يرى الدكتور جمال عبد الستار توفيق، بأن الحضارة الغربية شُيّدت في بعض أعمدتها على حضارات أخرى أخذت عنها، ومنها الحضارة الإسلامية، وأن الحضارة الغربية قامت على ثروات ودماء شعوب أخرى خضعت للاستعمار، من بينها دول عربية وإسلامية، ويضيف في كتابه "متى نفهم حقيقة الغرب"؟ الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن ذلك الاستعمار رغم تحرر الشعوب منه، ما زال موجودا بأنماط وأشكال أخرى يهيمن بها على مقدرات وممتلكات الشعوب التي تقع بين براثنه، فيرسم لها السياسات ويستغل فيها الثروات ويفرض بها سيطرته على كل شيء، حيث يعمل منذ زمن بعيد على منع وحدة العديد من الدول العربية والإسلامية؛ أو إضعاف هذا الوحدة إن قامت، كما يعمل على تقسيم الدول وتجزئتها، لفرض مخطط "الشرق الأوسط الجديد" الذي يحقق له كل أهدافه.يشير الدكتور جمال عبد الستار توفيق إلى أنّ هذا التدخل يتم تحت غطاء دعم المبادئ والأهداف السامية والديمقراطية والعدالة والمساواة، مؤكدا أن الدليل على تلك المخططات هو التاريخ، وأن ما يصدر عن الدول الغربية من أفعال أو تصرفات أو تصريحات، إنما هي وقائع تاريخية، يشهد عليها كل من عاصر أحداثها أو شارك فيها، أو قرأ عنها. فالحروب والحملات الاستعمارية والأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية معروفة للجميع، لكن معظم الشعوب تدرك الظاهر منها فقط، أما حقيقة الأفعال والتصرفات والتصريحات، وما تخفيه من أسباب ودوافع دفينة غير معلنة، فهذا ما قد لا يعلمه الكثير.
يلفت المؤلف النظر إلى أن البشر أثناء وقوع حرب أو أزمة سياسية أو اقتصادية، ينشغلون بالأسباب المعلنة لهذا الحدث، ولربما يمر وقت طويل قبل أن يدركوا عدم صحة تلك الأسباب، بالنظر إلى ترتيب وحدوث نتائج غير تلك التي أُعلن عنها من قبل، أو للتوصل فيما بعد إلى حقيقة الأسباب من مجريات الأحداث أو غيرها، لكن القليل من الناس يدركون ببصيرة نافذة، ومنذ البداية، الدوافع الحقيقية لهذا الحدث، حتى منذ بداية طرحه للنقاش أو التنفيذ، من خلال قراءته الجيدة للتاريخ، علما أن قراءة التاريخ لا تقتصر على معرفة تسلسل الوقائع والأحداث، إنما تشمل إجراء التحليل والاستنتاج المنطقي لها، والربط بينها، واستخلاص الأهداف والأسباب الحقيقية من ورائها.
يؤكد المؤلف أن الأهداف الرئيسية للغرب هي: محاربة الإسلام والمسلمين، ومنع اتحاد البلاد العربية خصوصا والإسلامية عموما، والعمل على إحداث الفرقة بينها، بحيث تظل كل دولة منعزلة عن البقية، بل وإحداث تقسيم داخل الدولة الوحدة، من خلال الطوائف الدينية أو السياسية أو العرقية أو بالنعرة القبلية.
ويضيف أن من أهداف الغرب الاستيلاء على الثروات المعدنية والطبيعية، من النفط والغاز والحديد والمنجنيز والفوسفات وغيرها، ومنع أصحابها من استغلالها بأنفسهم، بل أخذها بمبالغ قليلة، وتصنيعها وإعادتها لهم بمبالغ طائلة. إلى جانب حظر امتلاكهم الأسلحة العسكرية الرادعة، ومنع تفوقهم العسكري والحيلولة دون تقدمهم في الصناعة العسكرية؛ بالإضافة إلى منع التقدم العلمي والتكنولوجي، وإجهاض البحث العلمي، والاعتماد على ما يصدره الغرب لنا من علوم وتكنولوجيا، لضمان التخلف والتبعية الدائمة له.
يتحدث المؤلف عن استعمار الدول العربية والإسلامية بالوسائل الاستعمارية الجديدة ومن أهمها: التوسع في الإقراض لفرض السيطرة على الاقتصاد الوطني وضمان التبعية، وتنفيذ التوجهات والسياسات الغربية، من خلال برامج الإصلاح الاقتصادي التي يتبناها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
يقول إن الغرب يسعى إلى ضمان عدم استخدام المنطقة العربية والإسلامية لعناصر القوة الإستراتيجية التي تملكها، وأهمها الموقع الجغرافي المتميز، وامتلاكها لأكبر حقول النفط والغاز وأكبر احتياطيات لهما في العالم. كما يسعى إلى طمس الهوية العربية بالغزو الثقافي، من خلال القنوات الفضائية، وشبكة الأنترنت والهواتف المحمولة، إلى أن تتغير عاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/09/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : ق ث
المصدر : www.el-massa.com