بعدما كان احتمال سقوط السلاح المهرب من ليبيا في يد الإرهابيين مجرد تخمين لدى بعض الدول، وبعدما ظل تحذير الجزائر من ذلك، حديثا لا يروق للبعض سماعه، خصوصا من فرنسا وبريطانيا المشاركتين في الحرب على ليبيا، خرج الأمير السابق لإمارة الصحراء للقاعدة، مختار بلمختار، ليعلن بأن عناصره حصلوا على ''كوطة'' من الأسلحة المنهوبة من مخازن العقيد وهي بين أيديهم، وهو إعلان وإن قلل من شأنه الخبير في قضايا الإرهاب محمد ظريف، فإنه يبقى تهديدا إضافيا يستدعي التعامل معه بجدية من طرف دول جوار ليبيا، المجبرة على دفع فاتورته من مواردها الخاصة، في وقت تنشغل أوروبا وفي مقدمتها فرنسا بأزمتها المالية، وهي التي أرسلت شحنات من سلاحها إلى ليبيا فقط لإسقاط القذافي، ولا يهم بعدها إن نهب أو دخل بورصة التهريب من طرف تجار وسماسرة السلاح في الساحل.
دول الميدان تبحث الوضع الأمني في الساحل مع واشنطن
النيجر تشتبك مع إرهابيين مدججين بالسلاح ومالي تواجه سلاح الفارين من ليبيا
حطت توصيات الندوة الدولية حول الأمن والتنمية، المنعقدة شهر سبتمبر بالجزائر، رحالها في واشنطن، في اللقاء الذي جمع مسؤولين في البيت الأبيض مكلفين بمحاربة الإرهاب مع دول الميدان لمنطقة الساحل، لبحث كيفية مواجهة التحديات الأمنية الجديدة التي تولدت عن انتشار السلاح في ليبيا. وتزامنت هذه اللقاءات بين دول الميدان التي تضم كلا من الجزائر، النيجر، مالي وموريتانيا مع مسؤولين في كتابة الدولة للخارجية الأمريكية، مع تسجيل منطقة الساحل لعدة عمليات أمنية على صلة بالوضع المتدهور في ليبيا، حيث أعلنت قيادة الجيش النيجري أن قواتها المسلحة اشتبكت الأحد الماضي في شمال البلاد مع قافلة مدججة بالسلاح، قادمة من بلد مجاور، خلفت حصيلتها قتيلا وأربعة جرحى في صفوف القوات النيجرية وأسرى في صفوف الإرهابيين. وذكر الجيش النيجري أنه رصد في مكان الاشتباك، خصوصا، أسلحة رشاشة وصواريخ من طراز أر بي جي وبنادق هجومية ومركبات، في إشارة إلى أن هذه الجماعة استفادت من حالة الانفلات الأمني ومن السلاح الليبي. وطلبت الحكومة النيجرية، أمس، رسميا مساعدة دولية لمحاربة الإرهاب.
بدورها تسعى السلطات المالية لمواجهة مئات التوارف العائدين من ليبيا، محملين بأسلحتهم التي رفضوا التخلي عنها، حيث استقر بعضهم في المعاقل التي كان يستغلها المتمرد ابراهيم باهنغا في شمال مالي، الذي قضى نحبه في حادث سيارة، حسب الرواية الرسمية، وذلك في انتظار معرفة ما سوف تفعله سلطات باماكو من مساعدات لفائدة العائدين من كتائب القذافي. وتحولت منطقة الساحل، في ظرف قياسي، إلى أكبر منطقة يتداول فيها السلاح المهرب من ليبيا والملاذ الآمن أمام عصابات التهريب التي وجدت في هذا الفضاء الصحراوي الشاسع الحاضن لصفقات البيع والشراء.
هذه الوضعية الهشة تكون وراء ما ذهب إليه عبدالقادر مساهل الذي صرح، عقب لقاء واشنطن بين دول الميدان ونظرائهم الأمريكيين، بأن الاجتماعات تمثل مرحلة نوعية في الشراكة بين بلدان الساحل والولايات المتحدة، مشيرا إلى أن لقاءات العمل التي عقدت كانت ثرية وموجهة لدراسة كيفية تلبية حاجيات بلدان المنطقة في مجال الأمن والتنمية. ونقل مساهل عن الأمريكيين، التزامهم بأن تتحمل بلدان الساحل مسؤولية الأمن والتنمية بنفسها، في إشارة إلى رفض التدخلات الخارجية أو تواجد قوات عسكرية أجنبية في المنطقة، لكونه سيؤجج الوضع أكثر.
