليوم الأسود، انتشرت رائحة الموت في كل المكان كالطاعون، وحصدت آلة الموت الإسرائيلية، المرأة قبل الرجل، وامتدّت إلى الأجنّة في أرحام الأمهات.. لقد عبّرت تلك المجزرة عن همجية قلّ لها مثيل في تاريخ الإنسانية كله…مجزرة ارتكبتها يد الثالوث الأسود؛ حزب الكتائب اللبناني، الجيش الإسرائيلي، وجيش لبنان الجنوبي العميل، وانتهت بحصيلة أكثر من 3500 قتيل من الأبرياء العزل.الأيام الجزائرية/ زهير الشمالي
آرييل شارون، وزير الدفاع الإسرائيلي.. الرقم واحد في المسؤولية عمّا حدث في ذلك التاريخ بجنوب لبنان ضدّ الفلسطينيين، حيث صدر قرار الإغارة وتنفيذ المذبحة تحت إمرته، إلى جانب رافايل إيتان، رئيس أركان الحرب الإسرائيلي في حكومة "مناحيم بيجن".
قام الجيش الإسرائيلي ترافقه المجموعات الانعزالية اللبنانية متمثلة في حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي بإطباق الحصار على مخيمي صبرا وشاتيلا، ودخلت ثلاث فرق إلى المخيم، وأطبقت تلك الفرق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين، بدءا بالأطفال ومرورا بالحوامل اللاتي بقرت بطونهن، ونساء تم اغتصابهن قبل قتلهن.
ذبح جنود الاحتلال الإسرائيلي ومن كان معهم، الرجال والشيوخ، ونشروا الرعب في ربوع المخيم وتركوا ذكرى سوداء مأساوية وألمًا لا يمحوه مرور الأيام في نفوس من نجا من أبناء المخيمين، الذين لا يزالون إلى اليوم يتذكّرون بمرارة تلك الليلة، حالكة السواد وما خيّم فيها من رعب وخوف.
بالحساب الزمني، كانت 3 أيام كافية لمحو آثار الحياة في المخيمين، ونقلت شهادات أحداث تلك الليلة بالقول "كان القتل المستمرّ، وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة، وقد أحكمت الآليات الإسرائيلية إغلاق كل مداخل النجاة إلى المخيم، فلم يسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة، حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية، ليجد جثثا مذبوحة بلا رؤوس ورؤوسا بلا أعين ورؤوسا أخرى محطمة.. قرابة ما يزيد عن 3500 جثة، بين طفل وامرأة وشيخ ورجل من أبناء الشعب الفلسطيني والمئات من أبناء الشعب اللبناني.
إدانة شارون تحت ضغط دولي
وحاصرت مجزرة صبرا وشاتيلا الكيان الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي، فحاول قادة الاحتلال التملّص من الجريمة، وفي 1 نوفمبر عام 1982 أمرت حكومة الاحتلال، المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وفي ال16 ديسمبر
عام 1982 أدان مجلس الأمم المتحدة المجزرة ووصفها بالإبادة الجماعية، وفي ال7 فيفري عام 1983، وتحت ضغط دولي قويّ ومتابعة ملايين الناس عبر العالم لنتائج التحقيق وحكم القضاء الإسرائيلي، أعلنت اللجنة نتائج البحث، وقرّرت أن وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون يحمل مسؤولية مباشرة عن المذبحة، فرفض شارون قرار اللجنة واستقال من منصب وزير الدفاع.
الإفلات من المحاكمة الدولية
بعد أن بثت هيئة الإذاعة البريطانية BBC عام 2001 برنامجًا تناول احتمال محاكم أرييل شارون، المتهم بتدبير مجزرة صبرا وشاتيلا، بتهمة مجرم حرب، قام محامون متضامنون مع ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا بتحريك دعوى قضائية، في بلجيكا، استنادًا إلى قانون الاختصاص العالمي الذي تم إقراره عام 1993، والذي يسمح بملاحقة مجرمي الحرب، وندّد مسؤولون إسرائيليون ببرنامج تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية BBC الذي يدرس احتمال محاكمة شارون، وقال المسؤولون إن البرنامج الذي يُذاع ينحاز ويعادي السامية.
