مفجرو أقدم دبابة فرنسية يروون تفاصيل العملية التي نفذت في 1961الدبابة شاركت في الحرب العالمية الثانية و لها هيكل مصغر بساحة "رين" بفرنسا لم يكن اختيارنا لقرية "بوكانون" الواقعة في أقصى الشمال الغربي لولاية تلمسان اعتباطيا ، بل كان مقصودا باعتبارها منطقة شاهدة على أحداث الثورة التحريرية ضد الاستعمار الغاشم ، و لا تزال هذه البقعة الحدودية تحتفظ بأسرار تاريخية مهدت لاندلاع حرب التحرير الكبرى ، بل كانت جبهة من جبهات القتال التي ارتوت بدماء الشهداء . ولعل بقايا مخلفات الحرب التي تركتها جيوش فرنسا على الشريط الحدودي خير برهان على بطولات رجال ونساء تركوا بصمات بارزة في تاريخ وطننا.هيكل يحكي تاريخ أبطال في الواقع لم تكن رحلتنا الأولى مبرمجة الى هذه المنطقة التي قصدناها كعابرين بعدما كلفنا بإعداد روبوتاج حول واقع السياحة ببلدية مرسى بن مهيدي تزامنا مع حلول موسم الاصطياف المنقضي . وخلال جولتنا الاستطلاعية على متن سيارة العمل التي دامت ساعتين انطلاقا من وهران نحو مدينة مغنية ، مررنا بعدة محطات وفي كل مرة تستوقفنا التضاريس الجغرافية التي تزخر بها هذه المنطقة الممتزجة بين حياة البادية والتحضّر والوجه السياحي الذي أضفى عليها طابعا مميزا جعلها مقصدا مهما للسياح و الأجانب. وفي طريق توجهنا نحو مدينة " بورساي " وتحديدا عند دخولنا قرية بوكانون ، صادفنا على الجانب الأيسر من الرصيف هيكلا لدبّابة قديمة مترامية على الحواف مكتوب عليها كلمة "ستراسبورغ" نسبة إلى البلد الذي ربما صنعت فيه في بادئ الأمر ، لم نتوقف عند هذه المحطة وانهينا رحلتنا نحو مرسى بن مهيدي للقيام بالمهمة التي جئنا من أجلها.الفضول أعادنا إلى "بوكانون"لكن الفضول دفعنا للعودة الى نفس المكان بعد مرور ثلاثة أسابيع ، حيث خصصنا رحلة ثانية باتجاه قرية بوكانون بهدف معرفة قصة هذه الدبّابة المرابضة للطريق الرئيسي منذ الحقبة الاستعمارية ، وحاولنا البحث عن شهود عيان عاشوا الأحداث التاريخية التي عرفتها المنطقة ولم يكن لنا خيار سوى الذهاب إلى مقر بلدية مرسى بن مهيدي من اجل جمع اكبر قدر من المعلومات حول الموضوع ، ودلنا رئيس البلدية السيد اعمر قروندة لمقابلته إلى بيت المجاهد محمد بن عبد ربي الكائن في نفس البلدية ، حيث قصدنا منزله البسيط ، وكم كانت المفاجأة كبيرة عندما استقبلنا هذا الشيخ بصدر رحب ولم نكن قد حددنا مسبقا موعدا للمقابلة معه، لكن عمي محمد رغم تقدمه في السّن وتأثره بالمرض ( علمنا انه مصاب بالسرطان ولا يكاد يقوى على المشي ) إلا انه تجاوب بسرعة معنا وقدم لنا معلومات هامة باعتباره مجاهد حمل السلاح في سن مبكرة والتحق بصفوف جيش التحرير في سنة 1960 وكان ضمن الفصيلة الثانية للكتيبة الثانية التابعة للفرقة الرابعة بالحدود الغربية لمنطقة مرسى بن مهيدي. وكان أيضا مناضلا في حزب جبهة التحرير منذ 1958 بمدينة مسيردة . وتولى بعد الاستقلال وتحديدا في سنة 1984 مهام رئاسة مندوبية المجاهدين التابعة لمرسى بن مهيدي ، حيث كلف بتكوين لجنة تشرف على جمع الأرشيف التاريخي لأهم الاحداث الثورية التي عرفتها المنطقة .