قبل سنة من وفاته، رحمة الله عليه، زُرت شيخ الروائيين الجزائريين، عميّ الطاهر وطار في متّكئه بالجاحظية، كان يُكابر على مرضه الذي لم ينقص من ذاكرته قيد حدث. لكنه في ذلك اللقاء المسائي كان متشبّثا بالحديث عن طفولته كما لم أسمعه من قبل. كان يتحدّث عن عيسى الجرموني وعن بقار حدّة، كما يتحدّث المُريد عن معلّمه..
تركت عمّي الطاهر يستحضر باسترسال عشقه الشاوي ولم أشأ أن أقاطعه لسببين.
السبب الأول استمتاعي بذلك التوهّج الذي كان في ملامح الشيخ وهو يتحدّث عن محبوبته حدّة، وهي صورة نادرة لمبدع يتحدّث بانبهار عن مبدع آخر.
والسبب الثاني أني لم أكن أعرف عن حدّة سوى اسمها وصورتها المهرّبة من الأرشيف..
كم خجلت من جهلي وأنا أجيب عمي الطاهر بهزّ الرأس حين سألني: "هل كتبتم يوما عن بقار حدّة ؟؟".
منذ ذلك اللقاء وصورة بقار حدّة ببنديرها مرتبطة في ذهني بصورة عمي الطاهر بقبعته المالطية.. كم كان عمي الطاهر وفيا لمن منحته في طفولته فرح الدهشة، وكم نحن مجحفون في حقّ كبارنا..
كان ذلك اللقاء مع عمي الطاهر، سببا في كتابتي لقصيدة "شاوية"، هذا مقطع منها:
للكَرْمةِ عَينٌ..،
تَرقُبُ أخبارَ السَّمراءْ
يَتَدلّى مِنها شَكلُ الرَّغبَةِ/
لَبنُ الحَلْمةِ/
ثمرٌ شاويُّ الأهْواءْ
يا (عيسَى) غنّ ..،
كي نتذكّر شَكلَ الأرضِ
وطَعمَ القمحِ
ولونَ الماءْ
غنّ يا (عيسى)،
كي "يَتَجَرْمَنَ" صوتُ الرّيح
وتُقلَبَ ذاكرةُ الأسماءْ..
غنّ.. كيْ تَسقُطَ
"عينُ" الكرْمةِ في"أوْراسْ"
مكانَ "الواوِ" وقبلَ "الرَّاءْ"
يا (حَدّهْ) أُختي..،
هذا الخوفُ الرَّابضُ في جَنَباتِ الوَقتْ
ثقيلٌ جدّا..
والكَتِفُ الباردُ أثقلُ مِن جَلَباتِ الصَمتْ
وأنا لا أملكُ يا(حَدّه)..
غيرَ الأحزانِ وبعضَ الصَوتْ
ماذا يتبقّى ها(خُّيْتِي)
لَو أخَذُوا الصَوتْ
يكتبه : رشدي رضوان
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/03/2012
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com