ورفعت ناجية من المجزرة، دعوى أمام إحدى محاكم بلجيكا لمحاكمة شارون، اسمها سعاد سرور المرعي، وكانت قد تعرّضت للاغتصاب على يد الكتائب اللبنانية الموالية لإسرائيل، وهي في ال14 من عمرها، وكانت المرعي قد فقدت معظم أفراد أسرتها، بعد إبادتهم في المجزرة، لكنها نجت من المذبحة، وعاشت معوقة بسبب إصابتها بعيار ناري استقرّ في عمودها الفقري.
وبادرت المحكمة البلجيكية إلى فتح تحقيق في القضية وسط ضغوط إعلامية على المتهمين، ما دفع "جوزيف حبيقة"، أحد قادة ميليشيا القوات اللبنانية في حزب الكتائب إلى إبداء الاستعداد للإدلاء بشهادته أمام المحققين البلجيكيين، بعد أن أعلن أن لديه من المعطيات ما سيغيِّر مسار الرواية التي أشاعتها تحقيقات لجنة "كاهان"، التي حمّلت شارون مسؤولية المجزرة.
لكن حبيقة ما لبث أن اغتيل مع أربعة من مرافقيه في ال24 جانفي عام 2002، في عملية تنسب للاستخبارات الصهيونية، وتعرّضت المحاكمة التي طالبت بها سرور المرعي لاحقًا للإجهاض، بعد ضغوط إسرائيلية وأمريكية على بلجيكا، ما دفع بلجيكا إلى تعديل قانون الاختصاص العالمي الذي فتح المجال لإدانة إسرائيل.
السفّاح رئيس حكومة.. ثم قعيد فراش
بينما استمرّت المجزرة في صبرا وشاتيلا طوال يوم الجمعة وصباح يوم السبت، أيقظ المحرّر العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، أرييل شارون، وزير الدفاع في حكومة مناحم بيجين ليبلغه بوقوع المجزرة في صابرا وشاتيلا، فأجابه شارون ببرود "عام سعيد"، وفيما بعد وقف "بيجين" أمام الكنيست الإسرائيلي ليعلن باستهانة "جوييم قتلوا جوييم.. فماذا نفعل؟"، أي "غرباء قتلوا غرباء.. فماذا نفعل؟".
لم تتم معاقبة شارون على جريمته، بل تم انتخابه رئيسا لحكومة الاحتلال عام 2001، وفي شهر ديسمبر عام 2005 أصيب بجلطة دماغية جعلته يدخل في غيبوبة، استمرّت ثماني سنوات لم يخرج منها حيا.
وارتكب شارون جرائم عديدة، منها مجزرة قبية عام 1953، وقتل وتعذيب الأسرى المصريين في حرب 1967، كما اجتياح بيروت، وتدخل في رصيده مجزرة صبرا وشاتيلا، واستفزاز مشاعر المسلمين بتدنيسه لحرمة المسجد الأقصى سنة 2000، وكذلك ارتكابه مذبحة جنين عام 2002، والكثير من عمليات الاغتيال ضدَّ أفراد المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين.
مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن الجريمة الصهيونية الأخيرة في حقّ الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، فمسلسل المجازر اليومية لم ينته، وشارون لم يتوان عن ارتكاب مزيد من المجازر في حق الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم من العالم بأسره.
إحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا
وصل إلى بيروت وفد أممي للمشاركة في إحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها إسرائيل وحلفاؤها في لبنان قبل 33 سنة، وذهب ضحيتها 3500 بريء فلسطيني ولبناني وسوري، ويضم الوفد عدداً من الناشطين الأمميين من إيطاليا وماليزيا وفنلندا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وينضم إليهم وفد فلسطيني قادم من الضفة الغربية وقطاع غزة ويمثل «المجلس التنسيقي للعمل الأهلي» في فلسطين، وسيقوم الوفد خلال أسبوع بجولة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، ويلتقي أسر ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، وعدداً من الهيئات والأحزاب السياسية والشخصيات اللبنانية، ويزور حديقة مارون الراس وقلعة صور القديمة، ويشارك في الاحتفال بذكرى انطلاقة «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية». وينهي الوفد برنامجه بمسيرة شعبية إلى مثوى شهداء صبرا وشاتيلا ويضع أكاليل من الورود على شاهدة المجزرة.
