الحمد لله :
الجواب :
السنة التي جرى عليها عمل المسلمين في كافة الأعصار السالفة واللاحقة : أن يدفن الميت في حفرة تحت الأرض وهذا هو الموافق لقوله تعالى : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى.
فدَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَفِيها نُعِيدُكُمْ عَلَى أَنَّ دَفْنَ الْأَمْوَاتِ فِي الْأَرْضِ هُوَ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ لِمُوَارَاةِ الْمَوْتَى .
فَمَا تأْتِيهِ بَعْضُ الْأُمَمِ غَيْرِ الْمُتَدَيِّنَةِ مِنْ إِحْرَاقِ الْمَوْتَى بِالنَّارِ أَوْ إِغْرَاقِهِمْ فِي الْمَاءِ أَوْ وَضْعِهِمْ فِي صَنَادِيقَ فَوْقَ الْأَرْضِ فَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ اللَّهِ وَفِطْرَتِهِ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ اقْتَضَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ فَيَجِبُ أَنْ يُوَارَى فِيهَا . وَكَذَلِكَ كَانَتْ أَوَّلُ مُوَارَاة فِي الْبَشَرِ حِينَ قَتَلَ أَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ أَخَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِيفَجَاءَتِ الشَّرَائِعُ الْإِلَهِيَّةُ بِوُجُوبِ الدَّفْنِ فِي الْأَرْضِ . انتهى
وقال صدِّيق حسن خان : ويجب دفن الميت أي مواراة جيفته في حفرة بحيث لا تنبشه السباع وتمنعه من السباع ولا تخرجه السيول المعتادة ولا خلاف في ذلك وهو ثابت في الشريعة ثبوتاً ضرورياً .
وقال الشيخ ابن عثيمين : دفن الميت أيضاً فرض كفاية لأن الله تعالى امتن به على العباد فقال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا *أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا فكما أنَّ علينا إيواء المضطر في البيوت وستره فيها عند الضرورة فكذلك علينا ستر الميت في قبره . وكذلك قوله تعالى: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ فإن هذا سيق على سبيل المنة لأن الله أكرمه بدفنه ولم يجعله كسائر الجيف تلقى في المزابل والأسواق والأفنية بل أكرمه بدفنه وستره .
يجب دفن الميت في حفرة تحت الأرض ولا يجوز إلقاؤه في البحر أو دفنه في غرف فوق سطح الأرض لأن شرط القبر أن يكون حفرة تحت مستوى الأرض .
والحاصل : أنه يجب دفن الميت في حفرة تحت الأرض ولا يجوز إلقاؤه في البحر أو دفنه في غرف فوق سطح الأرض لأن شرط القبر أن يكون حفرة تحت مستوى الأرض .
ولكن إذا تعذر دفن الميت في الأرض كأن يموت في سفينة في عرض البحر ولا يمكن الانتظار بجثته حتى الوصول إلى الساحل ففي هذه الحال يرخص في دفنه في الماء للضرورة .
وأما من مات في البحر وكان بالإمكان الانتظار به حتى الوصول للساحل أو جزيرة قريبة لدفنه في الأرض فيجب الانتظار.
عَنْ أَنَس أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَرَأَ سُورَةَ بَرَاءَةً فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً فقال: مَا أَرَى رَبَّنَا تَعَالَى اسْمُهُ إِلَّا يَسْتَنْفِرُنَا شَبَابًا وَشُيُوخًا جَهِّزُونِي فَقَالَ لَهُ بَنُوهُ: قَدْ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ وَغَزَوْتُ مَعَ أَبِي بَكْر حَتَّى مَاتَ وَغَزَوْتُ مَعَ عُمَرَ فَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ فَقَالَ: جَهِّزُونِي.
فَجَهَّزُوهُ وَرَكِبَ الْبَحْرَ فَمَاتَ فِي غَزَاتِهِ تِلْكَ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيرَةً يَدْفِنُونَهُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّام وَلَمْ يَتَغَيَّرْ .
وأما إذا خُشي من الانتظار به أن يتغير فيغسل ويكفن ويصلَّى عليه ثم يُلقى في البحر.
ومن الفقهاء من قال [ الشافعية ] : يجعل بين لوحين ولا يثقل بشيء استحباباً لعله يصل إلى الساحل فيصادفه من يدفنه.
ومنهم من قال [ الحنابلة ] : يثقل بشيء ليرسب في قعر البحر لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ السَّتْرُ الْمَقْصُودُ مِنْ دَفْنِهِ وَإِلْقَاؤُهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ تَعْرِيضٌ لَهُ لِلتَّغَيُّرِ وَالْهَتْكِ وَرُبَّمَا بَقِيَ عَلَى السَّاحِلِ مَهْتُوكًا عُرْيَانًا وَرُبَّمَا وَقَعَ إلَى قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ .
قال ابن المنذر: إنْ كَانَ الْبَحْرُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمَيِّتُ الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَ أَمْوَاجَهُ إِلَى سَوَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ يُفْعَلُ بِهِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فُعِلَ مَا قَالَهُ أَحْمَدُ .
قال المرداوي : وَلَا مَوْضِعَ لَنَا الْمَاءُ فِيهِ بَدَلٌ عَنْ التُّرَابِ إلَّا هُنَا فَيُعَايَى بِهَا .
والله أعلم
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/01/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : موقع سؤال وجواب
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com