الجزائر

ماذا بعد مغادرة القوات الأمريكية للعراق؟طائفية، تفكك عرقي ومستقبل غامض



 

ينتظر سكان بلدية بعطة الواقعة على مسافة 120كلم شمال شرق ولاية المدية بمحاذاة جبال الأطلس البليدي، تخصيص مشاريع تنموية لتثبيت سكانها بهذه المنطقة الريفية الذين يناهز عددهم ثلاثة آلاف نسمة، خاصة وأن العديد من العائلات التي نزحت نحو مدن وتجمعات سكانية، وترغب الآن بعد استعادة الأمن العودة إلى خدمة أراضيها.
رغم أن السكان استبشروا خيرا بعد قرب فتح الطريق الوطني رقم 64 الرابط بين بلدية العمارية بالمدية وبلدية بو'رة بالبليدة، مرورا ببلدية بعطة والعيساوية بفك العزلة عن المنطقة، إلا أن عدة نقائص لا زالت تشكل هاجس المواطنين الذين أكدوا لنا أنهم بحاجة ماسة إلى عدة ضروريات؛ وعلى رأسها الهياكل الصحة والمرافق الشبانية والدعم الفلاحي لتوفير مناصب الشغل.
وذكر لنا أحد المواطنين أن الطريق الوطني رقم 64 من شأنه فتح آفاق واسعة لحركة التنمية بالبلدية نظرا لموقع الطريق الإستراتيجي، والذي لم تنته به الأشغال، خاصة بالنسبة للشطر التابع لولاية البليدة، ويبقى أمل السكان في أن يكون هذا الطريق بداية لمشاريع أخرى تفك العزلة عن هذه البلدية التي عانت الأمرّين خلال سنوات المأساة الوطنية، حيث نزح ثلثا السكان إلى بلديات ومدن مجاورة فرارا من تبعات الوضعية الأمنية الصعبة، وعدم وجود ضروريات الحياة.
وأمام هذه الوضعية، تبقى الكرة في شباك المسؤولين، كل حسب اختصاصه، في مساعدة المواطنين للعودة إلى قراهم ومداشرهم، والذي يشيرون أن ما توفره أراضيهم من خيرات يجعلهم في غنى عن طلب المساعدة، مناشدين الجهات المعنية بضرورة تسهيل طرق الدعم الخاصة بالبناء الريفي والاستفادة من الدعم الفلاحي، حيث أكد العديد من العائدين بأنه لو توفر السكن والماء والكهرباء، مع دعم الفلاحة، لعاد كل سكان بعطة، لأنهم مرتبطون بخدمة الأرض أباً عن جد.
وفي لقائنا مع بعض شباب المنطقة، أكدوا أنهم بحاجة إلى مرافق ثقافية ورياضية، باستثناء الملعب الجواري الذي أُنشئ حديثا وأصبح المتنفس الوحيد لكل أطفال وشباب منطقة بلدية بعطة، في انتظار قاعة متعددة الرياضات، أما المتمدرسون بمختلف الأطوار، فأشار بعضهم أنهم يضطرون إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى المتوسطات والثانويات المتواجدة في منطقة العيساوية بالنسبة للطور الثاني، أو العمارية، الأمر الذي انعكس سلبيا على تحصيلهم العلمي.
وفي الجانب الصحي، تبقى النساء الحوامل بهذه البلدية يتكبدن عناء السفر من مقر إقامتهم إلى بلدية العمارية للفحص، قاطعات مسافة 40 كلم ذهابا وإيابا، معرضات بذلك صحتهن وصحة الجنين إلى مخاطر كان بالإمكان تفاديها لو أن المسؤولين على قطاع الصحة اهتموا بذلك، ويضطر أرباب العائلات إلى الاستنجاد بسيارات ''الكلاندستان'' بثمن لا يقل عن 500 دج في غالب الأحيان، للوصل إلى المرافق الصحية.
 