وبالنظر إلى خطورة التحديات الأمنية المنجرة عن حرب ليبيا، جدد الجانب الأمريكي التأكيد على التزامه بتعهداته التي قطعها خلال مؤتمر الجزائر، والمتعلقة بتقديم الرعاية التقنية وتوفير الدعم اللوجستي لمراقبة مساحات شاسعة تفلت من سيطرة حكومات الساحل، وثانيا المساعدة على إقامة مشاريع اقتصادية لقطع الطريق أمام تجنيد شباب المنطقة لصالح التنظيمات الإرهابية، خصوصا مع وفرة السلاح الذي هرب من ليبيا باتجاه الساحل. ويبقى التعاون الدولي الذي تريده دول الميدان، يحتاج إلى دعم دول أخرى كانت بشكل أو بآخر سببا في المشكلة.
أرسلتها فرنسا لإسقاط النظام والقاعدة قطعت الشك باليقين
مخازن الأسلحة الليبية تسقط في أيدي الإرهابيين
مثلما لا أحد يعلم، بعد سقوط نظام القذافي، عدد أطنان الأسلحة التي كانت مخزنة في ليبيا، مثلما لا أحد يعلم حجم الأسلحة التي أرسلتها الدول لفائدة الثوار ، بعدما اعترف عراب الحرب برنار هنري ليفي، بأن باريس أدخلت أسلحة جوا وبحرا للمعارضة الليبية لإسقاط النظام. لكن الحقيقة الماثلة اليوم، أن ملايين قطع الأسلحة الخفيفة والثقيلة موجودة في الهواء ومعروضة سواء للبيع بأبخس الأثمان أو معدة ومجهزة لتهريبها خارج الحدود.
لم يعد أي معنى للتحذير من سقوط الأسلحة المهربة من ليبيا في أيدي التنظيمات الإرهابية، بعدما اعترف القائدة السابق لإمارة الصحراء في تنظيم القاعدة مختار بلمختار، بأن التنظيم قد حصل فعلا على جزء من السلاح الليبي، من خلال عناصر ليبية متعاطفة مع القاعدة. هذا الاعتراف، يؤكد صحة حدس السلطات الجزائرية التي حذرت من تداعيات الحرب الليبية على استقرار دول الجوار وبخاصة على منطقة الساحل التي تتمركز بها مختلف العصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية وتجار السلاح والمخدرات. كما يظهر هذا الاعتراف لبلمختار، صدق المعلومات التي تحدث عنها الرئيس التشادي والنيجري، من أن شحنات كبيرة من الأسلحة عبرت حدودهما باتجاه منطقة الساحل من طرف المهربين وتجار السلاح لفائدة عناصر القاعدة. ولم تعد هناك أي أهمية للدعوة التي وجهها مجلس الأمن، قبل أسبوع، للمجلس الانتقالي بالإسراع في مراقبة مخازن السلاح التي نهبت في مسراطة وغيرها من المدن، بعدما خرجت قوافل مهربي السلاح من حدود ليبيا وقبض مهربوها ثمنها وأدخلت تلك الأسلحة إلى مخازن القاعدة في الساحل. الأهم الآن، هو معرفة نوعية تلك الأسلحة التي سرقت حتى يتسنى إعداد العدة لمواجهة مستعمليها، خصوصا أن العديد من المصادر الإعلامية، على غرار صحيفة لوموند الفرنسية، سجلت نهب مخازن لصواريخ روسية تحمل على الكتف مضادة للطيران وقذائف هاون وأربيجي وغراد. من جانبهم سجل باحثو منظمة هيومن رايت ووتش قرب سيرت وجود 14 صندوقا كانت تحتوي على 28 صاروخا من نوع أس 24 روسية الصنع، قد نهبت من مخازن غير محروسة حتى بعد مقتل العقيد القذافي، وهي عينة فقط من المخازن التي تم اكتشافها. الأغرب من ذلك، أنه عندما سألت منظمة هيومن رايت ووتش مسؤولي منطقة جوفرا، عن سبب عدم حراسة مخزن خشوم الأخير للأسلحة، ردوا عليها بأنها تابعة لسلطات سيرت، ولما سئلت هذه الأخيرة لم يكن هناك أي أحد في الميدان. هذه الصورة عن اللامبالاة تعكس لوحدها كيف تركت أول دولة إفريقية، من حيث مخازن السلاح، عرضة لعصابات التهريب وتجار الأسلحة، وكأن الأمر يتعلق بمواد غذائية سريعة التلف وليس بأسلحة فتاكة، تفتح حروبا وتخلق أزمات لعدة سنين قادمة.
