الشروق
أول رئيس للجزائر المستقلة أحمد بن بلة في ذمة الله
توفي، الأربعاء، أول رئيس للجزائر المستقلة، أحمد بن بلة، بمقر سكناه عن عمر يناهز 96 سنة، وعلم لدى أقارب الرئيس الراحل أن الحالة الصحية للفقيد تدهورت في الآونة الأخيرة، حيث أدخل المستشفي العسكري 'محمد الصغير نقاش' بعين النعجة، قبل أسبوعين، فيما سجلت وفاته طبيا - إكلينيكيا -، منذ قرابة 10 أيام، حسبما علم لدى مصادر مقربة من محيط الرئيس الراحل.
الفقيد أحمد بن بلة الذي قاد الجزائر المستقلة من الفترة الممتدة من 1962 إلى 1965، أدخل، أواخر شهر فيفري الماضي، المستشفى العسكري مرتين على التوالي، وخضع للعلاج قبل أن يغادره ويستقر به الأمر في مسكنه بأعالي حيدرة بالعاصمة.
وكانت عدد من الصحف الوطنية قد أعلنت، الأسبوع الأخير من شهر فيفري الماضي، عن تدهور صحة أول رئيس جزائري أحمد بن بلة، وذهبت لحد نشر خبر وفاته، بينما أكدت صحف أخرى أنه كان لا يزال على قيد الحياة، فيما تراجعت تلك الصحف التي أعلنت وفاته، وأوضحت أن غموضا كبيرا يشوب حالته الصحية، ونفت، حينها، وكالة الأنباء الرسمية والقنوات الإذاعية الخبر، وقالت إن الحالة الصحية لأحمد بن بلة مستقرة، وأنه تحت الرقابة الطبية.
وأكدت ابنة الفقيد، حورية بن بلة المقيمة في القاهرة، وفي اتصال هاتفي معها، خبر الوفاة، خلال الساعات الأولى، من عصر أمس، فيما رفضت الخوض في تفاصيل أخرى عن ظروف الوفاة.
ويعتبر أحمد بن بلة من الشخصيات الوطنية البارزة على المستوى الوطني والإفريقي والدولي، في الآونة الأخيرة، بعدما استنجد به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في تمثيله في عدة محافل دولية، وبرز دور بن بلة، بمجرد عودته للجزائر من منفاه الاختياري بسويسرا، في 29 سبتمبر 1990، حيث استقر بالجزائر، وتولى رئاسة اللجنة الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان، واعتبر من عقلاء قارة إفريقيا للإسهام في حل النزاعات التي تنشب في القارة السمراء، حيث أسندت له رئاسة مجموعة عقلاء الاتحاد الإفريقي، منذ سنة 2007 . ويعد الرئيس الراحل أحمد بن بلة من بين أهم رايات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حيث كان بن بلة رفيق درب عبد الناصر وأحد أبرز الزعماء العرب تأثرا بمشروعه القومي، وينتظر أن يوارى جثمان الرئيس الراحل، اليوم، بمقبرة العالية بالعاصمة.
لم يقل شيئا في حصة 'شاهد على العصر'
متى تصدر مذكرات بن بلة 'الخطيرة'؟
كانت الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي من أكثر المهووسات بكتابة قصة حياة الرئيس أحمد بن بلة، وكانت منذ أن أطلق الشاذلي بن جديد سراحه في بداية الثمانينات تتبعه مثل ظله على أمل أن تنال شرف موافقته بأن تروي حياته، خاصة أنها كما تقول تابعت وهي صغيرة من شرفة منزلها رفقة والدتها خطابا لبن بلة عندما كان رئيسا، ولكنه رفض عرضها، وقال لها في عام 2001 أنه كتب فعلا مذكراته، ولكنه لن ينشرها، لأنها خطيرة جدا، وتعني أناسا لا يمكنه أن يلتقي بهم بعد نشره هذه المذكرات، ووعد بأن ينشرها بعد رحيله دون ان يذكر الكيفية ولا مكان وجود هذه المذكرات. وبقي السؤال الكبير عن خطورة هذه المذكرات إلى أن أطل الراحل أحمد بن بلة على قناة الجزيرة عام 2004 كضيف على الصحفي أحمد منصور من خلال حلقات مطولة في حصة شاهد على العصر، ورغم أن المرحوم أحمد بن بلة فتح ملفات كانت ضبابية عن عبان رمضان وعن هواري بومدين من الثورة إلى الاستقلال، ورغم أن بن بلة أبكى في الحصة أحمد منصور الذي أجهش بالبكاء في عدة حلقات خاصة عندما كان يتحدث بن بلة عن أيامه العصيبة في السجن وكيف ماتت أمه بعد زكام أصابها، لأنهم كانوا يجردونها في عملية التفتيش قبل زيارتها لابنها في حجزه المنفرد، إلا أن الواضح أن الرجل الذي قارب سنه القرن وتعرف على كل زعماء الجزائر والعالم العربي من عبد الناصر إلى صدام حسين إلى معمر القذافي، ومن الثوريين الجزائريين ومفجري ثورة التحرير إلى الرؤساء في زمن الاستقلال، ظل يخفي الكثير من الأسرار حتى وإن كان بن بلة هو في حد ذاته تاريخا.