الوفد الأممي جزء من حملة «كي لا ننسى صبرا وشاتيلا» التي أسّسها المناضل والصحافي الإيطالي ستيفانو كياريني الذي رحل في ال3 فيفري عام 2007 بعدما أنهى مقالته حول العراق وأرسلها إلى جريدة «إلمانيفستو»، وما برحت هذه اللجنة تنشط على الرغم من رحيل المؤسّس.
بطاقة تقنية.. تفاصيل المجزرة
المكان: صبرا وشاتيلا
الزمان: الأربعاء 15 إلى السبت 19 سبتمبر 1982م.
الأربعاء 15 سبتمبر
– الخامسة صباحا: الجيش الإسرائيلي يتقدم على أربعة محاور:
من المطار إلى مستديرة شاتيلا
من السفارة الكويتية نحو الفاكهاني
من المرفأ نحو فندق النورماندي
من المتحف في اتجاه كورنيش المزرعة
أما الحجة التي تذرع بها الإسرائيليون فهي حماية السكان في بيروت الغربية من أعمال انتقامية محتملة تقوم بها الميليشيات بعد اغتيال بشير الجميل.
– السادسة عصرا: الدبابات الإسرائيلية تتمركز عند المفارق الرئيسية، كما تطوق صبرا وشاتيلا من الجنوب والغرب والشرق. الجهة الرابعة هي جهة حي الفاكهاني. أقام الجيش الإسرائيلي مقرّ قيادته في بناية من ثماني طبقات على بعد 50 متر من المخيم.
الخميس 16 سبتمبر
– الخامسة صباحا: الطائرات الإسرائيلية تحلق مجددا في سماء بيروت الغربية فتلقي الرعب في نفوس السكان.
– السابعة صباحا: الدبابات الإسرائيلية تتقدم في رأس بيروت والحمرا والمزرعة، وقد لقيت مقاومة شرسة من مقاتلي الحركة الوطنية في بعض النقاط. بدأت القذائف الأولى تتساقط فوق مخيمي صبرا وشاتيلا المحاصرين منذ الأمس، وكانت تطلقها الدبابات المتمركزة في التلال المطلة على المنطقة.
يراقب الإسرائيليون المخيم المنبسط أمامهم من مركز قيادتهم في أعلى الطبقات الثماني من المبنى القريب من السفارة الكويتية.
سكان المخيم يختبئون في منازلهم. عقد اجتماع ضم الشيوخ والوجهاء في المخيم وقرّر هؤلاء الحكماء إرسال وفد إلى الجيش الإسرائيلي ليوضح له أنه لم يعد هناك من مقاتلين في المخيمات، وأن في إمكان الجنود الإسرائيليين التأكد من ذلك بأنفسهم، وأنه لم يبق سوى المدنيين وأكثرهم من الشيوخ والنساء والأطفال. وقد ضم الوفد أربعة رجال طاعنين في السن، وتوجهوا إلى السفارة الكويتية. لم يرهم أحد بعد تلك الساعة. وجدت جثثهم بعد أيام بالقرب من السفارة. إنهم: أبو محمد البرواني، 60 عاما، أحمد حشمه، 64 عاما، أبو أحمد سعيد، 65 عاما، أبوسويد، 62 عاما.
– الثالثة بعد الظهر: تكثيف القصف على صبرا وشاتيلا، والسكان ينزلون إلى الملاجئ. في بعض الملاجئ يتكدس أكثر من 300 شخص، والبعض الآخر يلجأ إلى مستشفى عكا.
