الجزائر

كان من يرتديها في السابق يُنعت بـ''البدوي'' القشابية لباس أصيل وموضة أهل الهمم والشخصيات



يتسلّح بها سكان فالمة لمواجهة البرد القارس  القشابية الفالمية رمز الثوّار إبّان الاحتلال الفرنسي      تعد القشابية بصفة عامة والفالمية بصفة خاصة واقيا جيدا من البرد القارس لاسيما صقيع الصباح، كما كان لها دور فعّال في تدعيم زي الثوّار إبّان الثورة التحريرية وحماية أجسادهم في الليالي الحالكات• رغم هذا ظل يعتبرها الكثير لباسا للقرويين والبدو وابتعدوا عن ارتدائها سنوات عديدة مضت، وراحوا يجرون وراء الألبسة المستوردة من الخارج والتي تحمل ثقافة وتقاليد الأوروبيين• وقلّ نسجها بالبوادي والأرياف وشارفت صناعتها على الانقراض ولم يعد بمقدور البدوي الحصول عليها أمام تواجد وتنامي البالات الواردة من الخارج• وتمثل القشابية وهي لباس تقليدي شهير في الجزائر مصنوع من الوبر والصوف، قيمة عالية في منظور عدد كبير من أبناء ولاية فالمة الذين يفضلون ارتداءه ويتفاخرون به، لجمالية وفعالية القشابية التي يتسلّح بها السكان المحليون لمقاومة البرد القارس، خصوصا في الهضاب العليا التي تنزل بها درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى ما دون الصفر•  القشابية•• أصيلة تواجه الموضة ويصمد هذا اللباس التقليدي أمام تغير العادات والألبسة بالمجتمع الجزائري، واحتفظت القشابية بمكانتها وسط مختلف الفئات الاجتماعية، فارضة نفسها كبديل لمختلف أنواع البذلات الشتوية المعروضة في السوق المحلية• ولا يقتصر ارتداء القشابية على فئة أو منطقة معينة، بحيث أصبحت تستهوي عددا متزايدا من الأشخاص، ولامست شعبيتها سكان المناطق الحضرية بعدما كانت تقتصر في الماضي على الأرياف حيث توارثتها المداشر والقرى جيلا عن جيل• ولا يجد الأعيان وكبار الموظفين وكذا مدراء مؤسسات لها وزنها، أي حرج في ارتداء القشابية بل يعتبرونها علامة خاصة ترمز لأصالة انتمائهم الاجتماعي وتميزهم عن بقية السكان الآخرين، خاصة عندما يتعلق الأمر بأحسن منتوج يباع في السوق• وهناك عدة أنواع من القشابيات أكثرها رواجا ذاك الصنف المصنوع من وبر الجمال والذي يتراوح سعره بين 40 ألف و60 ألف دينار، ويكثر عليه الطلب من طرف فئة خاصة من الزبائن تتمثل في رجال السياسة وأرباب العمل وكذا الوجهاء، وغالبا ما تقدم كهدية إلى عموم الشخصيات تقدير وعرفان• وإلى جانب الصنف المذكور، هناك أنواع أخرى ذات نوعية متوسطة مصنوعة من الصوف وتتراوح أسعارها بين 20 ألف و35 ألف دينار، وعلاوة على أنّ القشابية سمحت بالحفاظ على موروث من التراث القديم فإنّ هذا اللباس ساهم أيضا في حماية مهنة مهددة بالزوال ولا تزال تمثل مصدر استرزاق بالنسبة لعدد هام من العوائل• شارع أعنونة وباب السوق المكان المفضل لبيع القشابية ويروي بعض الشيوخ كيف كانت تعرض القشابيات في الساحات والأسواق خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، على غرار شارع أعنونة باب السوق حيث يعرض الباعة القادمون من مختلف مناطق الولاية التي كانت وقتها تمتد إلى الحدود التونسية، كل ما جادت به أنامل الحرائر اللواتي يصنعن من الصوف تشكيلات متنوعة من ذات نوعية وجودة• المنسج عنوان المرأة الحرة للغوص في هذا الموضوع أكثر التقت الفجر خالتي فاطمة وهي عجوز في السبعين من العمر، حدثنا عنها العديد من السكان أنها امرأة نسجت العديد من القشابيات في أيام عزّها• طلبنا منها أن تروي لنا حكاياتها مع النسج وعن الفرق بين نساء الأمس واليوم، فضحكت قليلا ثم قالت يا حسرة على حرائر زمان، كنا نتزوج صغيرات لكن كل صبع بحرفة، المرأة التي ما تعرفش تنسج خطّابها قلال • سألناها كيف، فقالت خالتي فاطمة كان الرجل زمان قبل الذهاب لخطبة امرأة يسأل عنها إذا كانت تتقن النسيج لأن المنسج هو تاج المرأة الحرة، أما في هذا الوقت تغير كل شيء فيه، حيث وجدت نساء اليوم كل شيء جاهز والحرفة اختفت لتحل مكانها الماكينات• من جهته، أكد لنا الحاج الطاهر، وهو شيخ قارب الثمانين من العمر، أنه تزوج من فتاة كان عمرها وقت ذاك 14 سنة، لكنها كانت بارعة في النسيج، حيث تنسج في العام سبع قشابيات حايك بالإضافة إلى الأعمال المنزلية الأخرى• المغزل والقرداش والخلالة لوازم النسيج رغم أن عدد أصحاب حرفة النسيج التقليدي انخفض، إلا أننا بعد جهد كبير استطعنا الوصول إلى منزل العجوز الزهرة المتواجد بأحد الأحياء الشعبية• طرقنا بابها وخرج لنا حفيدها سألناه إن كان باستطاعتنا التحدث قليلا مع الحاجة، فسألنا من نكون فعرّفناه بهويتنا• ناداها وما هي إلا لحظات حتى أطلت علينا عجوز• حاولنا الدخول لمشاهدتها كيف تنسج، لكنها أبت ذلك• فطلبنا منها أن تحدثنا عن النسيج والأدوات التي تستعمل في ذلك• قالت خالتي زهرة إن النسيج ليس بالأمر الهين ويمر على عدة مراحل قبل بدء النسيج، فالبداية تكون بغسل الصوف جيدا ثم تسوى بالقرداش وهو عبارة عن خشبتين بذراع بها أسنان حادة من المعدن، ثم بعدها نقوم بغزل الصوف لترسل بعدها إلى المصبغة لإعطائها اللون المطلوب • وما إن تحصّر الصوف تكون المرأة قد جهزت السداية وهي المنسج الذي تدوم مدة تركيبه أحيانا يومين، لتبدأ النسوة بعدها بالنسيج بواسطة الخلالة، وهي آلة حديدية بها عدة أسنان حادة لدكّ الصوف• وتستمر هذه العملية لغاية الانتهاء من نسج القشابية أو البرنوس ثم يأخذها الرجل إلى الخياط لخياطتها، عندها تكون جاهزة للباس• وعن المدة التي تستغرقها لنسج قشابية، أجابت العجوز الزهرة أن المدة تتغير من امرأة إلى أخرى لكنها في المعدل تتعدى عشرة أيام•      مرابط مسعود       


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)