من آراء الراحل
ـ عندما سئل بن بلة بعد خروجه من السجن وتوجهه إلى فرنسا ومنها إلى سويسرا هل أنت لائكي - علماني - أجاب بأنّه ليس لائكيا وليس من دعاة اللائكية، وهي نتاج غربي محض وجاءت لتحلّ محل الكنيسة وقال أنّه مجرد مواطن جزائري ومناضل في حزب الشعب ثمّ حركة انتصار الحريات الديمقراطية ثمّ مجاهد في أول نوفمبر وأحد مناضلي جبهة التحرير الوطني.
ـ سئل بن بلة عن الثقافة في الجزائر فقال: هل توجد ثقافة في الجزائر! هل يوجد في ذهن مسؤول جزائري تقلدّ وزارة الثقافة مشروع ثقافي! ألم يهن الكتاب والمفكرون!
ـ سئل عن الدولة في عهده فقال: أنا الذي كونت الدولة الجزائرية بعد استرجاع السيادة الوطنية، وهذا شرف أفتخر به، ذلك أن اتفاقيات إيفيان وهي التي أفضت إلى استقلال الجزائر فرضت ضرورة وجود طرف قويّ لتحمل المسؤولية وكان لابدّ لنا من اللجوء إلى الانتخابات الشعبية وتأميم أراضي الكولون.
ـ سئل بن بلة عن وفائه لجمال عبد الناصر فقال: أنا وفيّ لفكر جمال عبد الناصر لأنني أعتبره رجلا عظيما ساهم في دعم الثورة الجزائرية أكثر من أي شخص آخر في الوطن العربي الذي تحكمه أطراف متناقضة ومتباينة مثل عبد الاله في الأردن ونوري السعيد في العراق وعبود قي السودان وكانت تعيش تابعة للغير، باستثناء عبد الناصر الذي كان يمثل الوفاء للثورة الجزائرية في مختلف مراحلها، والجزائريون مدينون لهذا الرجل وأظن أنّ خروج الشعب الجزائري إلى الشارع يوم وفاته كان دليلا على وجوده في وجدانهم وضمائرهم.
الراحل أحمد بن بلة في سطور
ولد الراحل أحمد بن بلّة، في مدينة مغنية بتاريخ 25 ديسمبر 1916، وواصل تعليمه الثانوي بمدينة تلمسان، وأدى الخدمة العسكرية سنة 1937، تأثر بعمق بأحداث 8 مايو 1945 فانضم إلى الحركة الوطنية باشتراكه في حزب الشعب الجزائري، وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث انتخب سنة 1947 مستشاراً لبلدية مغنية. وأصبح بعدها مسؤولاً على المنظمة الخاصة حيث شارك في عملية مهاجمة مكتب بريد وهران عام 1949 بمشاركة حسين آيت أحمد ورابح بيطاط.
ألقي عليه القبض سنة 1950 بالجزائر العاصمة، وحكم عليه بعد سنتين بسبع سنوات سجن، وهرب من السجن سنة 1952 ليلتحق في القاهرة بحسين آيت أحمد ومحمد خيضر حيث يكوّن فيما بعد الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني. قبض عليه مرة أخرى سنة 1956 خلال عملية القرصنة الجوية التي نفذها الطيران العسكري الفرنسي ضد الطائرة التي كانت تنقله من المغرب إلى تونس، والتي كان معه خلالها أربعة قادة آخرين لجبهة التحرير الوطني، وهم محمد بوضياف، رابح بيطاط، حسين آيت أحمد، ولشرف. تم اقتياده إلى سجن فرنسي، وبقي معتقلاً فيه إلى موعد الاستقلال فعاد هو ورفاقه إلى الجزائر.
في 15 سبتمبر 1963 انتخب كأول رئيس للجمهورية الجزائرية. وفي 19 يونيو 1965 عزل من طرف مجلس الثورة وتسلم الرئاسة هواري بومدين. ظل بن بلة معتقلا حتى 1980، وبعد إطلاق سراحه أنشأ بفرنسا الحركة الديمقراطية بالجزائر. عاد نهائياً إلى الجزائر بتاريخ 29 سبتمبر 1990، وتوجه بعد حرب الخليج الثانية 1991م إلى العراق وقابل الرئيس صدام حسين. كان يؤمن بعروبة الجزائر ولذلك قام باستدعاء آلاف الأساتذة العرب من مصر والعراق وسوريا للمساهمة في قطاع التعليم. وسئل بن بلة عن وفائه لجمال عبد الناصر فقال: 'أنا وفيّ لفكر جمال عبد الناصر لأنني أعتبره رجلا عظيما ساهم في دعم الثورة الجزائرية أكثر من أي شخص آخر في الوطن العربي'، ومن أقواله 'لم يكن سواه رفيقي في كل الفترات التي قضيتها في السجون، إنه القرآن الكريم'.
