في خريف أصفر وهزيل من العام ,1964 أيقظتني أمي باكرا، أدخلتني الحمام، وألبستني بدلة زرقاء جديدة، ثم وضعت فوقها طابلية زرقاء أيضا·· شربت القهوة بالحليب وأكلت السفنج المسكر، نظر إليّ أبي وهو يضحك، ثم قال ''اليوم ستدخل المدرسة·· وعندما تكبر تصبح طبيبا كبيرا···''
كنت صامتا، كان قلبي يخفق، رحت أتصور المدرسة وعالم المدرسة·· حملت المحفظة الصغيرة الزرقاء كالسماء·· كانت عامرة بالكراريس والأقلام الملونة وأدوات أخرى مدرسية·· عندما أشارت الساعة إلى السابعة نظر إليّ أبي مجددا، وقال ''هيا·· لنذهب··'' نظرت إلى أمي وأنا أغادر البيت كأني أغادره إلى الأبد·· تحجرت دمعة في عيني، كدت أصرخ وأعود هاربا إلى حضن أمي، لكن تماسكت خوفا من أبي·· وضعت جدتي رائحة عطرة في صدري وعنقي·· قالت لي عمتي زينب وهي ترمقني باسمة ''ستصبح عالما، إن شاء الله'' لم تعن لي كلمتها شيئا·· كان الشارع غاصا بالتلاميذ والناس الذين يركبون الدراجات الهوائية·· وعندما وصلنا، كان التلاميذ يصخبون، وأطفال جدد كانوا مع أمهاتهم وآبائهم·· رحت أنظر إلى المبنى·· كان شامخا، ضخما ومتجهما كأنه ثكنة عسكرية عتيقة·· عندما رن الجرس ارتعشت مفاصلي، لكنني ظللت صامتا وجامدا كالصخرة·· أدخلني والدي من الباب الصغير·· رمقه الحارس البحباح بغضب، وقال: لا بد أن يدخل من الباب الكبير··'' لكن والدي قال له، إنني جديد، وهو يريد أن يرى المدير··· لكن الحارس أصر أن ندخل من الباب الكبير·· قال له أبي، إن المدير صديقه، لكن الحارس البحباح ظل مصرا على موقفه·· لم يكن أبي وحده من أراد الدخول بي من الباب الصغير حيث يدخل منه المعلمون والإداريون··· آباء آخرون وأمهات أخريات، أيضا أردن أن يدخلن مع أبنائهن من الباب الصغير··· علت الضجة، وارتفع صوت الحارس البحباح·· وأيضا علت أصوات الآباء والنساء··· والأطفال الجدد بدأوا يبكون··· أغلق الحارس البحباح الباب الصغير وأقسم أن لا يفتح الباب حتى يدخلون من الباب الكبير··· ظل أبي يطرق بقوة على الباب الصغير·· الآباء والأمهات أيضا راحوا يطرقون بأيديهم على الباب الصغير·· أما الحارس فلقد ظل يصرخ من وراء الباب الصغير.. عاد أبي أدراجه وهو يشتم·· قادني نحو الباب الكبير·· كان لون الباب الكبير أخضر·· دخلت إلى ساحة المدرسة·· كانت الساحة شاسعة·· وكان الأطفال يصخبون ويركضون·· اجتاحني عطر غريب شعرت به يدخل مسامي، يسكن جسدي·· توجه والدي إلى مكتب المدير وتركني أمام باب مكتب المدير أنتظر·· كنت أنظر إلى البهو المؤدي إلى مكتب المدير·· صورة لرجل لا أعرفه كانت معلقة على الجدار·· كان الحارس البحباح لا زال واقفا وراء الباب يحمل عصا طويلة·· أنا خفت من الحارس·· خفت من العصا··· كان ينظر إليّ·· كنت أنظر إلى الصورة إلى الرجل الذي لا أعرفه··· فكرت في الهرب··· كان قلبي يخفق·· كانت عينا الحارس معلقة في السماء·· كانت الصورة تشبه الحارس البحباح المعلقة عيونه في السماء·· خرج والدي مع المدير وهو يضحك··· نظر إليّ المدير وهو يبتسم·· كان اسمه فندي·· كان يلبس بدلة خضراء ويحمل عنقه ربطة عنق حمراء وقميصا كاكيا، وحذاء أسود··· وكان يحمل أيضا في يده مسطرة صفراء طويلة·· نادى على أحد الحراس·· كان أشقر ومنقط الوجه·· وتحدث إليه بالفرنسية·· ابتسم إليّ الحارس·· وتحدث أيضا إلى أبي، ثم قادني خلف الساحة الشاسعة·· رنّ الجرس من جديد·· توجه الأطفال إلى أروقة مختلفة حيث الأقسام·· سألني الحارس عن اسمي، قلت له عن اسمي·· توقف أمام قسم وراح يتحدث إلى فتاة جميلة كانت ترتدي طابلية بيضاء·· كان تلوك العلكة وتضحك··· ثم أيضا تحدث إلى معلم طويل وضخم··· ثم نظر إليّ ذاك المعلم الطويل والضخم··· نظر إليّ ولم يبتسم·· وأنا خفت من نظرته·· لكنه لم يقترب مني، ولم يقل أي كلمة·· نظر إليّ فقط·· ثم راح ينظر إلى المعلمة، التي كانت تلوك العلكة·· اقترب مني الحارس، وقال لي ''هيا·· هيا'' وأنا تبعته·· لم أقل كلمة·· كنت أسير خلفه كالظل·· وصامتا كالظل·· اقتربنا من شجرة سفرجل·· لم أنظر إلى شجرة السفرجل، هو أيضا لم ينظر·· ثم توقف، وراح يتحدث إلى معلم طويل كذلك·· يلبس تريكو أحمر·· وشعره لم يكن أحمر·· كان أسودا وحالك السواد·· كان التلاميذ الجدد يقفون صفا طويلا أمام القسم رقم 1,· نظر إليّ المعلم وأشار أن أقف في آخر الصف·· وأنا وقفت في آخر الصف··· ثم أمرنا أن نرفع يدنا اليمنى على أكتاف من هم أمامنا، ثم أمرنا بخفضها·· ثم قال ''دخول··'' ونحن دخلنا··
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/05/2010
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أحميدة عياشي
المصدر : www.djazairnews.info