تعتبر مئذنة جامع سيدي بومدين ثاني مئذنة مرينية بتلمسان، وقد أمر ببناء المسجد ومئذنته السلطان أبي الحسن المريني عام 739هـ/1338م كما تدل عليه الكتابة الأثرية التي توجد في إطار المدخل الرئيسي:
" الحمد لله وحده. أمر بتشييد هذا الجامع المبارك مولانا السلطان عبد الله علي ابن مولانا السلطان أبي سعيد عثمان ابن مولانا السلطان أبي يوسف يعقوب ابن عبد الحق أيده الله ونصره عام تسعة وثلاثين وسبعمائة..." 1.
إن مئذنة جامع سيدي بومدين عبارة عن برج قاعدته مربعة ترتفع أكثر من 27متر عن الأرض، بحيث يمكن رؤيتها من مسافات بعيدة وهي محاطة ببساتين ومنتزهات قرية العباد. كما أنها تعلو جميع الأجنحة، وهي في ذاتها امتداد للجناح الأيمن من المجمع، وتحتل الزاوية الشمالية الشرقية من المسجد. وهي كغيرها من المآذن تتكون من برجين متتابعين: البرج الرئيسي والجوسق.
البرج الرئيسي:
تقع قاعدة البرج المربعة في الزاوية الشمالية الشرقية من المسجد وتعتبر جزءا من مبنى المسجد، أما زخرفة البرج فتبدأ انطلاقا من ثلث ارتفاعه.
يبلغ ارتفاع البرج حوالي 23.70م بينما يساوي ضلع قاعدته 4.40م، وينقسم البرج إلى ثلاثة أجزاء بواسطة مدماكين (صفوف الحجارة أو الآجر في البناء) من الآجر الأحمر. ويتم لصعود إلى سطح البرج عن طريق سلم مغطى بقبو نصف دائري يدور حول نواة مركزية مملوءة يبلغ ضلعها 1.70م ويساوي تعداد درجاتها 86 درجة بمعدل 6 درجات في كل دورة 2. كما أنه يتم إنارة هذا البرج عن طريق نوافذ جانبية فتحت في جدران المئذنة.
تبدأ زخرفة البرج من نهاية الثلث الأول للارتفاع وتمثل شبكة المعينات العنصر البارز في زخرفة برج مسجد سيدي بومدين. وتتميز هذه الزخرفة في تنوع عدد العقود التي تتكئ عليها شبكة المعينات.
تحتل شبكات المعينات في واجهات البرج الأربع نصف ارتفاعها وأغلب مساحة عرضها ويصل عددها إلى 42 معينا في الواجهة الشمالية والجنوبية موزعين على 17 صف. ويتخذ الجزء العلوي من هذه المعينات على الواجهة الشمالية والشرقية هيئة عقد رخوي برأسين، بينما زخرف الجزء السفلي بزهرية. وتحت هذه الزخرفة يوجد إطار مربع نقشت عليه بخط كوفي الكتابة التالية: " بركة محمد "، وقد استعمل الفنانون بتلمسان في إنجاز هذا الرسم الآجر المرصع بقطع من الخزف المزجج الأخضر، علما أن هذا الأسلوب في الزخرفة قليل الوجود بالمغرب الإسلامي ويطلق عليه اسم "المربع الكوفي" 3.
ونفس الزخرفة نجدها في الواجهتين الشرقية والغربية حيث بلغ عدد المعينات 59 معينا موزعين على 17 صف، وكل المعينات لها نفس النهاية وهي عبارة على عقد رخوي برأس واحدة.
أما الإطار الذي يعلو شبكة المعينات فزخرفته تعتبر تحفة جمالية نادرة، وهي تتشكل من زهريات من فسيفساء الخزف، كل واحدة تحتوي على 24 فرعا تنخرط في مربع. وكل واجهة زخرفت بثلاث زهريات كاملة محاطة بنصف زهريتان تتواصل على الواجهات الأخرى 4. وتعد الزخرفة فوق السيراميك من خصائص الفن المعماري بالمغرب الإسلامي، استعملت بكثرة في الأندلس وعلى عهد الموحدين وبالمغرب في عصر ازدهار الدولة المرينية.
الجوسق:
يبلغ ارتفاع البرج الثانوي حوالي 5.40م ويصل طول ضلعه إلى 1.88م، وهو عبارة عن قاعة مربعة الشكل تستعمل للآذان يتم الدخول إليها بواسطة ارتقاء درجين وبابها ينفتح على السطح. وتتوج الجوسق قبة صغيرة يعلوها سفود يخترق ثلاث كريات مذهبة تعطي لمعانا كبيرا تحت الشمس. وكان سكان تلمسان يعتقدون أنها من الذهب الصافي، والحقيقة أنها من النحاس المذهب ويبلغ محيطها 1.50م. وتنتهي هذه الكريات بهلال 5.
تختلف زخرفة الجوسق عن برج المئذنة باختلاف طبيعة العقود التي تحمل شبكة المعينات، وباختلاف عدد المعينات وأطرافها. فأطراف شبكة المعينات تنتهي في الأعلى بعقد رخو برأس واحدة في الواجهة الشمالية والجنوبية من الجوسق، وتختتم في الجهة الغربية والشرقية بعقد رخو برأسين. وزين إطار الجوسق بفسيفساء من الخزف وأثث بإفريز من الزهريات ذات 12 رأساً، مما أكسى الجوسق رونقا وجمالا ومتعة للناظرين.
1 : Charles BROSSELARD : « Les inscriptions Arabes de Tlemcen », Revue Africaine, 1859, 2ème ed., Alger :OPU, 1984, p.403.
2 : Rachid BOUROUIBA: L’art religieux musulman en Algérie, 2ème ed., Alger: ANEP, 1981, p.272.
3 : Georges et William MARCAIS : Les Monuments Arabes de Tlemcen, Paris, 1903, p.263.
4 : نفس المرجع، ص.263.
5 : Charles BROSSELARD : نفس المرجع
تاريخ الإضافة : 26/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com