لعب لنادي مارسليا وبيلي تسبّب في طرده من الحكم
أحمد بن بلة تزوّج في السجن ولم يُرزق بالبنين
مهما اختلف الناس عن أحمد بن بلة، فإنه سيبقى سياسيا ورئيس الأجيال، الرجل الذي شهد الحرب العالمية الثانية والثورة التحريرية، وبلغ الربيع العربي وكان له في كل مناسبة رأي، بل ورأي مسموع في إفريقيا والعالم العربي، حسب مختلف الروايات فإن أحمد بن بلة غادرنا وهو على حافة بلوغ سن السادسة والتسعين، فقد اختلف الكثيرون حول يوم مولده ولكن الشائع أنه من مواليد مغنية في عام 1916، بعد أن حقق الكثير من أمنياته وأضاع الكثير من توابل الحياة ومنها البنين والبنات، بن بلة عاشق متميز لكرة القدم التي لعبها كمحترف في أندية فرنسية كبيرة، وكاد أن يشارك في كأس العالم لعام 1938 التي احتضنتها فرنسا وأحرزت لقبها إيطاليا، حيث تقمص ألوان نادي مارسيليا وبمجرد أن اندلعت الحرب التحريرية وكان سنه قرابة الثامنة والثلاثين اعتزل الكرة، ولكن عشقه لها بقي وذاب في قلبه، وكان أول رئيس يسلم كأس الجزائر بعد الاستقلال لوفاق سطيف ولمولودية سعيدة، واهتم الرئيس الأسبق بالكرة إلى درجة أنه أقام منذ ثلاث سنوات حفل توديعه الملاعب في مغنية، حيث لامست قدماه الكرة وسنه فوق التسعين عاما إلى درجة أن الصحافة الإنجليزية نشرت صورته وكتبت عنه أنه أكبر لاعب في تاريخ كرة القدم، والكرة هي نفسها التي تسببت في تضييعه الحكم عندما كان في سهرة التاسع عشرة من جوان من عام 1965 بملعب وهران، المسمى حاليا زبانة يتمتع بمباراة بين المنتخب الجزائري ونادي سانتوس البرازيلي، الذي ضم في صفوفه أسطورة الكرة بيلي، بينما كان الراحل هواري بومدين يقود انقلابا عسكريا انتهى بوضع أول رئيس جزائري رهن الحبس، وهناك نسيه الشباب وبقي أحمد بن بلة يتلقى زيارة والدته العجوز التي ترجته أن يُفرحها قبل وفاتها بالزواج، فكان لها ما أرادت عندما كان بن بلة أول رئيس في العالم أيضا الذي يتزوج وهو في السجن، حيث أشار لوالدته على صحفية تدعى زهرة سلامي، كان قد تعرّف عليها قبل الانقلاب وحدث الزواج داخل فيلا بحضور والدته في 25 ماي من عام 1971، حيث جاوز سنه الخامسة والخمسين وكانت الصحافية زهرة دون التاسعة والعشرين، وهي الصحافية والسياسية التي توفيت منذ سنتين وتم تشييع جثمانها في أرض أجدادها بعد صراع مع المرض وتركت الراحل يقول أنه أحس باليتم عندما توفيت زوجته التي قبلت بأصعب المهمات بالنسبة لامرأة، وهي الزواج من سجين مغضوب عليه من طرف النظام الجزائري بقيادة الراحل هواري بومدين، في ذلك الوقت وتبنى بعد ذلك ابنتين عاشتا في المهجر وكانتا فنانتين في سويسرا التي اختارها الرئيس بن بلة كمنفى اختياري له بعد أن أطلق سراحه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد عام 1980.
الشروقبلقاسم عجاج / ب.عيسى
=======================================
جريدة الخبر
أحمد بن بلة في ذمة الله
الرئيس الأول يلفظ النفس الأخير
12-04-2012 الجزائر: حفيظ صواليلي
رئيس الجمهورية يعلن الحداد ثمانية أيام والجنازة يوم الجمعة
انتقل بعد ظهر أمس الرئيس الأسبق أحمد بن بلة إلى رحمة الله عن عمر يناهز 96 سنة بعد صراع طويل مع المريض، وأسلم الفقيد روحه إلى بارئها وهو على فراش النوم ببيته في حيدرة بأعالي العاصمة، حوالي الساعة الثالثة زوالا، وكان مرفوقا بابنتيه نورية ومهدية.
كان أحمد بن بلة من الوجوه السياسية البارزة التي ظلت تنشط على المسرح السياسي والدبلوماسي في الجزائر، توفي بعد مرض عضال حد من حركته خلال الأسابيع الماضية، حيث نقل مرات عديدة إلى المستشفى العسكري بعين نعجة.
ولد أحمد بن بلة في مدينة مغنية بمنطقة الغرب الجزائري، أين تلقى تعليمه الابتدائي،قبل أن ينتقل إلى مدينة تلمسان ليزاول دراسته الثانوية هناك.
بعدها أدى المرحوم الخدمة العسكرية سنة .1937 إلا أنه انخرط بسرعة بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد مجازر 8 ماي 1945 في صفوف الحركة الوطنية، حيث انضم بن بلة إلى حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث انتخب سنة 1947 مستشاراً لبلدية مغنية. واصل بن بلة مساره النضالي والحركي من خلال مساهمته في إنشاء أول منظمة شبه عسكرية -المنظمة الخاصة- وشارك في التخطيط والهجوم على مكتب بريد وهران عام 1949 بمشاركة حسين آيت أحمد ورابح بيطاط، للحصول على الأموال التي تستخدم لتمويل النشاط السري للمنظمة، إلا أنه تم القبض عليه في 1950 بالجزائر العاصمة من قبل الأمن الفرنسي، وحكم عليه في 1952 بسبع سنوات سجنا، إلا أنه فر من المعتقل في نفس السنة ليلتحق في القاهرة بحسين آيت أحمد ومحمد خيضر، أين تم تشكيل ما يعرف بالوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني.
