الجزائر

مؤسسات ''خارج القانون'' بسبب حكم الفرد الشغور في المناصب يطال هيئات دستورية



مؤسسات ''خارج القانون'' بسبب حكم الفرد                                    الشغور في المناصب يطال هيئات دستورية
لم يعد الحديث عن فتح العهدات الانتخابية أو تحديدها له معنى سياسي بعدما تحولت بعض المؤسسات الدستورية والرسمية، كما هو حال المجلس الدستوري والمجلس الأعلى للقضاء في حكم المتعدي على القانون، بسبب تجاوز عهدتها القانونية دون أن يتم التعيين فيها امتثالا واحتراما لنص الدستور. وتعكس مثل هذه الحالات، وهي عديدة، أن ثقافة البقاء في الكرسي إلى الأبد ما يزال أمامها باع طويل قبل أن تمسح من قاموس الحكم ولا يزال أمام البلاد عمل كبير جدا للوصول إلى تكريس التداول على السلطة وفرض الشفافية سواء عند تعيين المسؤولين أو في قول أسباب تنحيتهم أو إقالتهم من مناصبهم. الجزائر مطالبة بالانتقال من عهد حكم الفرد إلى مرحلة سيادة حكم المؤسسات وأي إصلاح خارج تحقيق هذه المعادلة يعد بمثابة كمن يريد الحرث في البحر.
رئيس المجلس الدستوري انتهت عهدته والمجلس الأعلى للقضاء لم تجدد عضوية أعضائه
الجزائر تعاني من مشكلة اسمها تعيين وتنحية المسؤولين
أكمل رئيس المجلس الدستوري عهدة ال 6 سنوات المحددة دستوريا دون أن يتم تعيين خليفة له على رأس هذه الهيئة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين، وانتهت عهدة نصف أعضاء المجلس الأعلى للقضاء دون أن تنظّم انتخابات في موعدها لاستخلافهم وانتهت مهلة العقد الاقتصادي والاجتماعي منذ سنتين دون أن تجدد رسميا. فهل مرد ذلك إلى الصعوبة في إيجاد شخصيات في مستوى المنصب؟ أم أن ثقافة الخلود في الكرسي أقوى من أن توقفها القوانين؟.
رغم أن الكثير من مؤسسات الدولة معلقة بحبل شبيه بخيط العنكبوت من حيث القوة والمتانة والمصداقية الشعبية وسط الجزائريين، إلا أنه مع ذلك يفعل العكس لمنع هشاشة صورتها لدى الرأي العام. ولعل ما يجري في هيئة المجلس الدستوري من انتهاء لعهدة رئيسه السيد بوعلام بسايح يوم 25 سبتمبر الفارط، بمعية عضوين آخرين، دون أن يتم تبديلهم، مثلما ينص عليه القانون. نقول ذلك لأن الأمر لا يمكن وضعه في خانة ''السهو''، لأن عهدة رئيس المجلس الدستوري محددة دستوريا ب 6 سنوات لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، وهو ما يطرح عدة علامات استفهام حول أسباب ترك مؤسسة هامة بحجم المجلس الدستوري ''شاغرة'' حتى وإن كان ذلك لمجرد يوم واحد، لأن رئيس المجلس الدستوري ليس شخصا عاديا، بل هو ثالث شخصية في الدولة وبإمكانه تسيير شؤون البلاد في حالة وقوع أي طارىء.
ومقارنة مع الرؤساء السابقين الذين عرفتهم الجزائر منذ الاستقلال، يبقى الرئيس بوتفليقة أكثرهم غرابة في طريقة تعيينه للمسؤولين، إذ أن الكثير من التعيينات والإقالات كانت تستند إلى أسباب غير مفهومة وأخرى تخضع للمزاجية.
وسبق لمجلس الأمة أن وجد نفسه في حالة شلل بسبب عدم توفر النصاب القانوني للتصويت على مشاريع القوانين جراء عدم تعيين الرئيس بوتفليقة لنواب جدد في الثلث الرئاسي، بحيث بقيت مناصبهم شاغرة لأشهر عديدة، ولم يلجأ الرئيس إلى إكمال العدد الكامل للغرفة الثانية للبرلمان إلا بعدما وجد عبد القادر بن صالح نفسه في إشكال قانوني ودستوري، وهو أمر يحمل في طياته وجود ''أزمة'' في الجزائر لمّا يتعلق الأمر بالتعيينات في المناصب العليا للدولة ونفس الشيء عند التنحية أو الإقالات للمسؤولين. وما يقال عن مجلس الأمة حدث أيضا في مجلس المحاسبة، حيث ظل هذا الأخير هو الآخر ينتظر تجديد عضوية المعينين من طرف رئيس الجمهورية بعد انتهاء عهدتهم لعدة أشهر، مما أثّر سلبا على سير مجلس المحاسبة.