توفي أمس الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ ايل بصورة مفاجئة بعد تعرضه لنوبة قلبية عن عمر يناهز 69 عاما، ست عشرة سنة قضاها على رأس هذا البلد الذي يعد بمثابة آخر قلاع الشيوعية في العالم.
وتمت عملية استخلافه بنجله الأصغر كيم جونغ أن، الذي لم يتعد سنه الثلاثين في سابقة هي الاولى في تاريخ الأنظمة الشيوعية التي عادة ما كان يحكمها رؤساء في خريف أعمارهم ضمن عملية استخلاف سلسلة تمت بنفس الطريقة التي تم خلف الرئيس الراحل والده كيم ايل سونغ.
ولكن الرئيس الكوري الشمالي الجديد يبقى بمثابة لغز محير بالنسبة للعواصم الغربية التي فشلت في جمع المعلومات اللازمة حول شخصيته ولا نواياه وماذا يريد فعله بمجرد توليه قيادة البلاد. بل إن صورته بقيت محل كتمان إلى غاية سبتمبر الماضي عندما ظهر لأول مرة إلى جانب والده الراحل في حفل بالعاصمة بيونغ يونغ.
واكتفت مصادر المخابرات الكورية الجنوبية في برقياتها المحدودة جدا بالقول إن سونغ أن ولد من الزوجة الثالثة للرئيس الراحل ذات الأصول اليابانية وتابع تكوينه في المعاهد السويسرية ورقي إلى رتبة جنرال بأربعة نجوم في الجيش الكوري رغم صغر سنه.
وساد العاصمة الكورية أمس حزن كبير بمجرد إعلان وفاة كيم جونغ ايل حيث أعلن عن حداد وطني ونكست الرايات الوطنية وأغلقت المحلات التجارية وتوقفت كل مظاهر الحياة في وقت كان فيه مئات الأشخاص يتوافدون على القصر الرئاسي لإلقاء النظرة الأخيرة على رئيسهم الراحل.
وفي نفس الوقت الذي أغلقت فيه حدود البلد وأعلنت حالة الطوارئ استنفرت العواصم الآسيوية والدول الغربية حكوماتها مباشرة بعد الإعلان عن وفاة الرئيس جونغ ايل وسط مخاوف من تداعيات هذا الرحيل المفاجئ لرئيس دولة نووية رافضة لمنطق الدول الغربية رغم التحولات التي عرفها العالم منذ أكثر من عقدين.
ولكن عدة مصادر وأجهزة استخباراتية غربية وأسيوية كانت تنتظر مثل هذه الوضعية وخاصة منذ أن أصيب الرئيس الراحل بنوبة قلبية سنة 2008 وهو ما جعل سلطات بلاده تستعد لخلافته بطريقة سلسة بهدف تفادي أي انزلاق باتجاه الفوضى الشاملة في بلد يعد من أفقر بلدان العالم.
وهو ما حرصت على تأكيده مختلف وسائل الإعلام الكورية الشمالية الرسمية التي طالبت كل شرائح الشعب الكوري من الجيش والطلبة والعمال إلى مبايعة الرئيس الشاب.
وبنظر العديد من المتتبعين للشأن الداخلي الكوري الشمالي، فإن الرئيس الجديد سيواصل على نهج أبيه وخاصة ما تعلق بعلاقات بيونغ يونغ مع الدول الغربية والقبضة الحديدية التي تجمعهما منذ عدة سنوات على خلفية برنامجها النووي بقناعة أن الرئيس الشاب تم تحضيره في مناصب المسؤولية في بلاده منذ عدة سنوات.
وقد كانت التجربة الصاروخية التي نفذتها كوريا الشمالية صباح أمس تزامنا مع إعلان وفاة الرئيس جونغ ايل بمثابة رسالة واضحة باتجاه الدول الغربية بأن لا تنتظر أي تحول في المواقف المبدئية لآخر الإمبراطوريات الشيوعية في العالم.
وهي الأمنية التي عبرت عنها مختلف العواصم الغربية من برلين إلى باريس وواشنطن ولندن والتي أبدت رغبة في إمكانية حصول تحول في الموقف الكوري من الوضع العالمي وأن تباشر مفاوضات جادة مع الدول الغربية من اجل إذابة الجليد العالق في المفاوضات السداسية الخاصة بالملف النووي الكوري الشمالي والمتعثرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
بينما اضطرت السلطات الكورية الجنوبية إلى وضع قواتها في حالة تأهب قصوى تحسبا لأي طارئ في نفس الوقت الذي عززت فيه حراستها على طول حدودها مع جارتها الشمالية الممتدة على طول 240 كلم في المنطقة العازلة بينهما منذ الحرب الكورية سنة .1953 