كان بن بلة من بين القادة التاريخيين الذين تعرضوا لأول عملية قرصنة جوية قامت بها القوات الجوية الفرنسية في 22 أكتوبر 1956 ضد الطائرة ''دي سي''3 التي كانت تقل الوفد الجزائري المكون من بن بلة ومحمد بوضياف ورابح بيطاط وحسين آيت أحمد ومصطفى لشرف من المغرب أين التقوا الملك محمد الخامس وولي العهد الحسن الثاني، في طريقهم إلى تونس وتم اقتياد المجموعة إلى سجن ''حصن ليدو بجزيرة اكس بمقاطعة شارونت البحرية، وبقي بن بلة معتقلاً فيه إلى غاية الاستقلال في 5 جويلية 1962، إذ أطلق سراحه سنة 1962، شارك في مؤتمر طرابلس أين برز تباين في وجهات النظر والمواقف مع الحكومة المؤقتة، ليعود إلى الجزائر في 27 سبتمبر .1962
وبدعم من جيش الحدود يختار بم بلة رئيسا لمجلس الثورة، ثم في 15 سبتمبر 1963 أول رئيس للجمهورية، ليتم بعدها إزاحته في انقلاب 19 جوان 1965 من طرف مجلس الثورة، وتسلم الرئاسة هواري بومدين.
ظل أحمد بن بلة معتقلا ثم في إقامة جبرية منذ جويلية ,1979 ليطلق سراحه بقرار من الرئيس سابقا الشاذلي بن جديد في أكتوبر 1980، لينتقل إلى المنفى الاختياري في سويسرا العام 1981 ويؤسس بعدها بفرنسا الحركة الديمقراطية في الجزائر، وكانت هذه الحركة تصدر مجلتين هما البديل وبعده منبر أكتوبر. ومع الانفتاح السياسي، قرر بن بلة العودة إلى الجزائر في 29 سبتمبر1990، ثم يعود مؤقتا للمنفى في 1992، ليزاول بعدها عدة نشاطات سياسية غير رسمية على غرار عضويته في لجنة الرعاية لمحكمة روسيل حول فلسطين، ورئاسة اللجنة الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان، كما اختير ضمن حكماء القارة الإفريقية في إطار مبادرات تسوية النزاعات.
لازم الفقيد المرض منذ بداية السنة، مما استدعى نقله إلى مستشفى بالعاصمة الفرنسية باريس في 4 جانفي، ثم دخل عدة مرات مستشفى عين نعجة، قبل أن توافيه المنية يوم أمس بعد صراع طويل مع المرض.
الحداد ثمانية أيام
أصدرت رئاسة الجمهورية مساء أمس بيانا جاء فيه أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعلن الحداد الوطني لثمانية أيام، كما قرر تمكين الجزائريين من إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد أحمد بن بلة اليوم الخميس بداية من منتصف النهار بقصر الشعب في العاصمة، أما جنازته فستكون يوم غد بعد صلاة الجمعة إلى مربع الشهداء بمقبرة العالية.
صدمة في البيت الذي عانى أسابيع من الإشاعات
ابنة الفقيد لـ''الخبر'': لقد مات اليوم
كانت الساعة الرابعة مساء عندما نزل خبر وفاة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة على قاعات التحرير كالصاعقة، وكانت الوجهة الأولى بيت الراحل الكائن في حي بارادو بحيدرة في العاصمة.. بدا المكان وكأنه يستعد لهذا الحدث المؤلم، من خلاء الطلاء الجديد للجدران، باعتبار أن الفقيد كان مريضا وسبق وأن انتشرت إشاعة رحيله قبل شهر ونصف، ومع ذلك فإن الصدمة كانت كبيرة بالنسبة إلى عائلته وابنتيه.
سادت المكان الكثير من المظاهر الرسمية، كتواجد مكثف للشرطة والدرك الوطني وسيارات الإسعاف والحماية المدنية، حيث تم غلق الطريق المؤدي إلى البيت مباشرة، ومنع دخول الصحفيين إليه، إلا من كان معزيا فقط، وكانت لـ''لخبر'' فرصة الدخول، وتقديم التعازي للابنة الصغرى، التي بدت على محياها آثار الحزن والألم، لكن مع الكثير من رباطة الجأش.. تقبلت تعازينا وقالت ''لقد مات اليوم''.
خصّصت العائلة حيّزا من البيت للأهل والضيوف والجيران، وآخر للرسميين من وزراء وسياسيين. ولم يغلق الباب الرئيسي في وجه أي أحد، شباب وشيوخ، مجاهدون ورفاق لدرب، ومناضلون رافقوا الفقيد في مساره السياسي.
كان أول المعزين من الرسميين، وزير الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية، الذي بدا متأثـرا جدا وهو يخرج من بيت الفقيد بعد أكثـر من ساعتين مكثها هناك، مرفوقا بوزير الصحة جمال ولد عباس، وقال ولد قابلية في تصريح للصحافة ''صدمنا بخبر الوفاة اليوم، رغم أنه كان مريضا منذ مدة''، ثم أضاف بكثير من الألم ''فقدت الجزائر رجل دولة أحب وطنه وكان نزيها، ومن الأوائل الذين قادوا النضال الوطني''.
