هل هناك نقطة توازن ممكنة بين حرية المال وحرية الإنسان؟ ولماذا هذا التحرير الفاحش والعبثي للمال وهذا التقييد الخانق والعبثي للإنسان؟
نعم، من بين القضايا التي ينبغي أن تطرح علاقة السلطة بالمال، أو علاقة المال بالسلطة. فالشرعية ولو المعنوية ظلت، على الأقل حتى مطلع التسعينيات، تستند لثـورة التحرير ولمجموعة مبادئ عامة، أهمها العدالة الاجتماعية، وحتى نوعا من الشرعية البراغماتية التي تقوم على التوزيع وإرادة التوزيع.
اليوم، قد يصبح المال أداة من أدوات التمكن من السلطة، ورأينا بوادر ذلك في ما راج عن شراء المناصب في قوائم الانتخابات حتى لأحزاب السلطة، بل خاصة لأحزاب السلطة. مقابل هذا، هناك كلام كثـير في الشارع عن استخدام السلطة والنفوذ لممارسة التجارة وحتى تجاوز القانون وتكديس الثـروات وتحويلها للخارج. ولعل المخيف في كل هذا أن الركود الاقتصادي والأزمة المتواصلة، وربما المرغوبة، تجعل الأموال العمومية هي مصدر الثـراء الأهم وربما الوحيد.
كلنا نتذكر على الأقل حادثـتين: الأولى الكتابات التي كانت قد تناولت منذ سنين قليلة مضت الجنرال والوزير المستشار صاحب النفوذ الواسع أيامها محمد بتشين، وهي ربطت بين ما كانت تتهمه به، أي التعسف في استخدام السلطة، والثـراء وامتلاك مصالح مادية أو مشاريع اقتصادية وإعلامية وتجارية وغيرها. ثـم الثـانية، وهي قريبة وتتصل بإمبراطورية مالية قامت وتلاشت في ظرف زمني قياسي، وهي إمبراطورية الخليفة، وما اتهم به الرجل من تجاوزات ومن تلاعبات مالية منافية للقوانين السارية المفعول. وهو أيضا ما يقال عن إمبراطورية ربراب وما وصلته، حسب بعض التقديرات، من احتكار لمجموعة نشاطات وما صار لها من مخالب وقدرة ضغط. وسبق أن سمعنا رئيس وزراء سابق، وهو بلعيد عبد السلام، يتحدث عن هذا الضغط.
اليوم، قلة قليلة تسطو وتستحوذ على مليارات الدولارات المخصصة للاستيراد، في ظروف احتكارية واضحة تكفلها السلطة.
ينبغي القول إن اقتصاد السوق في حاجة لحرية المبادرة وحرية المقاولة، وهذه الحرية في حاجة لتراكم رأس المال، وتراكم رأس المال طبعا في حاجة للمال.. والمال، من أين ينبغي أن يأتي وكيف؟
إن التجارب التي جرت وتجري في البلدان التي عاشت أوضاعا متقاربة في الانتقال من امتلاك الدولة لوسائل الإنتاج وللرأسمال واحتكارها للتجارة الخارجية إلى اقتصاد السوق، تعرف المشكلات نفسها، حيث برز الأثـرياء والرأسماليون أحيانا كثـيرة من بين صفوف ''النوموكلاتورا'' الحاكمة أو من المقرّبين منهم، أو من الذين تمكنوا من ربط تحالفات مع مصالح أجنبية.
امتيازات السلطة وامتيازات المال كيف يمكن الوصول بها إلى مستوى مقبول من الشفافية، ومتى يجد الموضوع من يهتم به في الساحة السياسية؟
ماذا لو تساءلنا عن السبل التي تقود اليوم، أو لنقل التي قادت الخليفة أو ربراب أو غيرهما، لتحقيق ما حققه في هذه المدة الزمنية القصيرة؟
مهما كانت الإجابة، فإن المشكلة مطروحة على أكثـر من صعيد:
الصعيد الأول معنوي، فنحن نخرج تدريجيا من نظام جعل المال والثـراء رمزا للفساد ورمزا للانحراف عن قيم الثـورة وانفصالا عن الجماهير، حتى وإن ما زالت نظرة الناس للثـراء تقوم على الريبة ووصم الكثـير من الأثـرياء بأنهم جمعوا ثـروتهم من المال''الحرام''!! ونحن ندخل اقتصاد السوق عبر أبواب غير مفتوحة بشكل شفاف أمام الجميع، وفي وقت يزيد الفقر أمام أعيننا يوما بعد يوم، وتظهر ملامحه بشكل سافر ومثـير.
الصعيد الثـاني وهو الصعيد السياسي، إذ ليس هناك نقاش حول الموضوع والأحزاب القائمة والنقابة تصمت صمتا مريبا، ولا يمكن الحديث عن برلمان.
أما الصعيد الثـالث فهو قانوني، حيث نسجل أن التسهيلات التي تقدم لـ''المستثـمرين (؟!!)'' تزداد توسعا مع كل تعديل للقانون وما أكثـر التعديلات.
البعض كان يتمنى مثـلي تجسيد برنامج تقدمي قائم على العدالة الاجتماعية وعلى دور نشط للدولة، ولكن بوسيلة ديمقراطية، والبعض تمنى ديمقراطية، ولكن من غير ليبرالية فاسدة ومفسدة، وكل ما نلناه هو اقتصاد سوق ''احتكاري!!'' وإقطاع تجاري غبي ورديء نهم ومبذر، في غياب الحرية والديمقراطية.
في الخلاصة، ينبغي أن نقول: لا تقييد للسلطة من غير تقييد المال، ولا تقييد للمال والسلطة من غير حرية الإنسان.
نحن أمام وضع مخيف. وعندما أسمع الحديث عن غلاف مالي بـ286 مليار دولار للخماسية الحالية، أصاب بالهلع، وأقول ما يقوله الكثـير من الجزائريين: ''أدَاوْهُم''؟!!
mostafahemissi@hotmail.com
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/08/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : مصطفى هميسي
المصدر : www.elkhabar.com