على النقيض
المحلل السياسي الموريتاني الحسين ولد مدو لـ الخبر
السلاح الليبي حوّل القاعدة من ميليشيات إلى تنظيم بأسلحة دول
يوضح المحلل السياسي ، الحسين ولد مدو، وهو كذلك نقيب الصحفيين الموريتانيين لـ الخبر ، أن انفتاح باب السلاح الليبي، حوّل القاعدة من مجرد ميليشيات إلى تنظيم يمتلك أسلحة دول.
هل يشكل اعتراف مختار بلمختار، القيادي البارز في إمارة الصحراء للقاعدة ، مسؤولية جديدة أمام أنظمة المنطقة وبخصوص مسألة السلاح الليبي؟
إشكالية السلاح في الساحل والصحراء، كانت دائما مطروحة بشدة، قبل تفجر الوضع في ليبيا، أما انفتاح مخزون السلاح الليبي فينتقل بنا إلى مرحلة نتجاوز فيها مفهوم القاعدة كميليشيات تقليدية إلى تنظيم يمتلك أسلحة دول، لذلك فالجديد هو تفاقم ظاهرة تهريب السلاح وتحول نوعيته إلى أسلحة متطورة، وهذا باعتراف خبراء أمريكيين ومسؤولين ليبيين أنفسهم يرجحون جميعا وصول أسلحة ثقيلة إلى منطقة مجهولة والأرجح هي القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي .
هل تتوقع تغييرا ما في أسلوب ونوعية هجمات التنظيم، بافتراض امتلاكه أسلحة غير تقليدية؟
البعد الحدثي والآني يفترض ذلك، لكن هذا يؤدي إلى مقاربة شاملة تتجاوز الحل العسكري وحده إلى ضرورة تجفيف منابع الإرهاب، أي أن التعاطي المحلي الضيق يجب أن يتوسع لمقاربات إقليمية شاملة وإحداث وابتكار أساليب لمحاربة الفكر المتطرف، حيث تدفع هذه التطورات إلى تشجيع التنسيق الجهوي لأن الأمر لم يعد يتعلق بحرب عصابات وإنما بعمليات استهداف حديثة، قد تتم من أماكن بعيدة ومعزولة ضد طائرات مدنية مثلا، فاعتراف بلعور بالاستفادة من السلاح الليبي، هو شرف داخل تنظيم القاعدة ولن يعمد التنظيم إلى نفي ذلك.
ما الذي قد يستجد في هيكلة القاعدة من جهة والتنسيق الأمني بين الدول من جهة أخرى، في سباق تنقل الأسلحة بسهولة؟
لقد بدأت الأجهزة الأمنية مثلا في موريتانيا في تحديث إجراءاتها مع هذه المستجدات، ومطار نواكشوط بدأ العمل بذلك عبر عمليات رقابة للطائرات. أما المستجد فيمكن ترتيبه كالآتي: أولا، عملية انتشار السلاح التي لم تكن أبدا هاجسا إقليميا بل محليا، سيدفع لتقارب الجهود لأن الأمر لم يعد يتعلق بأسلحة خفيفة وإنما بتنظيم مسلح كدولة. وثانيا، طبيعة المعالجة القطرية يجب أن تراجع إلى إقليمية وهذا الإحساس يبدو أنه لا يستنهض إلا بمستجد فوري. وثالثا، ظاهرة محاربة الإرهاب لن يكون حلها فقط أمنيا، بل بالمعالجة الشاملة السياسية والفكرية والتنموية وتجفيف المنابع.
