الجزائر

في مواجهة الواقع



في مواجهة الواقع
إقترنت التحضيرات للدخول المدرسي بالإعلان عن تعزيزات أمنية في محيط المؤسسات التعليمية لحماية التلاميذ، وهو ما يشير إلى تردٍ يتفاقم، تدري معبّر عن وضع، ووضع هو حصيلة لتراكمات أفضت إلى ما تغرقنا فيه التفاصيل التي تحفل بها المنابر الصحفية، تفاصيل التنامي الخطير للجريمة بكل أشكالها ومنها ظاهرة الاعتداءات التي تستهدف الأطفال،وتفاصيل الجرائم الأفدح التي استنزفت وتسنزف موارد البلاد. والحصيلة تعكسها وضعية من أعلنوا عن خروجهم في الأيام المقبلة احتجاجا على وضعيتهم، أي الذين تم تشغيلهم في إطار عقود ما قبل التشغيل وما شابهها، وهم في جزء معتبر من خريجي الجامعة الذين لم يجدوا عملا قارا، وهم في الجملة نموذج يدركه التلميذ الذي يلتحق بالمدرسة وهو مشحون من طفولته بلا جدوى دراسة، لا جدوى تتكرس بمعايشته لمعاناة الأخ أو الأخت أو القريب أو الجار، معاناة من درس ليحال إلى البطالة أو لكي يشتغل مقابل أجرة لا تسد رمقا أو يشتغل في إطار المؤقت.. وتتكرس اللاجدوى بمعايشة من يعتبرون نماذج نجاح اجتماعي، وهم من يبرعون في التحايل ولا يلتزمون بأي قانون أو قيم، هم من ينمون مكرهم لكي يحققوا تمكنهم.
بلدنا بثرواتها صارت تستوعب العمالة من مختلف البلدان بأجور محترمة، وتقطع السبل أمام أبنائها بسبب سياسة تشغيل لم تتحقق بما يستوعب الموارد البشرية وما يستجيب للتحديات ويتكيف مع المقتضيات.. وغالبا ما يبرر من بيدهم المقاليد بأننا نفتقد يدا عاملة مؤهلة أو أن شبابنا لا يحب العمل ويريد الربح السهل والسريع، وذلك هو منطق من يقرأ "ويل للمصلين" ولا يكمل الآية. لماذا نفتقد اليد العاملة المؤهلة؟ ما هو مردود سياسة التكوين المهني؟ إن الشباب في الحقيقة لا ينبذ العمل وإنما هو ضحية الاختلالات القيمية التي دمرت قيمة العمل، وهي اختلالات أنتجتها تفاعلات الشعبوية التي عطلت البراغماتية الفاعلة مع النمط الريعي الذي كرس الطفيلية، ومع التحول من نمط اقتصادي إلى آخر، تحولا فكك مكونات قاعدة صناعية وأعاق القدرة على مواكبة التنافسية في زمن العولمة والخضوع لاشتراطات المحاور الخارجية باسم حرية السوق.
الشباب لا ينبذ العمل وإنما ينبذ الشروط المصاحبة للتشغيل، شروط مجحفة بعقود تفقد المشتغل الأمان.. ويزداد الحال لما يجد الشاب أن ما يتقاضاه العامل الأجنبي يمثل أضعاف ما يتقاضاه. الشاب الذي درس ولم يجد ما يتوافق مع جهد سنين الدراسة، و يلاحظ أن واحدا كفريد بجاوي يلعب بالملايير ويتنقل بين العواصم، كيف يكون إحساسه؟ وإلى أين يقوده هذا الإحساس ؟
.. إن شبابنا طيلة السنين الأخيرة تعرض لرجات متتابعة، من التسعينيات وفظاعة ما عشناه، إلى السنين الأخيرة وبشاعة النهب الذي تعرضت له موارد البلد.. رجات تتكثف مع دراية الشباب بما يجري في العالم، وخيبته لما يدري أن بلدانا لا تمتلك موارد بلده تعرف أوضاعا أرقى في كل المجالات وأنه في بلده فقد الأمل ومن يفقد الأمل هو من يدخل الجحيم، كما كتب دانتي.
إن فظاعة التدمير النفسي أفظع من كل ما يمكن التعبير عنه بكلمات تظل قاصرة أمام اجتياح الجراد، الذي اكتسح كل المجالات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)