قصة الدبابة تبدأ من هنا وبخصوص موضوع بحثنا الصحفي استوقفنا ذات المتحدث عند المراحل الممهدة للثورة في هذه المنطقة ، وقبل أن يتحدث عن قصة الدبّابة سرد لنا الأحداث التي سبقتها وقال عمي محمد الذي يبدو أن المرض لم يهزم ذاكرته القوية التي تختزن معلومات ثرية حول معارك لم تتطرق لها كتب التاريخ بأدق التفاصيل : " الثورة الجزائرية الكبرى لم تحدث صدفة ، بل تم الترتيب لها و كل شيئ كان مدروسا من طرف المجاهدين وهناك رجالا خططوا بإحكام للعمليات الهجومية على الثكنات العسكرية الفرنسية أنداك بهذه المنطقة الحدودية التي كانت في قلب الاحداث الثورية باعتبارها مسرحا شاهدا على معارك كبرى مرّت بها إبّان الثورة والتي طوقتها فرنسا بأسلاك خط موريس ولغمتها بالمتفجرات والألغام. حيث عانى سكانها ضعف معاناة المناطق الأخرى بحكم موقعها الحدودي مع الأراضي المغربية . 1961: بداية التسليح القذائف المضادة للدباباتتم أردف قائلا :" بدأ التحضير للثورة في هذه المنطقة بعد تأسيس حزب الشعب بقيادة احمد بن بلة وبدوي الحسين في سنة 1948 بقرية صبابنة ، حيث أن الجميع كان مجندا للقتال من مناضلين وثوار وقاد العمليات الكبرى على الشريط الحدودي الشهيد البطل العربي بن مهيدي وبوصوف وبالتحديد في بداية الخمسينيات لمّا تم تشكيل خلية لتجنيد المجاهدين. و بدأت تتضح بوادر الحرب الفعلية بعد ما تدعم الثوار بالأسلحة التي تم تسريحها من الاراضي المغربية التي استقبلت قبل عام من ذلك باخرة مجهزة بمختلف الاسلحة والذخائر. وبفضل المناضلين الذين كانوا يتنقلون عبر الحدود ، تدعم الجيش بأسلحة متطورة ودخلت كميات كبيرة منها منطقة مرسى بن مهيدي تم الى ناحية أربوز والغزوات واستمرت العملية إلى غاية الولاية الرابعة ، إذ تم تسليح المجاهدين بالمدية ومنطقة القبائل .بوقويرن ، حارس السلاح في هذه الأثناء قطع محدثنا الكلام و استسمحنا للرد على مكالمة هاتفية بخصوص نتائج تحاليل الدم بعد أن أجرى عملية جراحية لاستئصال الورم ، ولكن للأسف عمي محمد تلقى خبرا غير سار يؤكد بأن المرض عاوده من جديد وهو ما كان يتوقعه وبدون أن تتغير نبرة صوته ولا ملامح وجهه وبشجاعته واصل حديثه معنا في صورة تعبر عن استسلامه لقضاء الله وقدره واكتفى بالقول :" الورم عاودني من جديد وليس أمامي سوى انتظار ساعة أجلي " وكأن شيئا لم يحدث ، تابع كلامه عن قصة المعارك التي انطلقت بالحدود وأضاف قائلا: " أول مواجهة ضد المستعمر في هذه المنطقة بدأت بسقوط المجاهد بوقويرن ميمون الذي كان يحرس الأسلحة وهو أول شهيد قتلته فرنسا في 28 جويلية 1958 عندما قاوم إحدى الكتائب الفرنسية التي كانت تقوم بعملية تمشيط المنطقة وحاول ابعاد العساكر عن المخبأ السري للأسلحة ولم يكن أمامه خيارا أخرا سوى حمل السلاح والدخول في اشتباك مع المستعمر، ما مكنه من القضاء على اربعة جنود فرنسيين قبل ان يسقط شهيدا في ساحة المعركة . لتتفاجأ فرنسا بنوعية السلاح المتطور الذي كان بحوزته وهو من نوع رشاش عشارية انجليزي 303 ولم يكن الاحتلال يتوقع في تلك الفترة عثوره على أسلحة من هذا النوع لدى المقاومة الوطنية التي كانت تستعمل بندقية الصيد و الشاقور و السيوف كأدوات للدفاع عن الوطن.