هكذا كان بنظراته الحادة الثابتة بشاربه الممتد الكثيف، عصاه ظلت تمثل شبرا من ماضيه بل من شوارع بلدته الترابية و أرصفتهاالحجرية، كل ما كان فيه يوحي بالغطرسة رغم الانكسارات التي يتعمد اخفاءها، هكذا كان دائما منذ عبوره البحر من بلدته التترابية ذات الأرصفة الحجرية إلى هنا في هذه البلدة الحالمة التي تصرخ بأنها شمالية استغرق في التطرف لكل ما هو عروبي وظن دائما أن الذي حدث في ماضيه لم يكن خيانة بل شهامة و إقدام ،هذا التشبث بفسيفساء العروبة جعله يثبت على باب شقته قطعة معدنية يطرق بها على الباب معلنا عودته .هكذا كان دائما رغم انفلات ابنه من بين يديه إلى هناك ، إلى سلبيات حضارة الغرب و تعففه عن ايجابياتها، كلما عاد إلى بيته، وجد نفسه مع ماضيه و الذي كان مائلا في برنوسه المعلق دائما على جدار غرفة الضيوف، لم يكن يرتديه إلا في بعض المناسبات الدينية، ولعل ما نجح في تكريسه على مستوى بيته ، بل ابنته، فلم يبق من تلك الأسرة إلا هي ..فأمها و التي كان الحاج يناديها بالمغفلة دائما قد رحلت في أيامها الأولى بعد العبور و كأنها تمردت عن الواقع و الطبيعة، لأنها اعتقدت أنها خلقت للجنوب، استطاع أن يكرس مبدأ الرجولة المترجمة في إشرافه على تحضير الشاي، وقد كان منذ طفولته في بلدته الترابية ذات الأرصفة الحجرية، يرى و يسمع عن تباهي الرجال و خاصة الشيوخ و الفرسان، بصناعة الشاي و تحريم ذلك على الحريم . ولم يكن يعلم بهذا الذي استطاع أن يصب الحاج فيه رجولته أحد سوى ابنته جازية، فهي الوحيدة التي كانت تمنح أباها مساحة لاستعراض بعض أوهامه عن الرجولة و العربان و الفروسية والشجعان، كانت عكس أخيها الذي ما كان يعنيه التفكير في ماضيه، بل ماضي أبيه وعاش البلدة الشمالية بمفاتنها و غرائزه ، و أما جازية التي تحملت ماضي أبيها و التي كانت تحاول دائما أن تعوّد سمعها على تحمل كلمات كالخيانة و الحركي، فهي تدرك دائما أن عليها في يوم ما أن تواجه هذه الحقيقة إلا أنها تشبثت بدراستها وتفوقت حتى نالت الإجازة في الطب ولازالت في بيت أبيها، بلباسها الفضفاض و تعاطيها للحنة بين الفينة والأخرى ، لكن على مستوى القدمين فقط . في هذا اليوم ، كانت تجلس جازية قبالة الحاج أبيها المتشبث دائما بعصاه و نظراته الحادة و شاربه الممتد الكثيف، جلست وهي تطرق برأسها و تحاول أن تجد المدخل لحديثها، فتعرفها على محمد قد جعلها تكتشف أنها كانت شطرا وكان لابد من الشطر الثاني ...ورغم تباهيه بماضيه و ثورة أمته و استشهاد أبيه الذي كان يذكر جازية بأبيها و أوجاعه الخفية، وهو الذي كان دائما يروي لها حكايات البلة الترابية ذات الأرصفة الحجرية، وكيف أنه حمل السباح وقاد فرقة " القومية " بتكليف من القبطان، وكان دائما يفرك يديه حينما يتذكر أخته التي اختفت في بداية الحرب ويؤكد أن الفلاقة هم الذين اختطفوها ، وكانت أخته جازية تمثل شرفه و شرف أسرته، فلم يتردد في حمل السلاح ضد الذين ثاروا على فرنسا، خاصة بعد استقبال القبطان له ومواساته له فيما حدث لأخته. وتعد فرنسا بملاحقة المجرمين ودعم أسرة جازية إذا اختارت الدفاع عن شرفها ...يتبع
تاريخ الإضافة : 23/05/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : بوشيخي الشيخ
المصدر : www.eldjoumhouria.dz