– الخامسة بعد الظهر: ازدياد القصف. في مستشفى عكا اقترح أحدهم إرسال وفد من النساء والأطفال. لم يكونوا على علم بالمبادرة السابقة، ولا بمصير الوفد. هذا الوفد قاده سعيد، العامل المصري في محطة الوقود، ومعه نحو خمسين امرأة وطفلا يحملون العلم الأبيض متجهين إلى مركز القيادة الإسرائيلية. هؤلاء أيضا لم يعودوا.
– الخامسة والدقيقة الثلاثون بعد الظهر: شاحنات وسيارات جيب محملة بالمسلحين في الزي العسكري تمرّ أمام ثكنة هنري شهاب التي يسيطر عليها الجيش اللبناني. يتجهون نحو المخيم، وسرعان ما يلاحظهم اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في "بئرحسن" والذين رعبوا من رؤيتهم وطلبوا تفسيرات من المركز العسكري الإسرائيلي، فقيل لهم إن لا داعي للقلق، وأن عليهم العودة إلى منازلهم. لم يطمئنوا وفضلوا تمضية الليل في بناية مهجورة غير بعيدة.
– السادسة عصرا: العناصر المسلحة الإولى تتسلل إلى حي عرسال جنوبي المدينة الرياضية. إنهم مسلحون بالفؤوس والسكاكين، يدخلون البيوت ويقتلون من يجدون داخلها. لا يسمع إطلاق نار. السكان لا يجرؤون على الخروج من بيوتهم، أو من الملاجئ بسبب الرشقات المتفرقة والقصف. العناصر المسلحة تتقدم ببطء زارعة الموت وراءها. اجتازت الشارع الرئيسي ودخلت منطقة الحرج. أجبرت الناس على الخروج من الملاجئ، وفصلت الرجال عن النساء والأطفال. أوقفت الضحايا صفا على امتداد الجدران وأطلقت النار عليهم.
– الثامنة مساء: أرخى الليل سدوله، والسماء بيضاء بسبب مئات القنابل المضيئة. تسمع رشقات غامضة المصدر، لكن لا أحد يجرؤ على الخروج. القناصة يطلقون النار على كل شيء يتحرك. وحدهم الجرحى يحاولون الوصول إلى مستشفى عكا.
الجمعة 17 سبتمبر
– الخامسة صباحا: عند الفجر عاد إلى مستشفى عكا بعض النسوة اللواتي كن في عداد الوفد، وكانت شعورهن منفوشة وثيابهن ممزقة بعد أن تعرضن للاغتصاب. وقد قتل العدد الأكبر منهن أمام السفارة الكويتية على يد المسلحين. فرغ المستشفى في لحظات، إذ فرّ من لجأ إليه، ولم يبق سوى الأطباء والممرضين وعدد من الجرحى.
– الثامنة والدقيقة الثلاثون صباحا: قتلت ثلاث نساء أمام مستشفى عكا. إحداهن جرّت نفسها إلى المستشفى وقام الممرضون، تحت وابل من الرصاص، بسحب الجثث من الشارع.
– الحادية عشرة ظهرا: نادى اثنان من المسلحين على المساعدة الاجتماعية النرويجية ،آن سوندي، وأمروها بإخراج جميع الأجانب العاملين في مستشفى عكا. فتم بالقوة جمع الفريق الطبي الأجنبي بأكمله؛ فرنسيين وفيليبينية ونرويجية ومصري وفنلندية وسريلانكية، وإجباره على السير حتى مدخل شاتيلا.
– بعد مغادرة الأطباء دخل المسلحون المستشفى وراحوا يستجوبون الجرحى. اقتيد جريح شاب في الخامسة عشرة من العمر، هو مفيد أسعد، إلى خارج المستشفى حيث أطلقت عليه رصاصة أصابته في عنقه وضرب بالفأس.
– الثانية عشرة ظهرا: نجح مدير الهلال الأحمر الفلسطيني في الاتصال بمركز الصليب الأحمر الدولي في شارع الحمرا، وطلب تأمين الحماية لمستشفى غزة وللمدنيين المحتمين به، كما طالب بفريق طبي بديل من الفريق الذي أنهكه العمل المتواصل طوال 24 ساعة. لكن لم يكن هناك أي استجابة لا من الصليب الأحمر ولا من مستشفى المقاصد الذي تم الاتصال به أيضا، وذلك خوفا من القذائف التي كان الإسرائيليون يسقطونها على تلك الطريق. عاد الهلال الأحمر الفلسطيني وحده إلى المستشفى.
