زارها سيف الإسلام القذافي قبل 3 سنوات ورغب بالاستثمار فيها
وصفها سائح أجنبي زارها للمرة الثانية وهو يمتع بصره من جديد بجمالها وسحرها الطبيعي بالبلد العظيم، ولم يتوقف عن وصفها بكلمات جميلة إلا حينما لفت بصره أكوام من أتربة مواد البناء، مرمية من على منحدر نمت على جنباته فطريات طبيعية مغطاة بالغبار، وتكرر مشهد الأتربة وأكياس البلاستيك المنتشرة في كل زاوية، وقنينات زجاجية وبلاستيكية فارغة مرمية بين أشجار الأرز العملاقة، فاجأه المشهد وتحسر قائلا: ''ضاعت الشريعة''.
اتفق مؤرخو حظيرة الشريعة في البليدة على أن اسمها مشتق من الشريعة الإسلامية. ويروي عمي دحمان، أحد أبناء المنطقة، أن 14 ''دوّارا'' كانت تتواجد بتلالها، تلتقي في موسم كل ربيع من كل سنة وتقيم احتفالية أصبحت معروفة باحتفالية ''الحوض''. وكان كبار تلك الدواوير يجتمعون وينظرون في قضايا كل من لديه مشكل من السكان، ويفصلون بما يتفق والشريعة السمحاء، سواء تعلق الأمر بالميراث أو البيوع أو الخصومات أو ما خص شؤون الأسرة، من زواج أو طلاق. وكان الجميع يرضى بأحكام تلك الجماعة، ولا يشذ. ومنذ ذلك التاريخ، تعارف الجميع على حمل تلك التلال والمرتفعات الطبيعية والعذراء تسمية ''الشريعة''.
الشريعة أصبحت بيئة لزحف الإسمنت وانتشار الأوساخ، فمن يزور الحظيرة السياحية والطبيعية، هذه الأيام، يقف على مشاهد انتشار ملفت للانتباه لورشات ومواد البناء في كل ركن وزاوية، حتى يخيّل للزائر أنه بمنطقة عمرانية وليست محمية طبيعية. والغريب أن عددا من تلك الورشات تجاوزت الحدود وتوسعت في نفوق مساحات غابية، بإنجاز أرضيات إسمنتية قضت عليها تماما وحوّلتها إلى ما يشبه المنحوتات، في حين التزم البعض القليل بإنجاز ''شاليهات'' من الحطب تناسبت وطبيعة المنطقة وزادت في جماليتها، دون تعدّ على المساحات المغروسة. ووسط الأشجار العالية، تكدست أكوام من الأوساخ والقمامة وبقايا مواد البناء، دون اعتبار أو حسبان لطبيعة العنوان أو ثقافة السياحة.
لا راحة ولا ترفيه
حمّل مسيّر فندق الأرز مسؤولية الإهمال إلى كون العائلات والأفراد الذين يزورون الحظيرة يفتقدون إلى ثقافة سياحية، بدليل أن غالبيتهم يحضرون محمّلين بمتاع، وكأنهم يقصدون مناطق التخييم لأيام، بل إن بعض العائلات تجلب معها الطعام محضرا في قدور، أضاف المتحدث. ولم يخف جانب نقص المرافق الضرورية، مثل دورات المياه وحنفيات شرب الماء وفضاءات لعب الأطفال، وغلق مراكز التخييم وتحوّلها إلى أطلال، كعوامل أخرى ساعدت على غياب الثقافة السياحية، وأقر أن أيام الاستجمام والتنزه تقتصر على أيام نهاية الأسبوع أو زمن تساقط الثلج. ورغم ذلك، فالناس لا يقصدون الفنادق وإن كانت قليلة، موضحا بأن الكثير يخشى أسعار تلك العناوين، في حين أسعارها لا تكاد تختلف عن أسعار محلات الإطعام في أي مكان آخر، بل بالعكس أحيانا أسعارهم تقل بكثير عن بعض المطاعم وسط البليدة مثلا. ونبه بالمناسبة إلى ملاحظة، أن الكثير من الناس أصبح يقصد منبع القردة بالشفة والحمدانية في المدية ويتزاحمون على محلات الأكل بها رغم أسعارها، في حين يمتنعون عن الشريعة.
مقصد لرجال الأعمال والإهمال يلازمها
يفضل الكثير من المسؤولين ورجال الأعمال حينما يزورون الجزائر أن يقصدوا الشريعة، وخصصت السلطات الرسمية شاليهات خاصة من أجل استقبالهم، بما فيما شاليه الرئاسة. وإلى زمن قريب، كان يتواجد بالساحة المطلة على المتيجة مهبط خاص بالمروحيات، تحوّل مع الأيام وأصبح ساحة عمومية مهملة بدوره. والملفت أن الطريق الموصل إلى الحظيرة في بدايته كارثي، حفر في كل مكان ومناظر الأوساخ والتخلف ظاهرة. والطريف أن مسؤولينا، على سبيل المثال، اضطروا خلال زيارة سيف الإسلام القذافي قبل 3 سنوات، لوضع حواجز تغطي مشهد إحدى القمامات المأساوية المتواجدة على قارعة الطريق لصرف نظره عنها، كما اضطروا إلى تعبيد الطريق بشكل ظرفي. وفشل المسؤولون في إقناع الضيف الذي حمل معه ملايين الدولارات أن يستثمر بالمنطقة، وحول نظره إلى منطقة أخرى، رغم انبهاره وإعجابه بسحرها، والقصة أصبحت تتكرر مع كل ضيف.
أعطاب التليفيريك تنغص نزهة الزوّار
استبشر الجزائريون، وحتى الأجانب، بعودة الحياة إلى الشريعة بعد استتباب الأمن بها، وعاد الأمل مع إعادة إصلاح التليفيريك وتحديثه بالكامل، ورفع المسؤولون عنوان أن الوصول للشريعة لن يزيد عن 20 دقيقة. إلا أن الحلم تبخر والأمل ضاع، والسبب أن الزوار أصبحوا يتجنبون قصد محطة التليفيريك التي أصبحت تحمل شعارا يتكرر على مدار أيام السنة ''التليفيريك معطل''. والتاريخ القريب يذكر بحادثة مأساوية تعطل خلالها لمدة قاربت 5 ساعات، والناس معلقون بين الأرض والسماء وتحت جنح الظلام، بسبب عطل تقني نجم عن عطب في قطعة لم يزد حجمها عن حجم الهاتف النقال، اضطرت المؤسسة المسؤولة التوقف عن العمل وجلبها من فرنسا.
سيناريو الأعطاب، وأحيانا سوء الأحوال الجوية، خاصة الرياح، لأن التليفيريك حسب المختصين يخضع لعوامل الملاحة الجوية نفسها، ووضعية الطريق الكارثية عوامل قلصت من تعداد الزوّار سنة بعد سنة، وعزلت الشريعة التي اهتدى أهلها البسطاء وغير المثقفين سياحيا، زمن الاحتلال، إلى بناء حفر عملاقة ما تزال أطلالها شاهدة بمنطقة ''ليغلسيار'' وتخزين الثلج بها في الشتاء ومنع الحرارة من الوصول إليها، لاستغلال قطع الثلج أيام الصيف وبيعه للسياح الفرنسيين المحتلين.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/02/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : البليدة: ب. عبد الرحيم
المصدر : www.elkhabar.com