الجزائر

في معرض له ب "غاليري كلود لومان" الباريسية



في معرض له ب
لعل أول ما يلفت انتباه زوار معرض الفنان التشكيلي الجزائري عبد الله بن عنتر، أعماله المعروضة حالياً في "غاليري كلود لومان" الباريسية تحت عنوان "بن عنتر نشيد الأرض"، هو تلك المشهدية الوهّاجة التي تمنح هذه الأعمال هويتها وتجعلنا نعرف بسرعة مَن يقف خلفها.مشهدية تأتي نتيجة احتكاك ثقافة بن عنتر العربية بتجريد مصبوغ بغنائية شخصية، يترجم فتنة طبيعةٍ ضائعة ومستعادة. وفعلاً، يُسقط الفنان حنينه إلى آفاق صحراوية أو متوسطية بعيدة، داخل فضاءات مقاطعة بريتانيا الفرنسية البحرية، حيث يسكن منذ فترة طويلة. بلمسات مزرَّدة، يعيد خلق الجماليات المتحولة للطيف الشمسي، التي تحوّل بدورها المشهد، المتحرّك مثل خيال الفنان. بأشكال متعددة، تعبر لوحاته إيقاعات، وعناصر شكلية مجموعة بتناغم ومرسومة بحرية مضبوطة.لا فراغ في لوحات بن عنتر، بل ارتجاج ألوان شفافة أو كثيفة، تعبرها ثقوب ضوئية، شمسية أو غسقية. أعمال منفّذة بضربات ذات نبرات سمفونية، كما لو أنها تحتفي بقوى الطبيعة التي توحي بها مواد مشعّة، مبرقشة، أثيرية، تتوحّد مع السماء والغيوم والمحيطات والفضاءات الكونية.كما في الرسوم الصينية التقليدية، لا فوق ولا تحت في هذه "القصائد البصرية" ذات التشجّرات الغنائية التي توحي بتمدد ثابت. مرسومة بحركية تستحضر فن التخطيط، ومغذّاة بألوان برّاقة، تبدو كلوحات استعارية، رمزية. لا هي تصويرية، بالمعنى الذي يمكن فيه للصورة أن تحل مكان الشيء المصوَّر، ولا هي مجرّدة كلياً، لأنها دائماً متجذّرة في عناصر طبيعة متأمَّلة ومستشعَرة. وبالتالي، تظهر كمشاهد ذهنية يتحاور داخلها الخيال مع الصور الماثلة في الذاكرة.أما الضوء الطاغي فيها فيأخذ بعداً رؤيوياً، إذ لا هو نورٌ ناتج عن واقع ظاهر، كما لدى الرسامين الانطباعيين ورسّامي المناظر التقليدية، ولا هو نَسْخٌ لمناخٍ أو جوٍّ ما، بل مشروعٌ أوحد لفعل الرسم، يرتكز على كامل سلّم الألوان، وينبثق من أعماق المادة، قبل أن يعمد الفنان إلى وضع بنيةٍ له تحويه وتنظّمه وتوجّهه داخل تدرّجاتٍ شفّافة ورقيقة وتشبيكات من الخطوط تعدّله وتقسّمه، فيكتسب طابعاً طقسياً.باختصار، تظهر أعمال بن عنتر المشهدية كتأملات صرفة تُعادل برسومها الإشراق الصوفي، ويمكن اعتبارها كإخراج رسومي للشعور الموحي بها. فداخلها، يبدو الفنان وكأنه يغرف من عالم يستخدمه للخروج إلى الملأ، وهذا ما يعطينا انطباعاً بالتكرار، تبدّده بسرعة بداهة التحولات الداخلية الخفية التي تخضع لها الأشكال. فالتكرار هو في الموضوع والبنية التي تتسلط عليه، وبالتالي في العالم الاستيهامي نفسه، لا في الوسائل المستخدمة لجعله مرئياً. والتغيير لدى بن عنتر هو أشبه بالتحوّل الجيولوجي الذي يبلغ تدريجياً الأرضية الرسامية، ويُدرِك الأشكال على نحو خفي من دون أن يؤثّر على هويتها أو يسيء إلى وحدة عالمه واستمراريته.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)