أما ولد عباس فقال بتلقائية ''عرفته منذ وقت طويل، إنه أول رئيس للجزائر، بقي بقوته وصلابته وهو في سن 96 تقريبا، إنه رمز من رموز الدولة، فقدته الجزائر اليوم''، مضيفا ''لقد عرفته في قضية وهران قبل ,1954 وعندما عاد في الثمانينيات زرته وكنت دائما معه، لي الكثير من الذكريات، لقد أحضرت له ذات يوم ابن كاسترو، الذي كان يحبه''. بدأ أعضاء الحكومة يصلون الواحد تلو الآخر، وجاء دور وزير الاتصال ناصر مهل الذي قال ''فقدت الجزائر رجلا قدّم حياته لها''، مضيفا ''أتمنى أن تكرمه الجزائر كما يجب''، كما شوهد في الوقت نفسه خروج الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد الذي قال عن الراحل ''المرحوم من الناس الذين صنعوا الثورة والاستقلال، وكان أحد المحركين لتاريخ الجزائر وقدم الكثير لها''.
كما قدم التعازي وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي الطيب لوح، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز. ولم يغلق باب الفقيد حيث تواصل وصول المعزين من رسميين وجيران وأصدقاء ورفقاء ومناضلين إلى ساعة متأخرة من مساء أمس.
مسعودة بوطلعة
======================================
جريدة الفجر
أول رئيس للجزائر المستقلة في ذمّة الله
وداعا بن بلّة
توفي، أمس، الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة عن عمر ناهز 96 سنة، بمقر سكناه حسب ما علم لدى أقارب الفقيد، في الوقت الذي أشارت فيه “الفجر” أنّ الفقيد مات إكلينيكيا قبل أسبوع من أمس، قبل أن يسلّم روحه أمس إلى رحمة الله.
تأكدت رسميا أمس، وفاة أول رئيس للجزائر المستقلة المجاهد أحمد بن بلة، بعد صراع طويل مع المرض ألزمه الفراش مؤخرا وأدخله مرات عديدة المستشفي العسكري “محمد الصغير نقاش” بعين النعجة، بداية من شهر فيفري المنصرم، حيث راجت وقتها إشاعات قوية عن وفاته قبل أن تتحسن حالته الصحية.
وقد عانى أحمد بن بلة من بعض المتاعب الصحية السنوات الأخيرة استدعت نقله في العديد من المرات إلى الخارج لتلقي العلاج هناك قبل العودة إلى الجزائر إلا أن المعلومات المتداولة تحدثت عن تدهور حالته الصحية حيث كان في كل مرة يدخل المستشفى قبل أن يغادره بعد فترة من العلاج. وعانى الرئيس الأسبق من مرض عضال؛ حيث آخر مرة كان قد دخل فيها مستشفى عين النعجة شهر جانفي المنصرم ليتم من بعد إسعافه إلى أحد مستشفيات العاصمة باريس. ويعتبر أحمد بن بلة من مواليد 25 ديسمبر 1916 بمنطقة مغنية في الحدود الجزائرية المغربية وهو يعد من القادة التسعة التاريخيين للجنة الثورية للوحدة والعمل وقد تم انتخابه رئيسا للجزائر المستقلة من سنة 1962 إلى غاية 1965 قبل أن يتعرض لانقلاب من طرف نائبه العقيد الهواري بومدين بتاريخ 19 جوان 1965.
ق.و
اعترف في مذكراته بخطر التعددية الحزبية غداة الاستقلال
بن بلة ردّ الاعتبار للجزائريين بمنعه مهنة مسح الأحذية
ترك الراحل أحمد بن بلة الملقب بـ”الرئيس التاريخي”، وراءه مذكرات عن حياته، كما أملاها لروبير ميرل وترجمها العفيف الأخضر، خط فيها أهم المحطات في نضاله الثوري وفترة حكمه والتي تعكس أهم المراحل التاريخية للجزائر المحتلة والمستقلة. ولعل أهم ما يمكن الإشارة إليه في هذا المخطوط عن حياته، المشاكل التي واجهها عند توليه مقاليد الحكم غداة الاستقلال، والتي تركها في الفصل الأخير من مذكراته، كالوضعية الاقتصادية الخانقة التي خيمت على البلاد، والصعوبات الكبيرة التي واجهها لبعث النشاط الفلاحي كحل للقضاء على الجوع الذي كان يتهدد الجزائريين، وعلى الصعيد السياسي يعترف الرئيس بن بلة أنه لم يسمح بالتعددية السياسية، لاعتبار هذا الخيار “بضاعة فاخرة لا يستطيع بلد متخلف أن يسمح بها لنفسه”، ولأن “تعدد الأحزاب عندنا لا يمكن أن يقود إلا للبلبلة وتشتيت الجهود والفوضى..”