الهجوم على الدبابة وهو ما أسفر عن حالة استنفار في صفوف العدو ، الذي طوق الحدود بالأسلاك الشائكة وعزز الثكنات العسكرية بالمدافع والدبابات، و بدأت المعارك بين المجاهدين الجزائريين المرابضين على الحدود والجيش الفرنسي وفي هذه الفترة تم تجهيز المجاهدين بأسلحة فتاكة ، على غرار مدافع 75 ملم وأسلحة مضادة للطائرات من عيار 37 و20 ملم وبازوكا من نوع 45 من المعروفة حاليا ب "أربيجي" "وبازوكا من نوع 82 ملم وسلاح "هاون "عيار 82 ملم وهي نوعية الأسلحة التي كانت موجهة للحدود. العملية نفذها مجاهدون في نفس السنةوعرج المجاهد عبد ربي للحديث عن المعارك التي تم التخطيط لها في إطار العمل العام ، بتفويض كل الجهات المرابضة على الحدود من مرسى بن مهدي الى ناحية ملولة ببشار ، حيث تلقى الجيش الوطني اوامر بالهجوم المتواصل على الثكنات الاستعمارية الموجودة في الحدود في نفس التوقيت لمدة ساعتين دون انقطاع . ويضيف نفس المتحدث أن حنكة العقل المدبر للعمليات الثورية جعلت الجنرال ديغول يعترف بحجم الخسائر التي كانت تتكبدها فرنسا والتي تجاوزت المليار سنتيم يوميا جراء الهجمات المتكررة على المعاقل الفرنسية العسكرية بالحدود الجزائرية .التفجير حدث بالقرب من الأسلاك الحدودية بمنطقة المناصبمن خلال مقابلتنا لهذه الشخصية عثرنا على أول خيط يقودنا لمعرفة قصة الدبابة المتواجدة في طريق بوكانون والتي تم تفجيرها من طرف مجاهدين كانت بحوزتهم أسلحة مدمرة ، و هو ما يفسر حجم الأضرار الذي لحق بهيكلها من الأسفل وفي الداخل . ويبدو من خلال زيارتنا للمكان التي وضعت فيه، أنها فجرت من الأسفل اثناء سيرها مما يرجح فرضية قتل من كان بداخلها . وحاولنا من خلال استطلاعنا التركيز على قصة تفجير هذه الدبّابة التي تحكي أحداثا تاريخية عن بطولات مجاهدين وقفوا صامدين أمام دبّابات ومدافع فرنسا بل خططوا ونجحوا ومهدوا في نفس الوقت الطريق لتحرير البلاد. ولابد من أن نشير ان الشيخ المتواضع الذي فتح قلبه" للجمهورية " تطابقت أقواله مع بقية المجاهدين الذين قابلناهم بمنطقة مسيردة بإعتبار قرية بوكانون تابعة لها إداريا. الدبابة دمرت بواسطة قذيفة انجليزية الصنع عيار 45 ملم على العموم حكاية هذا الهيكل الذي تركته فرنسا على مقربة من الأسلاك الشائكة التي وضعتها على امتداد الشريط الحدودي تعود لسنة ال1961 ، وهي الفترة التي تدعم فيه جيش الحدود بالأسلحة التي كانت مدسوسة في المغرب. وحسب المجاهد بن عبد ربي ان الدبّابات فرنسا قبل ذلك كانت تخترق الأسلاك الحديدية لمطاردة المجاهدين ولم يكن لدى هؤلاء سوى قارورات مولوتوف لمحاربة المدافع ، لكن دون جدوى . وبدخول اسلحة من نوع بازوكا عيار 82 و45 ملم لم تعد الدبّابات الفرنسية تخترق السلك باتجاه الحدود ، حيث أصبح من السهل على المجاهدين تدميرها وحرقها بالسلاح الجديد.وكانت الدبّابة المتواجدة في بوكانون ، واحدة من الدبّابات التي تم حرقها في إطار العمل العام الذي قام به المجاهدون في منطقة "المناصب " ببوكانون وبالضبط قرب الاسلاك الشائكة . وأكد عمي محمد أن هذه الدبّابة ، دمرت بواسطة بازوكا من عيار 45 ملم في مواجهة وقعت بين جيش التحرير وجنود الاحتلال. مشيرا إلى أن هذه الدبابة شاركت في الحرب العالمية الثانية واستعملتها فرنسا في حربها ضد الألمان .