كان هيرودوتس اليوناني يعرف بأبي التاريخ. وأبي المؤرخين. والمشككون قالوا إنه أبو الكذابين. وفي أي حال، ما من مؤرخ منهجي قبله. والقرية التي ولد فيها نحو أربعة قرون قبل الميلاد أصبحت الآن ”بودروم” التركية الجميلة، التي تقيم له نصبا في إحدى ساحاتها، غير عابئة بأصوله وجذوره.وكلما أعدت قراءة هيرودوتس تكتشف له صفات أخرى. وأنا أعتقد أنه كان بلغة عرب اليوم، عميلا مصريا بلا جدال. وكان منشقا يونانيا بلا ريب. فالقسم الأهم من تواريخه مكرس للدفاع عن مصر تجاه اليونان: هي أم الحضارات. وهي أرض الآلهة. وهي ينابيع الفلسفة وما اليونانيون سوى مقلدين أبدعوا في النسخ. كل ”إله” يوناني له أصل مصري. وكل مدينة يونانية لها أصل في مصر. ويصل به الأمر إلى حد القول إن هرقل - هرقل مجد اليونان وفخرها وعزها - كان مصريا.”متأكد يا عمنا هيرودوتس؟ مائة في المائة يا ابني”. اسمع: ”المصريون كانوا أول شعب في التاريخ يقيم الاحتفالات الجماعية والمواكب الدينية، واليونانيون تعلموا منهم. واليونانيون أخذوا اسم هرقل من مصر، وليس العكس. وعندي أدلة كثيرة على ذلك. أن والد هرقل ووالدته من أصول مصرية... بل الحقيقة أن هرقل إله مصري قديم. كان ذلك قبل 700 عام قبل ولادة الآلهة الاثني عشر من الآلهة الثمانية. لقد حاولت التدقيق في هذه الأمور بقدر المستطاع. ومن أجل ذلك، أبحرت إلى صور في فينيقيا حيث يقام له مزار، فوجدت المزار مكرما تجزى له العطاءات. تحدثت إلى الكهنة هناك وسألتهم متى أقيم المزار، فوجدتهم يختلفون هم أيضا مع الرواية اليونانية”.كان هيرودوتس منبهرا بمصر وكل شيء فيها، وخصوصا نيلها الغامض والهائل. وقد سأل: أين ينبع؟ فلم يجد عند المصريين جوابا، فسافر مع فريقه إلى أعالي الصعيد يبحث عن مصدر التدفق: ”أما من حيث منبع النيل، فجميع من سألت من مصريين ويونانيين وليبيين لم يكن لديهم جواب قاطع”. وهكذا، سافر صاحبنا حتى جزيرة مروا (السودان) بحثا عن المنابع ولم يوفق إلى شيء، ولم يكن يدري أنها لن تكتشف حقا قبل نحو ستة قرون أخرى، أبعد بكثير من جزيرة مروا والصعيد. يتخلى هيرودوتس عن اكتشاف المنابع وينصرف إلى مراقبة حياة المصريين، فيكتشف أنها نقيض ما سواها: النساء هنا تذهب لتبيع الأشياء في السوق، بينما الرجال يحيكون في البيوت. والرجال يحملون الأشياء على رؤوسهم، بينما تحمل النساء على أكتافها. ولا كهنة بين النساء، فالرجال وحدهم يخدمون الآلهة. والأبناء لا يهتمون بالآباء، بل البنات. والكهنة في كل مكان يرخون شعرهم إلا في مصر فيحلقونه، وجميع العالم يتركون الأعضاء كما هي إلا في مصر فيطهرونها. ولا يكف أبو المؤرخين عن تأنيب اليونانيين بسبب عجرفتهم وتسمية كل من لا يتحدث اليونانية بالبربري. وهو وصف سوف يتخذ فيما بعد أشكالا كثيرة في ظروف وبلدان مختلفة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 03/05/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سمير عطا الله
المصدر : www.al-fadjr.com