الجزائر

لعبة الأمم القذرة بأرض عمر المختار



قبل أن تُوجَّه إليها أصابعُ الاتهام، سارعت فرنسا إلى نفي أيِّ مسؤولية عن عملية قصف مطار الوطية العسكري بليبيا، وضرب منظومات صاروخية اعتراضية تركية، في الوقت الذي كان وزير الدفاع التركي في "ضيافة" طرابلس، في حادث غامض استفز الأتراك، وقد يحمل أردوغان على تحريك جبهة القتال نحو سرت والجفرة، واختراق "الخطوط الحُمر" التي جازف السيسي برسمها.الجهة التي دبَّرت ونفَّذت العملية، لم تكن تبحث فقط عن إخراج منظومات الدفاع التركية عن الخدمة، ورسم خط أحمر آخر للأتراك، بل اجتهدت للدفع بهم إلى ردَّة فعل سريعة غير محسوبة، على محور سرت-الجفرة، تحقِّق للجهة المدبِّرة أكثر من هدف: قد يكون أبرزها توريط المصريين في الوحل الليبي، أو إخراجهم من اللعبة بلا رجعة.
حتى الآن، تقول المعلومات المسرَّبة إن الهجوم نفَّذته طائراتٌ مجهولة، فيما راجت أنباء عن وجود طائرات من نوع ميغ وسوخوي في الأجواء لحظة تنفيذ القصف، فيما أظهرت بياناتٌ كثيرة أن الضربة الدقيقة لمنظومة "هوك" التركية تحمل "توقيعا" صريحا لقصف، نُفذ في الحد الأدنى بطائرة "رافال-ب" فرنسية، مزودة بقنابل موجَّهة بالليزر، يُفترض أنها قادمة من قاعدة فرنسية بتشاد، تكون قد التحقت عند الضربة بقاعدةٍ جوية مصرية.
محاولة المصريين وجماعة حفتر التسويق لضربة نفذها طيران حفتر، لا تصمد أمام التحليل التقني للضربة، كما تستبعد أيضا الطرف المصري الذي لم تزوِّده فرنسا بهذا النوع من طائرات رفال-ب، وليس في المنطقة طرفٌ آخر يمتلك هذا السلاح سوى فرنسا، التي دخلت في تصعيدٍ خطير مع حليفتها في النيتو.
غير أنه قد يكون للفرنسيين حساباتٌ أبعد من تعطيل المنظومة الدفاعية التركية بهذه القاعدة، وقد فقدوا الثقة تماما في صنيعتهم حفتر، وفي أيِّ دور إماراتي في المستقبل، أمام الطموحات التي كشف عنها أردوغان في تحوُّل ليبيا إلى قاعدة ارتكاز لسياسةٍ توسُّعية بالحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، يضاف إليها فشلُ الفرنسيين في جرِّ الجزائر إلى المستنقع الليبي، وهم بحاجة إلى قوة على الأرض ليست متوفرة إلا من الجهة المصرية، دخلت في الحسابات بعد مغامرة السيسي برسم خطوط حُمر للأتراك.
الرد التركي جاء كما توقعته الجهة المدبِّرة للعملية، بإعلان نُسب لأردوغان توعَّد فيه الطرفَ المصري ب"شرب الشاي بقاعدة الجفرة"، بما سيضع السلطات المصرية أمام خيار صعب: بين التدخُّل المباشر الذي سوف يوحل قواتها في الرمال الليبية، أو الخروج من اللعبة وضياع كل ما أنفقته على حفتر، ليتحول الصراع إلى مواجهة تركية روسية، ترغم حلفاء فرنسا في النيتو على التدخل المباشر، تحت غطاء مواجهة النفوذ الروسي.
عملية التوريط الفرنسي للمصريين كانت واضحة، بتسليم المصريين صورا حية لعملية القصف، نشرها الإعلامُ المصري بغباء، وحاول إيهام الرأي العام بأن العملية هي من تنفيذ الطيران المصري، حتى وإن كانت الظروف لا تسمح سوى بإلحاق العملية بالطيران التابع لحفتر.
صمتُ الطرف الروسي مع ما يتوفر عليه من وسائل رصد دقيق بالأقمار الصناعية، يوحي بوجود صفقة سرية بين الفرنسيين والروس، لأن الهدف الذي تشتغل عليه فرنسا يتقاطع في بعض الخطوط مع طموحات الروس، ومع حاجتهم إلى حليف بحجم فرنسا، يساعد على تحجيم التوسُّع التركي في ليبيا، ويمنعها من استدعاء دعم النيتو فيما لو نشأت مواجهة واسعة على الأرض مع المصريين، وفي الحد الأدنى وجود رغبة روسية في توظيف الفرنسيين كطرف معطل، يساعد على الدفع بالأتراك إلى طاولة المفاوضات مع الروس، وفق خطوط التماس الحالية.
في آخر لقاء له مع قناة فرانس 24، أعرب الرئيس عبد المجيد تبون عن مخاوفه من "صوملة" وشيكة لليبيا، في تحليل يكون قد استشرف فيه مسارا يستنسخ المسار السوري، قبل أن يتحول إلى صوملة مستدامة، بدخول القبائل المسلحة على الخط، تتقاطع مع الميلشيات والمجموعات الإرهابية المستقطَبة من سورية، ومن الساحل.. خيارٌ قد تتعايش معه الأطراف الدولية المتدخلة، في حال امتناع حصول اتفاق روسي-تركي، وهو أخطر سيناريو على الإطلاق على أمن دول الجوار، وعلى أوروبا، لأن ليبيا باتت الآن الساحة الأولى في الصراع المتنامي على القارة الإفريقية من جهة، وعلى اقتسام ثروات النفط والغاز بحوضي البحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)