الهيكل مرمي ببوكانون شاهد على الحرب العالمية الثانية وهي نوع من السلاح الذي كان مشهورا في اوروبا وعندما تم تفجيرها بقيت في هذا المكان إلى غاية سنة 1984 حيث قرر مسئولو بلدية مسيردة بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال30 للاستقلال أنداك بطلب من بعض المجاهدين الذين بقوا احياءا ومنهم من قضى نحبه ، قرروا تحويل الدبّابة من مكانها السابق إلى الطريق الرئيسي لبوكانون لتبقى مجرد ذكرى شاهدة على بطولات جيش التحرير إبان الثورة .وفي خلاصة كلامه قال الشيخ المجاهد ان الثورة التحريرية التي انطلقت في الحدود الجزائرية ، هي التي حررتنا من المستعمر ودفعت هذه المناطق الثمن الغالي لمحاربة العدو.مرسى بن مهدي قدمت 370 شهيدا و1600مجاهد فمدينة مرسى بن مهيدي التي كانت تضم 10 ألاف ساكن أنداك ضحت ب 370 شهيدا سقطوا حاملين أسلحتهم بين أيديهم. و كافح على أراضيها 1600 مجاهد وكانت بمثابة منطقة محرمة نصف سكانها هاجر إلى المغرب. ثم قال بان هذه المنطقة تعد الأرض المحروقة ، بما أن فرنسا أحرقت كل شيء فيها ودمرتها وشردت سكانها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وضعت فرنسا 11 ثكنة مجهزة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة مابين بوكانون ومدينة مرسى بن مهيدي على امتداد مسافة 15 كلم ، مما يعنى أن هذه المنطقة كانت جد حساسة الى درجة أن المسافة مابين ثكنة عسكرية وأخرى كانت لا تتعدى كيلومتر واحد ونصف. هذا ما استطعنا ان ننقله على لسان محدثنا الذي دفعه الحماس الثوري عندما كان يتذكر الأحداث التاريخية التي مرّت بها هذه المنطقة ، للحديث عن السياسة الحاكمة في البلاد وقال نشكر الله على أننا نعيش حاليا في نعمة التحرر فالجزائر الى يومنا هذا . - يضيف المتحدث - وبفضل السياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية ، جعلت كل القطاعات تنتعش وعرفت قفزة نوعية سواء في مجال التعليم وبناء المدارس والجامعات أو في الدعم الفلاحي والسكن فضلا عن توسع المدن من الشرق والغرب ووصولا إلى أقصى الجنوب الجزائري . ورغم المرض الذي نخر جسد البطل المجاهد وأظهره بوجه شاحب لشدة معاناته من الأسقام، إلا أن هذا الشيخ العليل كان صوته هادئا وملامحه تبدو عليها اثار الحزن والتعب بل استحضر تفاصيل الاحداث ولم ينس شيئا إلا وذكره لنا دون عناء وبتسلسل زمني يفسر حرص هذا الرجل عن إلمامنا بجميع المعلومات التي تفيد القارئ وتساهم في توثيق التاريخ بشكل صحيح ومقنع . وفي ختام حديثه طلب منا عمي محمد ان نبلغ رسالة شكر للقائمين على مستشفى مغنية من اطباء وممرضين الذين يشرفون على علاجه ، حيث يتعين عليه زيارة مصلحة نقل الدم كل 10 ايام لتزويده بالكمية المناسبة لزمرة دمه وهو مجبر لقضاء بقية حياته على هذا الحال بسبب معاناته من ورم خبيث منذ 2011 .