الجزائر

كاريـــــــــــــــــــــــculture سيّدة الأعراس ومجزرة القصبة



يُحكى أن مدينة بيضاء، كانت تزيّن تاج الساحل الجنوبي للبحر المتوسّط، كانت البهجة لا تفارق زنقاتها، وأغصان الياسمين تضلّل شبابيك بيوتها الضاربة في التاريخ، كانت أعمدة بيوتها المعجونة بالرخام وسقيفاتها المرصوصة بزلّّيج اختلفت ألوانه تسرّ الناظرين وكانت شرفاتها المرفوعة بخشب البلوط المتين، وأسطحها المتصالحة مع بياض النوارس، تجعل منها قبلة للعاشقين.. كانت تسمّى "عروس البهجة" وفي رواية أخرى كانت تسمّى "القصبة". ولأن الحال حال، أتى زمان على هذه المدينة البيضاء، اسود وجهها وانشقت زنقاتها وذبل ياسمينها وانهارت أعمدتها ونُهب زلّيجها وهوت شرفاتها على رؤوس العابرين.. وأمام هذه المهلكة، هدى الله أمير المملكة، ففتح بيت مال المواطنين، وأخرج منه ما تيسّر من ملايير، ومنحهم لسيّدة ذات باع في تنظيم الأعراس والزرد، وأمرها بإعادة زينة هذه المدينة العريقة.. ولأنّ سيدة الأعراس كانت منشغلة في تنشيط بعض الأعراس والزرد، نسيت أمر المدينة التي ملّ منها أهلها، وشرعوا في تهديم الباقيات الصالحات من جدرانها للتسريع في ترحيلهم إلى سكنات أخرى.. انتبهت مملكة اليونسكو لهذه المجزرة ضد المدينة المصنّفة ضمن التراث المادي العالمي، فأرسلت مبعوثيها لترميم المدينة وإنقاذها. غير أن مبعوثي مملكة اليونسكو طلبوا من سيدة الأعراس عدم التدخّل في شغلهم، وهو الأمر الذي جرح كبرياء سيدّة الأعراس، فقررت أن تسرق بعض الوقت من زحمة أعراسها لتثبت لمبعوثي مملكة اليونسكو أنها ليست مختصة فقط في الفولكلور وأنها تفهم أيضا في التراث.. استدعت سيدة الأعراس بعض أقاربها، وطرحت عليهم القضية وأفرغت أمامهم صرّة الملايير أيضا.. انتفض أحد أقربائها قائلا: "هذا ما كان.. ساهلة خلاص.. شويّ سيما بيضاء وهي فارية".. ولأن سيدة الأعراس لا تعرف من أمر الترميم سوى كيف تكسي "حلوة التشاراك" بالسكر الرطب.. وافقت بلا تردد على مقترح قريبها، خصوصا وأنّ ثمن أكياس الإسمنت الأبيض لن تنقص كثيرا من صرّة الملايير التي منحها لها أمير المملكة.. عادت سيّدة الأعراس إلى أعراسها مزهوّة بإنجازها الكبير، في الوقت الذي حمل فيه قريبها أكياس السيما البيضاء وبدأ مجزرة ترميم المدينة.. يكتبه : رشدي رضوان


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)