الجزائر

قضايا معزولة سلطة منعزلة هذا الأسبوع



قضايا معزولة سلطة منعزلة هذا الأسبوع
لا أقول إنها مهزلة يعيشها الوطن، بل مشاركة في جريمة عدم ردع جرائم الاختطاف بما يليق من عقوبة.
عندما يتوقف وزير الداخلية دحو ولد قابلية أمام إحصاءات البلاغات الكاذبة عن حالات الاختطاف، فهو يعترف بجهله للموضوع، أو في أحسن الأحوال، يتهرب من مواجهة الموضوع باللجوء إلى لعبة الأرقام والإحصاءات. و نلاحظ جيدا، أنه يركز على البلاغات الكاذبة..
والحديث عن حالات ''معزولة'' للتحكم في غضب الرأي العام مقبولة إلى حد ما في بدايات ظاهرة أو حالة، لكن التمادي في استخدام هذا الوصف، هو وجه آخر من وجوه العجز في التعاطي مع المشكلة. وأتساءل كيف لنائب عام مكلف بالسهر على تطبيق القانون، ينجر إلى سياقات تدفعه إلى استخدام وصف الفعل المعزول. فحالات الاختطاف بما هي عليه عدديا، تشكل قضية رأي عام.. ومن العار الحديث عنها وفق بيانات إحصائية، لأن ما هو مطلوب من السلطة، هو نص قانوني يجعل القاتل يفكر أكثر من مرة قبل تكرار اختطاف ثم قتل قاصرين من المدينة الجديدة علي منجلي..
في ديسمبر الماضي، تعرضت فتاة في الهند إلى اغتصاب ثم القتل، فانتفضت أمة المليار ومئتي مليون نسمة، لتطالب الحكومة بتطبيق عقوبة ''الموت لمن يقترف مثل هذه الجرائم''. ولم ترتفع أصوات لتقول ماذا تمثله تلك الفتاة الضحية أمام حجم تعداد سكان البلد أو أمام صور الموت المتعددة.
فمثل هذه الحالات، لا يكون التعاطي معها بمنطق إحصائي ولا بمقاربة عددية، فاختطاف قاصر واحد، كأنه اختطاف لجميع القاصرين واغتصاب فتاة كأنه اغتصاب لجميع الفتيات،
فالأمر يتطلب حزما سياسيا تتم ترجمته في قانون يلزم القاضي بتنفيذه.
نحن نستنكر من أعماق قلوبنا ما يجري، ثم نختبئ مع أولادنا، كما يختبئ الدجاج بفراخه. ومن حيث لا ندري، نشجع هذه الوحوش على الاستمرار في الاختطاف والاستمرار في الاغتصاب.
ففي كل مرة يتم فيها اغتصاب فتاة، تفقد فيها الضحية نكهة الحياة ولا يبقى ما يربطها بالحياة، سوى جسدها الذي تم انتهاكه.
وفي كل مرة يتم تسجيل اغتصاب، تتهدم حياة عائلات.
لقد تجاوبت سلطات بلد المليار ومئتي مليون نسمة، مع التفاعل الشعبي المطالب بردع حقيقي فعال. ويتم، الآن، تمرير مشروع القانون الذي سيطبّق بحلول جوان المقبل. ولم تقل سلطات الهند إننا أكثر من مليار نسمة ولم تقل بأن إحصاءات الاختطاف والاغتصاب ثم القتل ضعيفة جدا، مقارنة بعدد السكان ولم تقل إنها حالات معزولة.. بل تعاملت مع القضية بما يليق. فضحية واحدة هي بمليار نسمة وهي بألف لغة ولهجة وهي بمئات الأديان المنتشرة في الهند، فكانت رسالة الحكومة ''أن ضحية واحدة تمثل الهند بسكانها ولغاتها وأديانها''.
في الجزائر، وصل العبث في التعامل مع قضايا الرأي العام إلى حدود مأساوية وأصبح القانون تحت أقدام المسؤول يكيْفه كيفما شاء. فمن أيام ''قرر'' زرفين، مدير سوناطراك، أن ملف فضائح الشركة هو فعل معزول، وقبله قال وزير الأشغال العمومية، عمار غول، إن ملف التحقيق في الطريق شرق غرب بالنسبة إليه هو ملف مغلق، فهذا العالم ''الغريب'' من المسيرين والمسؤولين يتعاطى مع نفسه في قضايا يفترض أنها تتجاوزهم.
فمن يعطي لهؤلاء كل هذه القوة الخارقة المتجاوزة للقانون؟
دون شك، ما يجعل هؤلاء فوق القانون، هو ذلك الشعور بعدم وجود رقيب ولا محاسب. فالمسؤول يعمّر في منصبه، بغض النظر عن رأي المواطن ودون حساب لانتقام قد يأتي من التصويت الانتخابي، لأننا لا نمارس بعد ذلك النوع من الانتخابات. وأشاهد العجز في صوره القصوى، عندما أقرأ ما قاله الرئيس بوتفليقة بمناسبة عيد المرأة عن وجود ''.. النقائص والاختلالات الخطيرة التي تميز اقتصادنا الوطني والمؤسساتي''، فالرئيس يشتكي كما يشتكي العامة. وربما لم ينتبه أنه يكرر نفس الخطاب منذ توليه الحكم؟
والحالة التي تمر بها منظومة الحكم، من علاقات فيما بينها ومن حسابات مرتبطة بالرئاسيات المقبلة وأيضا من ضعف الأداء في التكفل بظاهرة الفساد، هي أجزاء الصورة التي تفسر لماذا يتسابق وزراء ومسؤولون ليرفعوا''خطر تقسيم الجزائر'' القادم من الجنوب، بمناسبة ''مسيرة ورفلة''، فالأمر غريب عندما نجد المنظمين يدافعون عن وحدة التراب والمسؤولين يحذرون من التقسيم، بما يؤدي غرض الترويج لفكرة قد تكون بعيدة اليوم، لكنها غير مستحيلة الحدوث في المستقبل.
فالسلطة مطالبة بالنتيجة في الميدان وليس ''اللعب'' بالأرقام والإحصاءات أو التباهي بحجم المبالغ المصروفة على مشاريع تتمدد آجالها وأغلفتها المالية أو على صناديق لا تشبع ولا تمتلئ بطونها..
والمؤكد، أنها لا تعي ''عزلتها هي'' عن قضايا الرأي العام.
إن خطر التقسيم ليس مصدره غضب البطالين، فلهم شرف المطالبة بعمل والمساهمة في بناء الوطن. إن مصدر الخطر سيكون سوء التسيير الذي يفتح أبواب الفتنة من أجل اقتسام خيرات ''الرجل المريض''، بإقامة دويلات حسب توزيع الخيرات الطبيعية.. دويلة للنفط والغاز وثانية للماء وثالثة للفوسفات.. وسنكون ''الخماسة الجدد'' في تلك الفضاءات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)