جهاد في عمر الفتوة وخرجنا من بيته المتواضع ونحن نملك رصيدا من الحقائق التي دعمت رحلتنا الصحفية لنعود إلى قرية بوكانون وكانت وجهتنا الموالية مقر بلدية مسيردة الواقعة بين منعرجات سلاسل جبلية محاطة بسكنات منتشرة من هنا وهناك . ولان الطابع الجغرافي الذي يسوده مناخ حار وجاف هو الجانب الذي يطغى على البنايات السكنية يجعل الزائر الذي يقصد المكان لأول مرة ، يتخيل أن عدد سكان مسيردة "الفواقة" كما يصطلح علي تسميتهم جد محدود. ومع اقترابنا الى البلدية بدت تتضح لنا التجمعات السكنية البسيطة المترامية داخل النسيج الجبلي والغابي المحاط بأشواك نبات الصبار، شد انتباهنا بهذه البقعة انتشار أشجار ثمرة التين الشوكي المسماة عندهم بالهندية والتي تبدو وكأنها بمثابة أسوار نباتية وضعت خصيصا لحماية السكنات والمزارع. وبما أن زيارتنا إلى قرية مسيردة تزامنت مع أواخر موسم الحرّ فبدت لنا ثمار التين الشوكي ناضجة وجاهزة للاستهلاك ، لكن شريطة أن تقطف في الليل باستعمال وسائل الوقاية من وخز الاشواك بينما يبدو أن هذه الفاكهة تبقى ملتصقة في اوراقها حتى تجف وتتساقط بهذه القرية .المهم اننا في هذه الاثناء وصلنا الى مقر البلدية الذي كان يشهد بعض أشغال الترميم وذلك في حدود الساعة الثانية زوالا ووجدنا في استقبالنا نائب المير تم انتظرنا قليلا داخل مكتب رئيس البلدية ولم تمر سوى ربع ساعة حتى جاء المعني بالأمر ولحسن الحظ لم نجد صعوبات للحصول على المطلوب حيث اسرع رئيس البلدية السيد حسين مجبر في الاتصال مع بعض المجاهدين القاطنين بالقرية بعدما فهم الموضوع الذي جئنا من اجله و لم تمض دقائق حتى سمعنا بوصول سيارة المجاهد شملال عمر الذي دخل برفقة رفيقه المجاهد مادوري أحمد الى المكان الذي كنا متواجدين فيه و للوهلة الأولى استجاب الشيخيين للحديث معنا حيث وبمجرد أن استفسرناهم عن قصة الدبابة المركونة على حافة الرصيف حتى بادر بالكلام المجاهد شملال أعمر الذي لا يبدو طاعنا في السن وقبل مباشرة الكلام سألناه سنه واكتفى بالرد أنه التحق بصفوف جيش التحرير في سن المراهقة عندما كان شابا يافعا و شارك في عدة معارك على الحدود ولعل هذا ما دفعنا لمواصلة الحديث والدخول مباشرة في صلب الموضوع الذي يتعلق بقصة هيكل الدبابة وكيف تم القضاء على العساكر الذين كانوا يقودونها . المرحوم قادري لخضر قاد الهجوم برفقة 15 مجاهداالمجاهد شملال أعمر الذي عاش الواقعة بأم عينيه لأنه كان ضمن المجندين ال 15 الذين قدموا من عدة مناطق متفرقة وتم تكليفهم بمهمة الهجوم على الدبابة في عملية مدبرة من قبل كتيبة الجيش في سنة 1961 والذي كان يقودها المرحوم قادري لخضر رفقة اثنين من إخوانه وهما أحمد قادري والأخ الثالث قادري الحسين الذي يزال على قيد الحياة بمغنية وكانت الفرقة المجهزة انداك لتفجير الدبابة التي لم يبقى منها إلا اجزاء من هيكلها كما ترونها في طريق بوكانون تضم أسماء من المجاهدين والشهداء الذين سقطوا في المعركة .المرحوم بومعزة عبد الحميد يفجر الدبابة وأضاف إن لم تخن الذاكرة كان إلى جانبنا المجاهد قمراوي بلعيد الذي يقطن حاليا بوهران و المدعو حمادة المختار المقيم في حمام بوحجر و المجاهدين سليمان شيفور و بن تناح رابح هذا الأخير يسكن في منطقة العقيد لطفي بالقرية الحدودية والذي فقد بصره بإحدى عينه نتيجة تأثره بمفعول التفجيرات والشخص الذي تكفل بضرب الدبابة وتفجيرها يدعى السطايفي بومعزة عبد الحميد الذي قام بالعملية في حدود الساعة الحادية عشر ونصف مساءا ، وعندما اشتعلت الدبابة