يقول أحدهم في رسالة تعليق: أي حرية تريدون أكثـر؟ أنت تنتقد الرئيس والسلطة في كل كتاباتك ولستَ في السجن؟ أقول: أن تسمع لوما أو انتقادا أو حتى احتجاجا على ما تكتب أمر عادي، وأن تسمع من يقول أو يقدر أن فلانا أو علانا، السلطة رئيسها أو بعضا من أطرافها وأنصارها، غير راضية، فهو أمر أكثـر من عادي.
لكن حرية ''لوم'' السلطة لا تعني شيئا، عندما تستمسك هذه السلطة على أدوات الدولة كلها، ثـروة وجهاز قمع، بل وتمنح نفسها حرية قبول من يدخل الساحة السياسية ومن لا يدخل، من يدخل الساحة الإعلامية ومن لا يدخل، متى ينبغي أن تنشط الأحزاب ومتى ينبغي أن تتوقف، ومن يكسب المليارات في لحظات ومن لا يكسب، من يصل إلى المجالس ومن لا ينبغي أن يصل؟ وإذا علمنا أن من يقوم بهذا هو حكومة مشكوك في تمثيلها الحر للجزائريين، وأنه يتم أحيانا كثيرة حتى خارج القانون والدستور الساري المفعول، فتلك هي الإشكالية. هل هذا أمر طبيعي؟ لا، إنه تصرف سلطوي، خاضع في الغالب لحسابات السلطة والمصالح. فعن أي حرية يمكن الحديث؟
لن أستند لتقارير دولية عن الفساد وعن الشفافية وعن حقوق الإنسان ومرتبة الجزائر فيها وكم تراجعت، بل أقول فقط إن السلطة بأغلب مكوّناتها تغضبنا، نعم، تغضب الكثير من الجزائريين، لأن أبناءهم لا يتلقون التعليم الذي كان ينبغي أن يتلقونه، وأن العمال لا يحصلون على الرواتب التي ينبغي أن يحصلوا عليها، وأن الجزائريين لم يحصلوا على عوامل الكرامة التي كان ينبغي أن يحصلوا عليها من قدرات بلدهم، وأن ثـروة الجزائريين لا تستثمر بشكل جيد، وإن استثمرت لا تحقق الفوائد التي كان ينبغي أن تحققها، وأن المؤسسات مجرد واجهات خاوية، وأن الكثير من الكفاءات مهمّشة ومغضوب عليها لأنها ترفض منطق الولاء التافه، وأن الدولة صارت تختصر في رئاسة مطلقة الصلاحيات ومجالس لا وظيفة فعلية لها، وفي بيروقراطية إدارية وأمنية مع كم متزايد من الفساد والإفساد.
أنا من الذين يرون هذا الغضب في الجزائريين، وأنا من هؤلاء الغاضبين. مع ذلك، صدقوني.. فساد الحكم ليس لأن هناك رئيس اسمه بوتفليقة. الحكم فاسد، لأنه يدار بهذه العقلية وبهذه الآليات الفاسدة والعاجزة. لأننا أمام ''دولة!!'' من غير مؤسسات، وأمام سلطة من غير أي رقيب، ولأننا أمام لهث علني شبق للاستحواذ على الثـروة بعد الاستحواذ على السلطة، ولا نرى لذلك كوابح سياسية أو قانونية. وما يزيد الطين بلة أن الحاكم والحكم يرى أن هذا الأسلوب في الحكم هو الوحيد الممكن، بل الأفضل!!.
لا نشعر أن هناك من يولي أهمية لغضب الجزائريين ولتوسع رقعة الفساد ويسارع إلى الإصلاح وإلى الاستنجاد بالناس، ذلك ينم عن عقلية سلطوية تعتبر أن السلطة على حق لأنها سلطة، وأن على كل الغاضبين أن ''يشربوا من البحر''، أو أن ينتحروا، أو عليهم الخنوع والسكوت، أو العيش على وهم طلب السلطة في ساحة مغلقة ومشفرة!!
هذا الوضع هو الكارثة التي تهدر عوامل قوة الدولة والبلاد، بل وتدمرها. الجزائريون في حاجة لسلطة أذكى، وحياة سياسية أرقى، وأحزاب أكثـر جدية، ومجالس أكثـر فعالية، ومجتمع مدني أكثـر حيوية.
إن هذه المجموعات المهيمنة على السلطة والمال لو كانت مُجيدة في إدارتها لشؤون البلاد، ولو كانت مُجيدة في توظيف الثـروة وفي انتزاع أكبر المنافع من قدرات البلاد الهائلة، ولو كانت توزع خيرات البلاد بعدل ووفق رؤية تنموية، لكان الأمر هيّنا ولاحتاج لمعارضة عادية، ولكن الأمر غير عادي، وهو في حاجة ليس فقط لصرخات إعلامية مبحوحة، ولكن لصحوة فاعلة.
حرية الجزائريين ليست مساحات كلام في جرائد فقط وليست هي حرية أن يكتب صحافي رأيه، بل هي حرية تنافس شبكات قراءة أخرى لشؤون الدولة والإصلاح المستمر، وهي في الرقابة على السلطة وفي تعزيز دولة القانون وقيام دولة المؤسسات. وهي في القدرة على حماية ثـروة الجزائريين من النهب ومن الهدر المتعدد الأشكال. هل هذا أمر مستحيل؟ وهل قول هذا يعدّ أمرا ينبغي الاعتداد به وجعله دليل حرية أو دليل ديمقراطية السلطة؟ طبعا لا.
mostafahemissi@hotmail.com
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/01/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : مصطفى هميسي
المصدر : www.elkhabar.com