الجزائر

ما بعد الفوضى



الانفلات الأمني في تونس، والمتاعب التي يواجهها المصريون لإعادة الحياة إلى طبيعتها لا يمكن أن تطعن في قيمة العمل الذي أنجزه الشعبان بتخلصهما من النظامين الفاسدين، فالمخاض لا بد أن يكون عسيرا.
ما يسميه البعض بالفوضى هو في الحقيقة إدانة إضافية للأنظمة البائدة، فبن علي في تونس، ومبارك في مصر، لم يتركا وراءها دولة بل تركا الفراغ الذي كانت تملأه الأجهزة الأمنية التي اعتقد الطغاة بأنها يمكن أن تبني دولة، وبمجرد غياب الأجهزة الأمنية، أو بمجرد إنهاء دورها الذي يتجاوز القانون، ظهر الفراغ مخيفا في كل الميادين، وحتى ظهور بعض التصرفات المشينة من جانب بعض المواطنين الذين يريدون استغلال لتحقيق مآرب شخصية هو أحد تجليات الفراغ الذي خلفته الديكتاتورية بعد سنوات طويلة من تحكمها برقاب الناس.
عملية بناء الدولة عسيرة وتتطلب وقتا طويلا، ومن السذاجة الاعتقاد بأن تحول شعب بكامله إلى نمط الحياة الحرة والكريمة سيمر دون عثرات، لكن هذا لا يمكن أن يتحول إلى حجة للدفاع عن الوضع القائم في كثير من البلدان العربية وتبريره، فإذا كانت بعض الأنظمة تخوف شعوبها بالفوضى فإن هذه الشعوب تعيش الفوضى فعلا، وإذا كان هناك من يلوح بالنهب، فإن النهب المنظم جار منذ سنوات وهو يجعل من إفقار الشعوب والأوطان سياسة معلنة تتدثر بالقوانين وتتغطى بلباس الشرعية، ووهم الاستقرار الذي تبيعه الأنظمة هو الذي يمدد عمر الفراغ الذي سيكون مدمرا في المستقبل عندما يكتشفه الناس.
لم يحن الوقت بعد لاستخلاص الدروس مما جرى في تونس ومصر، لكن من المهم أن ننطلق من قاعدة أنه ليس هناك أسوأ مما كان، وأن التقاعس عن عملية بناء الدولة على القواعد السليمة سيرفع كلفة البناء، وسيجعل الطريق طويلا وشاقا، أما الاعتقاد بأن عصرنا يمكن أن يترك مجالا للديكتاتورية فهو انتحار وسير نحو الهاوية التي لا نجاة بعد السقوط فيها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)