من منّا لا يتذكر التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش منتشيا بتمكن قوات بلاده من الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين وسقوط العاصمة بغداد وهو يردد أن أمريكا حاملة لواء الحرية جاءت لتلقن العراقيين الديمقراطية التي حرموا منها في عهد ''الديكتاتور''.   وأكد أن وحدات المارينز إنما جاءت إلى العراق من أجل النزهة على ضفاف نهري دجلة والفرات في تأكيد أن المهمة لن تطول مادام القضاء على نظام صدام حسين كان الهدف المرجو من اكبر عملية إنزال عسكري منذ الحرب العالمية الثانية.
وتتم العودة إلى تلك التصريحات وما تلاها من أحداث وقد غادر آخر جندي الأرض العراقية أمس بعد مرور تسع سنوات على عملية قيل حينها أنها ''جراحية'' ولكنها كانت في الواقع عملية احتلال مدمر أعادت هذا البلد وشعبه إلى نقطة الصفر.
والمأساة التي يعيشها الشعب العراقي أكبر دليل على هذه الحقيقة ولم يعد في العراق من يؤكد عكس ذلك بما فيهم أولئك الذين ابتهجوا ورحبوا بدبابات ''ابرهامس'' وهي تخترق سكون شوارع بغداد بل حتى أولئك الذين ركبوا تلك الدبابات من أجل ضمان خلافة الرئيس العراقي المعدوم.
ومن يقوم بعملية تشريح بسيطة لما آلت إليه الأوضاع في بلاد الرافدين يزداد قناعة أن أمريكا إنما جاءت لتدمير بلد كان يحمل كل مقومات نهضته ورأت فيه خطرا على حساباتها وخططها في كل منطقة الشرق الأوسط وقد تمكنت من ذلك في نهاية مهمتها أمس.
فالعراق الموحد بعرقياته وطوائفه لم يعد كذلك، فقد انفصل إقليم كردستان وأصبح أشبه بدولة داخل دولة وجاءت الطوائف الأخرى لتعلن عن نفس النزعة الاستقلالية في الانبار بالنسبة للسنة والبصرة بالنسبة للشيعة وأصبح الولاء للعشيرة والطائفة أكبر منه إلى الدولة المركزية.
وهي نتيجة طبيعية بعد أن انهارت مقومات الدولة وركيزتها الجيش النظامي وزالت مؤسساتها التشريعية وسادت الفوضى الجارفة في بلد فقد بوصلة توجهاته العامة في سياق الخطة الأمريكية التي أتقن بول بريمر اول حاكم أمريكي للعراق تطبيقها، وهو الذي تفنن في طريقة تفكيك الدولة العراقية بذريعة قطع  كل صلة مع النظام السابق وإحكام القبضة الأمريكية على كل شاردة وواردة في بلد يحمل في جنباته كل بوادر التفكك العقائدي والطائفي وحتى العرقي.
وقد كان لحل الجيش العراقي السابق ومطاردة كل من اشتمت فيه رائحة حزب البعث بالاغتيال أو التصفية أو الهجرة القسرية ''توابل'' اجتمعت لتكرس عملية التفكك التام وزرع الريبة بين أبناء الشعب الواحد في نفس الوقت الذي شجعت فيه المخابرات الأمريكية على ميلاد أول الخلايا ''الجهادية'' في المناطق السنية بهدف إيجاد المبررات الوهمية للإبقاء على عملية احتلال كانت تبدو في النهاية أنها ظرفية.
ومن ينظر إلى الواقع العراقي اليوم وبعد قرابة عقد من الاحتلال يتحسر على أيام الديكتاتورية الصدامية ليس لأنها كانت النموذج ورغم قمعيتها إلا أنها جنبت العراقيين رغم كل سلبياتها حالة الاقتتال وحيف العيش الذي يعيشونه في بلد يعد من أغنى بلدان العالم.
وحتى وإن تمكنت إدارة الرئيس جورج بوش من تحقيق أهدافها من خلال هذه الخطوات التدميرية، فإنها سقطت في النهاية في سوء تقديراتها لما أصبح يعرف في الخطاب الإعلامي الأمريكي بالمستنقع العراقي.
وبغض النظر عن عدد قتلى جنودها وتريليون دولار الذي أنفقته على جهد الاحتلال فإنها في النهاية فقدت صورة الدولة الديمقراطية وكرست بدلا عنها النزعة الدينية للمحافظين الجدد الذين رفعوا خيار القوة كوسيلة لضمان سيطرة أمريكا وتبنوا الأفكار الصهيونية في الدفاع عن معتقداتهم الدينية وجعلوا الإسلام والمسلمين عدوهم الذي يجب الإطاحة به مهما كلفهم الثمن.
ولولا ضغط عائلات الجنود الأمريكيين الذين زج بهم في حرب جائرة والذين تم تغليطهم بفكرة نشر أفكار الحرية الأمريكية والجثامين المسجاة بالراية الأمريكية التي كانت تصل سرا إلى القواعد الأمريكية في كل يوم لما غيرت هذه العائلات مواقفها وبعد أن تأكدت أن أبناءها إنما راحوا يدافعون عن سياسة أمريكية صاغتها أقلية يمينية تحمل أفكار دينية لا علاقة لها بديانتهم المسيحية بقدر ما هي تجسيد لأفكار منظري الصهيونية العالمية.
ولكن تفطنهم كان متأخرا وخروجهم إلى أمام البيت الأبيض والبنتاغون في مظاهرات متواصلة لم يكن إلا نتيجة حتمية لمعاناة تلك العائلات وجعلت الرئيس الأمريكي الجديد يتلقف هذا الشعور مدافعا عنه لإنقاذ أمريكا من ورطة أخلاقية ولكن بعد فوات الأوان.
والمفارقة أن العراقيين سيستفيقون اليوم وقد غادر الأمريكيون بلادهم ليجدوا أنفسهم في دوامة أزمة سياسية حادة هي في الواقع نتيجة حتمية لمخلفات احتلال أمريكي وبذور الفرقة التي زرعها وبدأت تطفو إلى السطح ولا احد بمقدوره التكهن بما تحمله من مفاجآت لن تكون بالضرورة سارة !



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)