لن يستطيع أي عاقل أن يتصور أن ''الربيع العربي'' سيأتي على كل التسلط وعلى كل الفساد وعلى كل الاستعمار قديمه وجديده وعلى كل الهوان والعجز أمام الذات وأمام الغرب.
لهذا لماذا الاستغراب من أن يعمل الغرب بسرعة على تغيير استراتيجيته أو تغيير تكتيكاته في المنطقة؟ ما وجه الاستغراب في أن يقلق على مصالحه ويعمل على حمايتها واستدامتها. هذا تحصيل حاصل. الغريب هو الاستغراب والاعتقاد أن الركود والسكون هو الأفضل للحماية من تلك الاستراتيجية.
سبق أن كتبت أقول إن هناك أطرافا ثلاثة في المعادلة التي قامت في المنطقة الشعوب الأنظمة والغرب. وقد ظهرت الأنظمة لأول مرة، على الأقل إلى حين، أضعف طرف، وظهرت الشعوب والنخب أيضا، أضعف من الغرب في قيادة التغيير، بل ظهرت أحيانا وكأنها ليست في صراع معه وذلك ما غذاه الإعلام الغربي بالخصوص وشاركه بعض من الإعلام العربي. فقد لاحظنا تحكما صارما حتى في الشعارات التي ترفع. لم تذكر إسرائيل بسوء إلا نادرا، لم يذكر الاستعمار بسوء إلا نادرا. ولكن ذلك لا يمكن أن يقلل من أهمية اللحظة سياسيا وثقافيا. هذه مجرد معركة أولى هزت السواكن وقد تفتح الباب لثورات أخرى. إنها لا بد أن تؤسس للمعارك الحقيقية. هناك ما يشبه ملامح صورة تعمل على تعميم اليأس وكأن أصحابها يقولون النخب عاجزة أو مكبّلة أو الاثنين معا، والشعوب تم السطو على إرادتها من قبل الغرب وأنظمتها الفاسدة ثم من قبل الغرب ومتواطئين معه، والنتيجة منطقيا: الركود أفضل. لكن لنضع الأمور في نصابها. تقع الأمور في ثلاثة مستويات: الأول هو الرغبة والثاني هو الإرداة والثالث هو القدرة. قد لا تتحول الرغبة، رغبة الشعوب، بالضرورة لقدرة. فهناك أطراف كثيرة تتكالب على محاولة السطو أو التقليل من آثار هذه الرغبة وذلك بالحد من قدرتها.
لكن إذا لم تكن الشعوب قادرة على التغيير وقادرة على حماية حركتها فمن الذي يتولى هذه المهمة؟ ترشيد حركة الشعوب مهمة النخبة. اليوم ''الرهان'' هو على نخبة ''حركة إسلامية''، ولكن مؤشرات كثيرة تبعث على الاعتقاد أنها قد لا تتجاوز حالة نخب الحركات الوطنية أو القومية في الخمسينيات، فشعاراتها متشابهة. فهل ستكون قدرتها مساوية لرغبة الشعوب وإرادتها في التغيير؟ الكثير إما يتهم هذه النخبة، وهي في الغالب من حركة الإخوان، بأنها عقدت صفقة مع الغرب، في حين يراهن البعض الآخر أو يتمنى أو يخاف أن هذا التيار لن يتجاوز مستوى الشعارات، لأنه مثل النخبة التي سبقته، لا يملك دراية كافية وربما لا يملك القدرة المعرفية والسياسية التنظيمية ولا حتى التكتيكية على إدارة علاقة التدافع مع المصالح الغربية الطاغية في المنطقة، ولا في تجاوز الشعارات إلى بناء دولة المؤسسات. إن الغرق في البرهنة على أن ''انتفاضة'' الشعوب العربية مجرد رغبة غربية، يتحول لمجرد تثبيط للعزائم. وفي كل الأحوال ليس مسؤولية الشعوب أن تتكالب قوى متنوعة داخلية وخارجية للسطو على حلمها وإرادتها واستغلال غياب القدرة عند النخبة التي كان عليها ترشيد حركتها وقيادتها. في كل الأحوال دور النخب، في هذا الظرف، ليس تثبيط عزائم الشعوب، بل التنبيه لتلك المخاطر الفعلية ومصادرها، أي بقايا التسلط والفساد والتبعية. نعم لقد لاحظنا بوضوح كامل أن التعامل مثلا مع الثورة في اليمن لم يكن هو التعامل مع ''الثورة'' في سوريا. في اليمن عملت أطراف كثيرة على ''تحجيم الثورة'' العارمة وجعلها تنتهي إلى تغيير شكلي في رأس النظام. وفي سوريا حاولت وتحاول أطراف كثيرة ''تضخيم الثورة'' بل وتكريس كون المواجهة مواجهة بين ''الشعب'' والنظام، في حين يسعى النظام للإقناع أن أعداءه في الداخل وفي الخارج، غالبا الإخوان وتركيا والغرب، وراء الوضع. لكن ذلك ليس مسؤولية الشعوب ولا ينتقص من جدوى الديناميكية الجديدة، إذ يكيفها أنها غيرت قليلا من المعادلة وأدخلت، ولو بشكل قليل الفعالية، الشعوب في هذه المعادلة.
تلك وقائع وتلك معطيات وقراءتها فلماذا تصوير أن الركود كان وما زال أفضل؟!
[email protected]
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/01/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مصطفى هميسي
المصدر : www.elkhabar.com