، مشيرا إلى أنه رغم الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي في حرب التحرير الوطني، وكذا الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي كان يقوده فرحات عباس، فلم يكن بالإمكان السماح لهما بالعودة للنشاط السياسي في الجزائر المستقلة، لأنهما سيشكلان خطرا على جبهة التحرير الوطني. ومع ذلك فقد عبر الرئيس التاريخي عن احترامه الشديد للمناضلين الشيوعيين كونهم “تجردوا من كل ارتباط بعالم المصالح الشخصية الصغير والحقير”، وهو يوافقهم توجههم الاقتصادي، وعرج على اهتمامه بالتعليم مشيدا بالأساتذة الفرنسيين الذين ساهموا في إطلاق هذا القطاع، وتطرق لما عرف “بعملية تجميع ماسحي الأحذية الصغار” بقاعة ابن خلدون في فيفري 1963، والتي اعتبرها بمثابة رد للاعتبار للشعب الجزائري، عبر هذه الفئة التي كانت تمثل حسبه مشهدا يمثل بقوة إذلال الأنديجان، فقام باتفاق مع الراحل بشير بومعزة بتوزيعهم على مراكز لتثقيفهم ومحو أميتهم، واختصر الوضع في تلك المرحلة بهذه المقولة “السلطة السياسية كانت بأيدي الجزائريين ولكن السلطة الاقتصادية - الأرض نفسها مازالتبأيدي الأوروبيين”، واعتبر التسيير الذاتي ربحا ضاع من يدي البرجوازية الجزائرية. وبن بلة الذي ولد يوم 25 ديسمبر 1918 من أب فلاح وبقي وحيدا على قيد الحياة، يقول في مذكراته إن مسقط رأسه مغنية وليس المغرب كما سبق أن صرح بذلك، وقد خص لهذه المدينة الحدودية فصلا كاملا، يكشف فيه أنه قبل أن يتحول إلى السياسة كان لاعب كرة قدم، بخط الوسط في فريق تلمسان.
وأفرد الرئيس بن بلة فصلا آخر عن مشاركته ضمن الجيش الفرنسي في الحملة العسكرية على إيطاليا، في صيف 1943، فتحدث عن اللامساواة بين الضباط الجزائريين والفرنسيين، فكان وراء تنظيم مقاومة لهذه الظاهرة في الفيلق السادس الذي جند فيه، وعبر عن سعادته لأنه كان يقاتل في سبيل قضية عادلة، وقد حصل على وسام الحرب بعد احتلال روما وقلده إياه الجنرال ديغول، كما حصل منذ بداية الحملة على أربعة استحقاقات منها اثنان من نوع وسام الجيش.
وعكس ما صرح به قبل أشهر، يعترف بن بلة بأنه لم يشارك في تنفيذ الهجوم على مركز بريد وهران، بل أوحى إليه وصرح به أمام القضاة وحوكم بثمانية أعوام، ويشير في محطة تاريخية أخرى إلى أن أعضاء الحكومة الجزائرية المؤقتة لم يكونوا مسرورين بلقائه في سويسرا بعد خروجه من السجن... لقد سرد الرئيس التاريخي في مذكراته مساره في الثورة، مظهرا الجانب الإنساني فيه، ولم يركز بعمق عن الخلافات التي سادت فيها بين قياداتها التاريخية وكأنه أراد أن يتجنب استمرارها في الجزائر الحرة.
كريمة. ب
عاد للواجهة السياسية بفضل سياسة المصالحة
بن بلة يستدرك ما خسره في منفاه الاختياري خلال عهد بوتفليقة
كانت عودة الرئيس الأسبق، أحمد بن بلة، من منفاه إلى الجزائر بتاريخ 29 سبتمبر 1990، من بين أهم المحطات السياسية في تاريخ الرجل، حيث أسست لعهد جديد مع وطنه الأم، بعد سنوات قضاها في منفاه الاختياري.
واستطاع الرجل الذي ظل لسنوات في المنفى الاختياري متنقلا بين باريس وسويسرا والمغرب، العودة مجددا إلى الساحة السياسية، ليس من خلال تكليفه بحقائب وزارية من طرف الرئيس، وإنما من خلال تكريمه وإعطائه مكانة الضيوف الشرفيين والخاصين في جميع المناسبات الوطنية التي كانت تقيمها الرئاسة.
وقد أسست عودة الرئيس بوتفليقة، الذي كان يحب بن بلة مناداته بـ”الشقيق الأصغر”، لعهد جديد في الحياة السياسية للرجل، حيث ساهم بوتفليقة بشكل كبير في مسح ثقافة النسيان والتخفيف من حدة الإقصاء التي لازمت الرجل منذ تنفيذ التصحيح الثوري في حقه من طرف الرئيس المرحوم هواري بومدين في 19 جوان 1965، والتي وتواصلت حتى عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، واستمرت خلال سنوات الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر.
وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة التي كان يتمسك بها بن بلة في بعض القضايا الوطنية، مثل قضية فتح الحدود مع المغرب وموقفه غير المشجع من القضية الصحراوية ونضال شعبها في تحقيق مطلب الاستقلال، إلا أن مجيء رئيس الجمهورية إلى الحكم، جعله يتغاضى عن تلك المعطيات ويفتح الباب أمام الرجل ويعيد له الكثير من الاعتبار والتقدير بعد المدة الطويلة التي قضاها بالمنفى. ولم يخل حدث عودة الرئيس بن بلة من المنفى الاختياري والاستقرار في الجزائر، بدعم من الرئيس بوتفليقة من الرسائل الضمنية للمصالحة والحوار والعفو عما سلف التي ارتكز عليها حكم بوتفليقة، خاصة وأن الرئيس بن بلة كان أيضا من دعاة المصالحة الوطنية المؤجلة، وقد أبلغ شخصيا ذلك لرئيس الحكومة بلعيد عبد السلام. وكان يشهد لبن بلة بحبه للعروبة ودفاعه عنها وتمسكه بالقضايا الإفريقية، وإعجابه بالرئيس الراحل صدام حسين، حيث توجه لزيارته مباشرة بعد انتهاء حرب الخليج الثانية سنة 1991.