نتيجة هول التفجير تطايرت اجزاء منها و انتشر بعين المكان دخان ابيض واحمر من شدة اللهب ودوي الانفجار بعدما قذف المجاهد بومعزة القذيفة النارية اسفل سلاسل المدفعية ومازلت اشعر عندما اعيد في كل مرة رواية القصة بصدى الدوي القوي الذي جعلنا نهرب بعد تنفيذ العملية إلى المغرب وقطعنا الوادي الذي يتوسط الأراضي الجزائرية المغربية لكن القوات الفرنسية لاحقتنا بالمدافع وأصيب حينها بعض الثوار بشضايا القذائف التي لحقت الأذى أيضا بالمدنيين والأطفال. فرنسا لاحقتنا بالمدافع و الرشاشات وعند استفسارنا عن الخطوات الاولى التي سبقت عملية التفجير أكد المجاهد شملال ل "الجمهورية" أن جنود جيش التحرير رتبوا للعملية في ظرف اسابيع حيث كانت الدبابة تقوم بمراقبة السلك الحديدي عبر الحدود تحث أضوائها الكاشفة في الفترة الليلية وعندما علمنا يقول محدثنا بتوقيت مرورها بالقرب من الاسلاك قمنا بترصد خطواتها إلى أن حان موعد تنفيذ الهجوم الذي كان ناجحا بنسبة كبيرة اذا انقسمنا الى مجموعات واحدة تولت مهام تقطيع السلك والبقية كانت تحرس المكان وكلما تصيبنا الأضواء نختبئ خلسة تم نعود لتقطيع بقية الاسلاك ونحرص على بقاءها في نفس الوضع التي كانت عليه لتمويه المستعمر ولحسن حظنا نجحنا في اجتياز الشريط الشائك دون ان تتفطن عساكر فرنسا وانتظرنا إلى غاية عودة الدبابة التي كانت متوجهة نحونا وفي الوقت المناسب رمى زميلي بومعزة القذيفة تحت عجلاتها تم هرعنا نحو المغرب لحظة تفجيرها ولم نتوقف عن الركض باتجاه المغرب بعد سماع دوي التفجير الذي أشعل لهيبه المنطقة وحاول العدو اللحاق بنا كما ذكرت سالفا بالمدافع والأسلحة الرشاشة .حقيقة كانت معركة غير متكافئة لأننا كنا مكلفين بمهمة واحدة وهي الهجوم عل الدبابة وتفجيرها وبعد ذلك عدنا متسللين إلى أراضي أحفير المغربية في نفس الليلة مثلما كان مخططا له من قبل وكانت العملية ناجحة بنسبة كبيرة. وعن نوعية القذيفة التي استعملت في الهجوم قال الشيخ شملال : " كانت من نوع متطور عيار 45 ملم وهو سلاح ثقيل يوضع على الكتف ويشترط أن لا يكون وراء منفذ الضربة أشخاص واقفون ، حيث تنبعث منها شرارة نارية نتيجة اطلاق القذيفة وواصل نفس المتحدث قائلا: " لم نكن نعلم كيفية استخدامها في بادئ الأمر وكان سلاحا جديدا بالنسبة لنا. علما أننا كنا نهاجم الدبّابات والقذائف بقنابل يدوية وقارورات المولوطوف التي لم يكن لها تأثير ، بينما مفعول البازوكا جعل المدافع تتراجع داخل السلك الحدودي وبدأ العدو يهاب العمليات التي تنفذ من خارج أسوارها. شملال : "مهمتي تقطيع الاسلاك ووضع المتفجرات " وفي سياق سرده لواقعة تفجير الدبّابة التي دفعتنا لإعداد هذا التحقيق عن الأحداث التي عرفتها المنطقة آنذاك ، كشف لنا عمي اعمر الذي لا يزال يحتفظ بذكريات لا تنسى عن عملية مماثلة كانت في طور التحضير لكنها " أجهضت بسبب قيام احد العملاء بالكشف عن خطتنا لفرنسا ، حيث كان المجاهدون يخططون لإنجاز نفق أرضي بين الحدود الجزائرية المغربية واستمرت آنذاك عملية الحفر بالمعول والفأس لمدة 9 أشهر كاملة ، وعندما وصل طول النفق حوالي 150 متر أنفضح أمرنا بعدما هرب احد الجنود الذي تخفى تحث عباءة