الجزائر

قمّة نوفمبر ..انتصار دبلوماسي ومكاسب غير مسبوقة



نجحت الجزائر في تعزيز رصيدها الدبلوماسي بالمزيد من الانتصارات بعد نجاحها في تنظيم القمة العربية بكل المقاييس، وما انبثق عنها من مخرجات توافقية نوعية، استحدثت إطارا جديدا للتعاون العربي المشترك تحت مظلة "لمّ الشمل"، وذلك في ظل حالة الترهل التي تعتري الواقع العربي منذ سنوات، ما حال دون التئام هذا الموعد الهام بسبب الوضعية الصحية التي عاشها العالم بفعل "كوفيد 19" وكذا الخلافات السياسية وحالات اللااستقرار التي تعيشها عديد الدول العربية. رغم محاولات التشويش والتكالب الذي سبق عقد القمّة العربية في محاولة لإفشالها، إلا أن الجزائر نجحت في تخطي كافة العقبات باحترافية عالية، بفضل حرص الرئيس تبون على ضرورة أن تتم الأمور بصورة جيدة، حيث أقر مندوب الجزائر في الأمم المتحدة السفير نذير العرباوي في هذا الصدد بأن "رئيس الجمهورية كان بحق قائد عمليات لإنجاح قمّة الجزائر".شعار لمّ الشمل يتجسد
لم يكن هدف الجزائر التي أدركت ثقل المهمة مجرد عقد قمة، بل أول ما كانت تتطلع إليه هو جمع الفرقاء العرب على طاولة واحدة تحت شعار "لمّ الشمل" وهو ما تجسد ميدانيا من خلال التمثيل العالي مستوى، بشهادة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط. يأتي ذلك في الوقت الذي أدركت فيه الجزائر مدى تشعب المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجتمع عربي زادته الخلافات البينية تعقيدا، ما كان يعطى انطباعا حول استحالة عقد أي قمة عربية في تلك الظروف. ويمكن القول إن نجاح الجزائر في عقد لقاء عربي يعد بحد ذاته انتصارا كبيرا، خاصة في ظل نوايا بعض القوى الأجنبية تهميش دور الجامعة العربية، وتقويض دورها الحيوي في معالجة القضايا الشائكة، خاصة في ظل موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني التي طالت عدد من الدول العربية، ما ساهم في تهميش القضية المركزية ألا وهي القضية الفلسطينية.
وعليه راهنت الجزائر على عقد هذه القمّة في تاريخ الفاتح من نوفمبر، تاريخ اندلاع الثورة التحريرية، حتى يكون ذلك بمثابة حافز إضافي يذكر القادة العرب بالمخزون النضالي الهائل للشعوب العربية، وبقدرة الأمة العربية على مواجهة أعتى التحديات حين تتسلح بالعزيمة وبإرادة المقاومة. كما أن احتضانها لهذا الموعد الهام، يعكس التاريخ النضالي الطويل للجزائر، ما يجعلها من أكثر الدول العربية تأهيلا وقدرة على لمّ الشمل العربي في المرحلة الصعبة التي يمر بها النظام العربي حاليا، خصوصا وأنها تعد من بين الدول العربية القليلة التي مازالت تتمسك بالثوابت العربية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ولاشك أن أهمية عقد هذا اللقاء العربي الهام، أنه يأتي في الوقت الذي يتهيأ فيه النظام الدولي للدخول في مرحلة جديدة يرجح أن تسفر عن تغيير كبير في بنيته وعن إعادة تشكيل منظومة القيم السائدة فيه، ما يفرض على العالم العربي بذل الكثير من الجهود لمواجهة هذه التحديات، خصوصا وأنها أول قمة تعقد بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ما يتيح للبلدان العربية فرصة لم الشمل من خلال الاستفادة من دروس الماضي والعمل على فتح صفحة جديدة للعمل العربي المشترك.
القضية الفلسطينية تتصدر أولويات العمل العربي المشترك
في ظل هذه التحديات المتشعبة، عملت الجزائر على قدم وساق لإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة أولويات العمل العربي المشترك، من خلال تحقيق مصالحة شاملة بين الفصائل الفلسطينية قبل انعقاد القمة، حيث نجحت بقدر كبير في تحقيق اجماع بخصوص دعم القضية المركزية، بل أكثر من ذلك دعا الرئيس تبون في افتتاح القمة على مستوى القادة إلى "تشكيل لجنة اتصال وتنسيق عربية لحشد الدعم من أجل تقديم طلب للأمم المتحدة لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة بالمنظمة". واستكمالا لهذه الجهود في إيجاد حل دائم لهذه القضية، جدد رئيس الجمهورية الالتزام الجماعي بمبادرة السلام العربية بكافة عناصرها، باعتبارها المرجعية المتوافق عليها عربيا والركيزة الأساسية لإعادة بعث مسار السلام في الشرق الأوسط.
كما نجحت الجزائر في إعادة إلى واجهة الأحداث الأزمات السياسية التي تعاني منها بعض الدول على غرار ليبيا، لبنان، سوريا، اليمن، السودان والصومال، من خلال العمل على توحيد المواقف العربية ازاءها، وهو ما عكسته مداخلات الرؤساء التي عكست وعيا بحجم التحديات التي تواجه المنطقة العربية في المرحلة الراهنة. فبالإضافة إلى اقتراح الرئيس تبون عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر في طلب منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وتشكيل لجنة اتصال منبثقة عن القمة العربية لمتابعة هذا الموضوع، فقد حرص أيضا على ضرورة الدفع إلى إقامة تكتل اقتصادي عربي قادر على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية التي تطرحها التحولات التي يمر بها النظام الدولي الراهن، ما من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في العمل العربي المشترك تساعد على تمكين الشعوب العربية من تحقيق أهدافها في الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية وتخليصها من التبعية.
"إعلان الجزائر" خارطة طريق واقعية
ويرى متتبعون أن "إعلان الجزائر" الذي تمخضت عنه القمة يعد بمثابة خارطة طريق جديدة من شأنها إرساء تصوّرات جديدة في التعاطي مع مجموعة من القرارات وإضفاء الفعالية عليها، فبالإضافة الى كونه يتضمن 20 بندا أساسيا و4 بنود ملحقة تصدرتها تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية والأمن العربي وكذا الأوضاع في 6 دول عربية تعاني من أزمات سياسية واقتصادية، فضلا عن قضاياتهم علاقة المجموعة العربية بمحيطها الخارجي والإقليمي، فقد أدرج أيضا بند يخص إصلاح الجامعة العربية. ويمكن القول إنه على ضوء هذه المخرجات، فإن القمة حققت نتائج مبهرة لصالح القضايا العربية، حيث تم لأول مرة التوافق على كافة القرارات خلال اجتماع مجلس وزراء خارجية العرب دون إحالتها على جلسة القادة، كما أنها أرست ركائز جديدة للعمل العربي المشترك خصوصا فيما يتعلق بإرساء استراتيجية الأمن الغذائي الذي يعد من أبرز تحديات المنطقة في الظرف الراهن.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)