ورغم تمسكه بالمذهب الاشتراكي اليساري، إلا أنه كان من المتدينين في الممارسة اليومية، وهو الذي قال إن صديقه وأنيسه الأول خلال سنوات الاعتقال كان قراءة القرآن الكريم.
ومن بين المراكز أو المهام التي تقلدها بن بلة هو اختياره رئيسا للجنة حكماء إفريقيا وقد أعيد انتخابه لعهدة ثانية، بعد النتائج التي حققها في لم الشمل الإفريقي، كما تولى رئاسة اللجنة الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان.
شريفة عابد
=====================================
الجزائر نيوز
أحمد بن بلة يفارق الحياة عن عمر يناهز 96 سنة.. رحيل الرئيس الأول للجمهورية الجزائرية المستقلة
توفي أحمد بن بلة، الرئيس الأول للجمهورية الجزائرية المستقلة، أمس، عن عمر يناهز 96 سنة بمسكنه، إثر تدهور في وضعه الصحي•
أحمد بن بلة كان قد أُدخل على جناح الاستعجال ـ قبل وفاته بشهرين ـ إلى المستشفى العسكري محمد الصغير نقاش بعين النعجة، وكانت راجت إشاعات كثيرة عقب ذلك حول خبر وفاته وخلال تواجده في المستشفى، إلا أن ذلك لم يكن صحيحا، وقد كذب الخبر أفراد من عائلته عبر الصحف• وبينما لم يتسرب أي خبر عن المرض الذي أصاب المرحوم إلا أن تقدمه في السن وعدم قدرته على المشي وانحناء ظهره بعض الشيء كانت توحي بتدهور حالته الصحية• الرئيس الذي سيوارى التراب اليوم كان قد ظهر آخر مرة بشكل رسمي خلال احتفالات الفاتح من نوفمبر الماضي خلال إحياء الجزائر الذكرى الـ 58 لاندلاع الثورة، وظهر على شاشة التلفزيون وهو يشد بيد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، رفقة رئيس المجلس الأعلى للدولة سابقا، علي كافي• وكان الثلاثي يتلقى التحية والتهاني بالمناسبة من طرف كبار الدولة والموظفين السامين، وكانت تلك الفترة قد شهدت جدلا كبيرا لأحدى أهم الخرجات التاريخية في مسيرة الرئيس أحمد بن بلة، وتخص تصريحاته إزاء الزعيم التاريخي لجبهة القوى الاشتراكية والمعارض الأزلي للنظام حسين آيت أحمد، حينما صرّح لصحيفة أجنبية أن الأخير ''كان خلال ثورة التحرير يفكر بذهنية قبائلي أكثر من كونه جزائري''• وكان أحمد بن بلة كثيرا ما يلبي دعوات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في كبرى المناسبات الوطنية، رفقة علي كافي ولكن من دون الرئيس الأسبق ليامين زروال•
وجدير بالذكر أيضا أن الرئيس أحمد بن بلة لم يحضر جنازة أحد أبرز وجوه التاريخ والثورة الجزائرية، وهو الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني، عبد الحميد مهري، كون المرض أقعده بشدة.