– الخامسة بعد الظهر: سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر الدولي تدخل مخيم شاتيلا جالبة المساعدة للفريق الطبي في مستشفى غزة، إضافة إلى الأغذية والأغطية. وأخرجوا معهم من هم في حالة خطرة. وقد حاول بعض النساء عبثا تسليمهم بعض الأطفال، لكن الإجلاء لم يطل سوى الجرحى.
– الثامنة مساء: أرخى الليل سدوله والقنابل المضيئة تنير السماء من جديد. بيروت الغربية بأكملها باتت تحت سيطرة الإسرائيلية. السيارات المدينة التابعة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تجوب المدينة، وقد قامت بالعشرات من عمليات الاعتقال. لا تواصل عمليا بين الضاحية الجنوبية حيث المخيمات وبين سائر أنحاء المدينة. والحواجز الإسرائيلية ترد كل من تجرأ على العبور إلى تلك النواحي على أعقابه. بدأت أخبار المجازر تنتشر، لكن لم يكن هناك إمكان للتأكد منها.
السبت 18 سبتمبر
– السادسة والدقيقة الثلاثون صباحا: اقتحم أفراد الميليشيا مستشفى غزة وأمروا الفريق الطبي الأجنبي بالمغادرة. فاقتيد جميع الأطباء والممرضين، إلى مدخل مخيم شاتيلا.
حاول أحد التقنيين الفلسطينيين العاملين في المختبر مرافقتهم، لكنه أوقف واقتيد خلف أحد الجدران، ثم سمع صوت طلق ناري بعد فترة. في اليوم التالي وجدت جثته في المكان نفسه. يؤكد الطبيب "بيير ميشلومشاغن" الإختصاصي النروجي بتقويم الأعضاء:" رأينا الجرافات تدمر البيوت وتدفن الجثث تحت الركام."
– السابعة صباحا: بدأ المسلحون إفراغ مخيم شاتيلا وحي صبرا ممن بقى فيهما من السكان. في الليلة السابقة كانت مجموعة من الرجال حاولت يائسة الدفاع عند مدخل صبرا لجهة سينما الشرق، وأوفقوا تقدم عناصر الميليشيا عند السوق. كانت مكبرات الصوت تدعو العائلات إلى الخروج من منازلها والتجمع في الشارع الرئيسي. فيخرج المدنيون في هذا الحي، بأغلبيتهم، يلوحون بالأعلام البيض .
هكذا وصل إلى الشارع الرئيسي الذي يجتاز الحي ما بين ألفين وثلاثة آلاف شخص ليكتشفوا أنهم أمام ميليشيات لبنانية تابعة لحزب الكتائب أو لسعد حداد. كذلك شاهدوا الجثث المرمية في الشوارع والتي لا تحصى. لكنهم لم يعودوا قادرين على التراجع.
ثم اقتيد الجميع في صفوف نحو المدخل الجنوبي لمخيم شاتيلا. اكتشفوا المقابر الجماعية على امتداد الشارع الرئيسي والشوارع المتفرعة منه. وفي منتصف الطريق، فصلوا الرجال عن النساء والأطفال فبدأت النساء يولولن، لكن عدة رشقات اسكتتهن. المسيرة تتقدم، لكن من وقت إلى آخر يتم اقتياد بعض الرجال أمام أحد الجدران وتطلق النار عليهم. الجرافات تعمل. بضربة واحدة تنهار أعمدة المبنى فيسقط الركام ليدفن الجثث تحته.
– من يوم السبت توافد الصحافيون والمصورون. وإذ صدمهم رعب المشهد راحوا يلتقطون صور المجزرة الجماعية وأكوام الجثث المنتفخة والتي تصفرّ وهي تشوى تحت أشعة الشمس الحارقة.
Share 0
Tweet 0
Share 0
Share 0
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/09/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : Share 0
المصدر : www.elayem.com