ولم يقتصر واقع الحال على المؤسسات المنتخبة، لكنه امتد ليشمل أيضا التعيينات في المؤسسات الاقتصادية الكبرى، بحيث ظلت العديد منها بدون مدراء رسميين، على غرار سوناطراك، الخطوط الجوية الجزائرية وغيرها، تسيّر بمدراء بالنيابة لفترات تجاوزت في أحيان كثيرة السنتين. فهل تخضع هذه التعيينات هي الأخرى إلى ما يسمى عندنا ب''التوازنات'' وصراعات الأجنحة داخل أروقة الحكم إلى درجة اعتماد ''الشغور'' على التعيين في المناصب؟
أجندة الرئيس في واد ومطالب المعارضة في واد آخر
أحزاب تطالب بانتخابات مسبقة وسلطة بعيدة عن توقيت غرينتش
عندما '' تعجز'' السلطة عن تعيين مسؤولين على رأس مؤسسات دستورية رسمية انتهت عهدتهم القانونية، فماذا ينتظر أن ترد على مطالب الأحزاب الداعية إلى حل البرلمان وتغيير الحكومة وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية مسبقة؟.
هناك فرق شاسع بين السرعة التي تريد أن تسير عليها أحزاب المعارضة التي لم تجد أي حرج في المطالبة بإجراء انتخابات مسبقة لتجديد مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية التي لم تعد حسبها ''تواكب تطلعات المواطنين'' وبين خط سير السلطة التي ترفع شعار ''كل عطلة فيها خير'' ليس فقط في التعاطي مع مطالب أحزاب المعارضة، ولكن حتى مع المؤسسات التابعة لها، حيث هي مطالبة بفرض ''التغيير'' في مناصبها امتثالا للقانون. ويبدو أن السلطة ترى في هذا الأمر حالة صحية ودليل على استقرار المؤسسات، لذلك لا تجد أي حرج في ترك مسؤولين على رأس مؤسسات رسمية حتى بعدما انتهت عهدتهم القانونية عليها، كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الدستوري والمجلس الأعلى للقضاء، وهو ما يعني أن السهر على حسن سير المؤسسات وضرورة تطابقها مع قوانين الجمهورية ليس ضمن ''أجندة'' السلطات العمومية أولا يبدو كذلك.
يحدث هذا في الوقت الذي تسعى المعارضة إلى القفز على هذا الواقع والضغط على السلطة من أجل إجبارها على تنظيم مواعيد انتخابية مسبقة، على غرار مطالبتها بحل المجلس الشعبي الوطني وتغيير الحكومة وإجراء انتخابات مسبقة لتكريس الشرعية الشعبية أكثر على المؤسسات الدستورية، وهو ما يعني أن أحزاب المعارضة تعيش على توقيت زمنى لا علاقة له بالساعة التي تسير عليها السلطة البعيدة كليا عن توقيت غرينتش. هذا الفارق يعدّ لوحده مؤشرا على حجم الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد والتي تجعل من المبادرة بإصلاحات ''عميقة'' لإصلاح مختلف مؤسسات وهيئات الدولة الحالية ليس ضرورة فحسب، بل تعتبر قضية أمن وطني للحفاظ على استقرار البلد، خصوصا بعدما أصبح ما يعرف ب ''الحق في التدخل'' في سيادة الدول بحجة ''الحماية الإنسانية'' ليس مجرد إيديولوجية في سياسة الدول الكبرى ولكنه يمارس على أرض الواقع وآخره ما وقع في ليبيا.
على النقيض
المحامي مقران آيت العربي ل''الخبر''
''لماذا ينتهك الدستور دائما على أيدي المكلفين بحمايته؟''
ذكر المحامي مقران آيت العربي أن دولة القانون ''ليست مجرد خطاب سياسي لمناسبة أو لأخرى، ولكن دولة القانون تكمن في احترام الدستور من طرف أعلى السلطات قبل مطالبة الشعب باحترامه''.
طلبت ''الخبر'' من المحامي آيت العربي رأيا قانونيا وموقفا سياسيا، من عدم احترام المؤسسات من طرف مسؤولين في مناصب كبيرة، مثل انتهاء عهدة رئيس المجلس الدستوري وعدم تعويضه بشخص آخر، وانقضاء عهدة أعضاء من المجلس الأعلى للقضاء وعدم تجديدهم، فقال: ''لقد حدّد الدستور عهدة كل مؤسسة، وبالنسبة للأعضاء من غير الممكن إضافة يوم واحد بعد نهاية عهدتهم، فالمسألة في حالة المجلس الدستوري لا تخضع لتقدير رئيس الجمهورية، وإنما لقاعدة دستورية واضحة وصارمة''. وتساءل آيت العربي عن سبب عدم تعيين رئيس جديد للمجلس الدستوري، وعدم استخلاف بعض أعضاء مجلس الأمة المنتمين للثلث الرئاسي، رغم شغور هذه المناصب، ''إن ذلك يعتبر بكلمة صريحة انتهاكا للدستور .. ولكن لماذا ينتهك الدستور دائما ممن هم في أعلى هرم الدولة ومن طرف المكلفين بحمايته والسهر على تطبيقه؟ الجواب يكمن في عدم قيام المؤسسات بدورها''.