أول رئيس للجمهورية الجزائرية مات بالأمس في مسكنه العائلي بين أفراد أسرته وأقاربه، عصرا، ولم يتحدد إلى غاية هذا التوقيت المكان الذي سيواري فيه التراب، حيث أنزلت وكالة الأنباء الجزائرية الخبر رسميا من دون هذا التفصيل•
عبد اللطيف بلقايم
________________________________________
أحمد بن بلة: لاعب كرة القدم الذي أصبح ''حكيم إفريقيا''
لم يكن يصغر ''أب الوطنية الجزائرية'' مصالي الحاج إلا بثمانية عشرة سنة، ومع ذلك امتد به العمر بعده بسنين طويلة، ليكون واحدا من أكثر الشخصيات الجزائرية شهرة عبر الزمن وإثارة للجدل، إنه أحمد بن بلة الذي يعرفه المشارقة باسم ''أحمد بن بيلا''، الذي بقي يصنع الحدث منذ حادثة ''السطو'' على بريد وهران سنة 1949 مرورا بتأسيس المنظمة الخاصة واكتشاف أمرها سنة ,1950 وليس انتهاء بالانقلاب عليه كأول رئيس لجزائر الاستقلال• وقد جاء إلى السياسة بعد أن كان نجما كرويا في شبابه الأول في ثلاثينيات وبداية أربعينيات القرن الماضي•
عندما تمكن العقيد هواري بومدين، يوم السبت 19 جوان ,1965 من الإطاحة به ووضعه خلف الأضواء، لم يكن الأمر نهاية لأحمد بن بلة، بل كان الأمر بداية لمرحلة جديدة من مراحل هذا السياسي الذي واكب نشوء الحركة الوطنية في عهدها الأول، بقي فاعلا وشاهدا على مختلف التحولات، وهو الذي كان يستعد بعد سنوات قليلة من الآن للاحتفال بعيد ميلاده المائة وسط محبيه الكثيرين مقارنة مع خصومه وأعدائه الكثّر، كأي ظاهرة مثيرة للجدل•
ولم يكن ما أقدم عليه العقيد هواري بومدين مجرد انقلاب عسكري مهما كانت خطته محكمة، بل كانت مغامرة غير مضمونة، بالنظر للشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها بن بلة حينها، تلك الشعبية التي يرجعها أتباعه إلى شخصيته الكاريزماتية التي صنعها على مرّ السنين، وإلى تضحياته الكبيرة وهو الذي دخل السجن أكثر من مرة قبل الثورة وأثناءها، لكن خصومه الكثيرين قالوا إن بن بلة ما هو في النهاية إلا صنيعة الإعلام ''الناصري'' (نسبة إلى الزعيم المصري جمال عبد الناصر)، إذ روجته إذاعة ''صوت العرب'' القاهرية كزعيم مفترض للثورة التحريرية التي كانت تصور حينها على أساس أنها طبعة جديدة من حركة الضباط الأحرار في 23 جويلية .1952 والأبعد من ذلك، رأى خصوم بن بلة أن انقلاب 1965 الذي سمي رسميا لسنين طويلة ''تصحيحا ثوريا'' واعتبر من الأعياد الوطنية والعطل المدفوعة الأجر، ما هو في النهاية إلا استمرارا للانقلاب على شرعية الحكومة الجزائرية المؤقتة، عندما استولى بن بلة بالتحالف مع ''جماعة وجدة'' على السلطة بالسلاح ودخلت البلاد ''حرب الولايات''، ولولا اندلاع ''حرب الرمال'' ضد المغرب سنة 1963 لسارت الأمور نحو الأسوأ، وبن بلة هو من دفع إلى فشل مؤتمر طرابلس عشية الاستقلال، وقد واجه الرئيس بن يوسف بن خدة حينها بكلام لا يليق بمقام شخص محترم•
إنه أحمد بن بلة، الذي عاد مرة أخرى سنة ,1989 بعد إقرار التعددية والسماح له بتأسيس حزب سياسي يخوّل له الدخول اللعبة السياسية التي من شأنها أن تعيده إلى كرسي رئاسة الجمهورية بعد أن غادره قسرا قبل أكثر من 25 سنة من ذلك التاريخ، واستقل استقبالا شعبيا كبيرا والآلاف من أنصاره يهتفون باسمه في شوارع الجزائر العاصمة، وقد تحول حينها إلى أسطورة، وكان الحزب الذي أسسه في المنفى (الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر)، وكانت منشوراته ''منبر أكتوبر'' و''البديل'' و''المجاهد'' توزع سرا في الجزائر وتُقرأ على نطاق واسع وتصور في طبعات أنيقة أحمد بن بلة كزعيم انتهك حقه وسيعود إلى البلاد كمهدي منتظر ''سيملأ الدنيا عدلا بعد أن مُلئت جورا''، لكن خصومه الكثيرين كانوا يرون الأمر مجرد ''ظاهرة إعلامية'' انتقلت من مصر عبد الناصر إلى ليبيا معمر القذافي الذي تكفل به فور خروجه من الجزائر عقب وفاة العقيد هواري بومدين، وتسلم العقيد الشاذلي بن جديد مقاليد السلطة، وكان العقيد معمر القذافي الغارق في أحلام توحيد العالم العربي تحت رايته الخضراء لا يتردد في تذكير الناس بلقب ''أمين القومية العربية'' الذي أطلقه عليه جمال عبد الناصر قبيل وفاته• لقد عاد بن بلة يواجه أكبر امتحان له، امتحان شرعيته الشعبية تحت عنوانه حزبه السياسي ''الحركة من اجل الديمقراطية في الجزائر''، لكنه جاء في زمن طوفان ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' ولم يفز حزبه بأي مقعد برلماني في تشريعيات ,1991 وانتهت بذلك أحلام بن بلة في الجزائر، وانتظر حزبه دستور 1996 ليُحل بطريقة آلية ولم يقدم طلبا بتجديد اعتماده وفق القوانين الجديدة• وتحولت بعد ذلك العودة إلى البلاد إلى عودة منها، ولم يتخل عنه العقيد معمر القذافي الذي أعطاه رئاسة ''جائزته لحقوق الإنسان؛، وعندما التفت العقيد إلى إفريقيا ليصبح ''ملك ملوكها''، وأصبح سنة 2007 ضمن لجنة حكماء إفريقيا للوقاية من النزاعات إلى جانب الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، لكن تلك اللجنة لم تستطع فعل أي شيء أمام الطوفان الذي أودى بنظام العقيد معمر القذافي، حيث كان بن بلة ومانديلا في آخر خريف العمر•
يحيى• ر
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/04/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : من اليوميات الوطنية الجزائرية
المصدر : الجرائد اليومية الجزائرية 2012/04/12 (الشروق-الخبر-الفجر-الجزائرنيوز)