حاوره: عاطف قدادرة
الباحث المغربي محمد ظريف لـ الخبر
الحديث عن وصول شحنات سلاح إلى القاعدة مبالغ فيه
هوّن محمد ظريف، الباحث المغربي المختص في الجماعات الجهادية، من تصريحات قيادي القاعدة مختار بلمختار، التي جاء فيها بأن التنظيم الإرهابي تمكن من شحنات من سلاح الأزمة الليبية. وقال إن القاعدة ما كانت تفوّت فرصة الاهتمام العالمي المركز على المنطقة، دون ضرب أهداف نوعية لو كانت فعلا عززت قدراتها بأسلحة جديدة. ويرفض محمد ظريف الانسياق وراء ما يسميه استعراضا تقوم به قيادات التنظيمات المسلحة بالساحل الصحراوي، منها ما تعلق بقصة السلاح الليبي الذي يكون وصل إلى معاقل القاعدة في مالي والنيجر، أو ربما موريتانيا أيضا. ويذكر، في اتصال مع الخبر ، بخصوص الجدل الذي يثيره السلاح الليبي شخصيا أرفض إعطاء الأمر أكثر مما يستحق، فلحد اليوم لا يوجد مؤشر على الأرض يثبت بأن القاعدة حصلت على أسلحة تستطيع بها تغيير موازين القوى بالمنطقة . وأفاد ظريف، بأنه على يقين بأن التنظيم المسلح لن يتردد في شن اعتداءات فوق تراب موريتانيا لو عزز قدراته بأسلحة جديدة، فهو يملك حسابا قديما مع نظام موريتانيا، ولن يتورّع عن تصفيته بمجرد أن تتوفر الفرصة. وفي كل الأحوال، ينبغي استحضار معطيين أساسيين في قضية الأسلحة، الأول حجم السلاح الذي دمرته طلعات الناتو الجوية التي استهدفت المخازن، والثاني أن نظام القذافي استنفد الكثير من السلاح خلال المواجهة التي دامت 8 أشهر مع معارضيه. إذن علينا طرح بجدية مصير السلاح الذي قال المسؤولون الليبيون إن 90 بالمائة منه دمّر .
ويرى ظريف أن القاعدة لديها من الأموال، بفضل الفدية، ما يتيح لها التزود من سوق الأسلحة، دون انتظار ما يمكن أن تجنيه من أزمة ليبيا، مشيرا إلى أن الحكومة الإسبانية، دفعت للخاطفين أموالا طائلة، نظير الإفراج عن رهائن العام الماضي. وأضاف: لا توجد معطيات يمكن أن نثق بها، تتحدث عن شحنات سلاح وصلت إلى التنظيم المسلح، وإلا لما فوتوا فرصة تركيز أنظار العالم نحو ليبيا، دون توجيه ضربة لهدف معين تحقيقا للدعاية . ويرفض محمد ظريف الربط بين ما ذكره المفكر اليهودي برنار هنري ليفي، بخصوص تزويد فرنسا الثوار بأسلحة على الأرض، وبين تداول السلاح عشوائيا فالكل يعلم بأن الطائرات الفرنسية ألقت أسلحة في طرابلس، ولكن ترسانة السلاح في البلاد كانت هي أهم ما تم استخدامه من الطرفين ضد بعضهما، وظهر جليا أن الجيش النظامي ليس احترافيا ولا الثوار كانوا محترفين . وتابع ظريف: لا يمكن أن ننفي بأن أسلحة خفيفة تمكن منها ما يسمى بالمرتزقة أو التوارف الذين عادوا إلى ديارهم بعد نهاية الحرب، ولكن المبالغة في تضخيم تنظيم القاعدة وقدراته العسكرية، أمر يكذبه الواقع. فالتنظيم يمر بمرحلة صعبة ويحاول قياديوه إبراز قوة واهية، فلا يمكن أن نتصور أن يقول بلمختار إنهم ضعفاء . الجزائر: حميد يس
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/11/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: ح. سليمان
المصدر : www.elkhabar.com