مغربية لتمويهنا وقام هذا "البياع " بإخبار العدو عن المغارة ولعلمكم كنت ضمن الفرق المخصصة في قطع الاسلاك ووضع المتفجرات ولم أشارك في عملية الحفر بحكم صغر سني لكنني كنت شاهدا على هذا الحدث وعشته بكل جوارحي ". المغارة التي فجرتها فرنسا قبل أن يتمم محدثنا قصة المغارة ، قاطعت كلامه لأسأله عن سرّ التحاقه بصفوف المجاهدين عندما كان قاصرا و أجابنا انه لم يكن الوحيد الذي كان متواجدا في ساحات القتال ، بل العديد من أترابه في نفس ربيع عمره تجندوا في جيش التحرير. وفاجأنا شملال عندما كشف انه تدرب على يد مراهق كان معروفا في المنطقة باسم "الصليب" ويتعلق الأمر بالمجاهد بن عبد المالك الذي كان مختصا في وضع المتفجرات حيث كان على دراية بالتوقيت الذي تنفجر فيه القنبلة بحكم تجربته في هذا المجال وفعلا كانت تحدث التفجيرات في الموعد الذي كان يترقبه . تم واصل المجاهد حديثه عن مصير المغارة التي اكتشفتها فرنسا ، حيث قامت بتفخيخها بالألغام وللأسف فجرت وردمت نهائيا ولست أتذكر إن استشهد بداخلها مجاهدون أم لا ؟ وبعد سماعنا لقصة الدبّابة التي تتحدث عن عمليات مدبرة لجيش التحرير ضد فرنسا ، حزّ في أنفسنا المكان الذي تركت فيه رغم ما يحمله هذا الهيكل من وقائع تاريخية تعد شاهدة على حدوثها . لكنه بقي مرميا - إن صح التعبير - على جوانب الطريق ببوكانون .الهيكل بقي 30 سنة مركونا على حافة الطريقوفي هذا الشأن علمنا أن الدبّابة نقلت إلى الطريق بعد تحويلها من مكانها في منطقة "مناصب " بطلب من المجاهدين الذي بقوا على قيد الحياة وتحديدا في سنة 1984 ، أي أن هذا الهيكل مكث على الطريق منذ ثلاثين عاما دون أن يتحرك المعنيون لتخصيص نصب يليق بأهمية الحدث الذي شهدته المنطقة انذاك . وقبل ذلك تركته فرنسا في قرية المناصب لمدة 23 سنة وبسبب تعرض هيكلها للسرقة ، حيث قام بعض اللصوص بتفكيك البراغي والصفائح الحديدية لإعادة بيعها وهو ما جعل السلطات المحلية تنقله الى الطريق ليكون اما م أعين مصالح امن الطرقات. وفي هذا الصدد صرح محدثنا أن هذه الدبّابة كان من المفروض أن تبقى في مكان تفجيرها شريطة أن يخصص لها مكان أفضل يليق بسمعة الثوار الذي أسقطوها وجازفوا بحياتهم من اجل تنفيذ الهجوم، وحسب اعتقادي يضيف ذات المتحدث انه من الافضل نقلها الى متحف العاصمة للحفاظ على هذا المعلم التاريخي عدا ذلك لا يمكن تحويلها إلى مكان أخر هذا ما كنا نريده نحن المجاهدون. محاربة الدبابات بتفكيك سلاسل العجلاتفيما اكتفى المجاهد مادوري احمد الذي لم يكن حاضرا في العملية ، بالحديث عن الطرق التي كان يلجا لها عناصر الجيش لحرق الدبابات قبل تدعيمه بالأسلحة في سنة 1961 وذكر أن المجاهدين اجتهدوا في صنع المتفجرات التقليدية والألغام للدفاع عن الأراضي الجزائرية، وتمثلت العمليات في وضع ما اسماه بمفككات سلاسل الدبابات التي تتسبب في توقيف مسارها مما يتسنى للمجاهدين برمي مقذوفات يدوية الصنع لحرق المدافع وهناك بعض المتفجرات كانت يتم توصيلها بخيوط طويلة لا يظهر عليها اللهب عند اشتعالها إلى غاية وصول الشرارة ناحية القنبلة لتفجيرها ، لكن هذه العملية كانت تتطلب الحرص و حسن اختيار الوقت والمكان المناسب لتنفيذ المهمة . انهينا حديثنا الشيّق مع المجاهد شملال الذي قادنا بعد ذلك الى مكان تواجد هيكل الدبّابة وقام مصور الجمهورية باخد صور معبرة لهذا البطل الذي عاش الحدث وكم كان المشهد مؤثرا جمع بين الحدث وأحد صناع الحدث التاريخي ليقف هذا الشيخ شامخا على أطلال الدبابة المهترئة من الصدأ يستحضر ذكريات الكفاح الثوري الذي عاشه في تلك الفترة . وفي لحظة التقاط المصور بعض الصور للهيكل ، لمحنا على بعد أمتار من هذا المعلم التاريخي وتحديدا على الطريق الرابط بين قرية بوكانون ومرسى بن مهيدي ، تواجد ساحة تتوسط ملتقى الطرق وتظهر في أبهى صورتها ، تعتليها مزهريتان من الخزف نسبة الى التقاليد المعروفة في تلك المنطقة. في الوقت الذي تترك فيه هذه الدبّابة على الهامش وهي تعتبر شاهدة على كفاح أبطال المنطقة. وكان من الاولى أن تحظى برعاية واهتمام كبيرين من قبل السلطات المحلية لما تحمله من تاريخ سيبقى في السجل الذهبي للثورة التحريرية الكبرى. عمي رابح بداية ونهاية وفي طريق العودة الى وهران كان لابد ان نستعين بشهادة الشخص الذي تحدث عنه المجاهد شملال والذي قال انه فقد النور بإحدى عينيه ، ويتعلق الأمر بالمجاهد بن تناح رابح الذي لا يقطن بعيدا عن قرية "بوكانون" اخّرنا سفرية رجوعنا إلى وهران وقصدنا قرية العقيد لطفي على الساعة السادسة ونصف مساءا، بحثا عن منزل المجاهد المذكور. وعند وصولنا بالقرب من المركز الحدودي ، انعطف سائق سيارة العمل يمينا ، حيث ظهرت لنا في الجهة المقابلة القرية المعنية التي تبدو مهجورة وقلما نجد شخصا يتجول في الخارج . توغلنا إلى داخل السكنات لعلنا نجد شخصا نسأله عن البيت المقصود إلى أن وجدنا شابا يقود دراجة نارية وبمجرد أن ذكرنا اسم بن تناح قال محدثنا أتقصدون عمي رابح العساس ؟ في الوهلة الأولى ظننا انه يعلم تاريخه الثوري فلا ربما كان المجاهد احد حراس الاسلحة تم قصدنا بسهولة منزله وكان عمي رابح واقفا أمام بابه في بادئ الأمر تحاشى الحديث معنا ، وعندما قلنا له بأن رفيقه في الجهاد المجاهد شملال هو من دلنا عليك رحب بنا واستقبلنا في منزله البسيط المزين بشجرة التين وكانت زوجته المتواضعة جد كريمة وضيّفتنا احسن ضيافة . عمي رابح كان يجد صعوبة في الحديث معنا ، وبادرنا في طرح الأسئلة التي تتعلق بالهجوم على الدبّابة لكن المتحدث كان صريحا بما فيه الكفاية وصحح معلوماتنا حول مساهمته في تلك العملية ، حيث تبين أن عمي رابح كان متحصلا على تسريح بالحصول على يومين راحة من قادة جيش الحرير أثناء تنفيذ الهجوم . وان إصابته على مستوى العين تعود لمفعول الالغام التي كان يستعملها في عمليات هجومية مماثلة و أكد انه تجنّد في صفوف الجيش وهو شاب لم يبلغ سن الرشد لكنه غادر ساحة القتال بفترة وجيزة من التحاقه بالجيش ، وفضل أن يعيش بسيطا ويكوّن أسرة وأولاد .مع العلم انه أجرى عملية جراحية على مستوى الساق بسبب إصابته بشضايا مدافع العدو. وبعد أن تأكدنا من صحّة معلوماتنا عدنا إلى وهران حاملين تفاصيل القصة بكاملها.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/09/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : وفالي روحية
المصدر : www.eldjoumhouria.dz