وأضاف آيت العربي الذي استقال في وقت سابق من مجلس الأمة ''الدستور عبارة عن قواعد وقد جعل من رئيس الجمهورية ضامنا له وكان من المفروض عليه أن يعيّن بديلا للسيد بوعلام بسايح بمجرد انتهاء عهدته، ولكن من جهة أخرى كان على رئيس المجلس الدستوري أن يعلن عن انتهاء عهدته، لأن الأمر هنا مطروح من زاوية أخلاقية وسياسية، من أجل السير الحسن للمؤسسات وضمان استمرارها. وكان بإمكان المجلس الدستوري أن يصدر بيانا بذلك''. وأوضح آيت العربي أن ما قاله عن المجلس الدستوري، ينطبق على المجلس الأعلى للقضاء. لأن القضية، حسبه، ''تتعلق باحترام الدستور وقوانين الجمهورية. وبما أننا وصلنا إلى هذه الحالة من خرق للدستور والقوانين، هل يمكن للمجلس الدستوري مثلا أن يتخذ قرارات بعد نهاية عهدة رئيسه؟ وما مدى شرعية هذه القرارات؟ وفي حالة حدوث شغور في منصب رئيس الجمهورية، من سيتخذ الإجراءات الدستورية في ظل انتهاء عهدة رئيس المجلس؟.. وبالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء، كيف يمكن إجراء الحركة الاعتيادية في سلك القضاة، وكيف تتخذ القرارات التأديبية وتأدية مهام المجلس بطريقة شرعية، بعد انتهاء ولاية بعض أعضائه وعدم استخلافهم؟''. ودعا آيت العربي المسؤولين في أعلى هرم السلطة، إلى ''احترام الدستور قبل مطالبة الشعب باحترامه ، لأنني ألاحظ كما يلاحظ الكثيرون أن انتهاك القانون الأعلى يأتي عادة من المسؤولين وليس من الشعب''.
عضو المكتب السياسي للأفالان قاسى عيسى
''البيداغوجية السياسية تفرض احترام القوانين وتنفيذ مضمونها في مؤسسات الدولة''
يعتقد المتحدث باسم حزب جبهة التحرير الوطني، أنه من الأجدر في منظور حزبه احترام القوانين على كل الأصعدة والمستويات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات الرسمية والحيوية للدولة، من أجل ترسيخ القانون وتكريس ثقافة احترامه. ويعلق عضو المكتب السياسي للأفالان المكلف بالإعلام والاتصال قاسي عيسى، على سؤال حول انتهاء عهدة رئيس المجلس الدستوري بوعلام بسايح وعدم تعيين خليفة له وكذا المجلس الأعلى للقضاء، انتهاء عهدة سبعة أعضاء بالمجلس الأعلى للقضاء، دون استخلافهم بقوله أن منطق البيداغوجية السياسية تقتضي احترام القوانين وأعمالها وتنفيذ مضمونها وعدم ترك الفرصة لمن يريدون التهويل أوإعطاء قراءات سياسية والبحث في خلفيات شغور مناصب سامية في الدولة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستويات عليا. مشيرا الى أن البقاء في السياق القانوني لمؤسسات الدولة يجنّب الوقوع في مزالق التهويل والضجة السياسية والإعلامية التي ترافق عادة هكذا قضايا. وقال قاسي عيسى ''من الواجب الحرص التام على تطبيق القانون في كل القضايا، بما فيها مسألة سير المؤسسات الرسمية، لأننا عندما نتجاوز القوانين نكون قد أفرغناها من محتواها''.
ويجد قاسي عيسى مبررات إجرائية لتعطل تعيين واستخلاف المسؤولين. ويعتقد أن ''هناك أحيانا ظروف وجوانب إجرائية تحول دون تنفيذ القانون في آجاله وتساهم في التعطيل، لكنها في الجزائر لم تصل الى مستوى تعطيل عمل وسير مؤسسات الدولة. ونحن نتفهّم هذه الظروف والمسائل التي لها علاقة بالإجراءات أكثر مما لها علاقة بالجوانب السياسية''. وأكد أنه ''بالنسبة لمؤسسات الدولة تسير بشكل طبيعي لم نصل إلى مرحلة تعطّل مؤسسات بما يؤثر على السير العام للدولة، وهذا لا يعني بتاتا أننا نشجع على تكريس عدم احترام القوانين، لأننا مقتنعون أنه من البيداغوجية السياسية احترام القوانين من أجل إعطائها قواتها في المجتمع''. مضيفا ''كما أننا مع عدم ترك الفراغ وعدم منح الفرصة للكثير من الأطراف التي تحاول استغلال مثل هذه الأوضاع''.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)