كان وقع الحكم بالمؤبد الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة، أمس، ضد الرئيس المصري المطاح به حسني مبارك أقوى من أن يتحمله وضعه الصحي المتدهور مما أدى إلى إصابته بوعكة صحية نقل إثرها إلى أحد المستشفيات لإنقاذ حياته من موت محقق.
واضطر الطاقم الطبي الذي رافقه من سجن طرة إلى قاعة المحاكمة أن يلجأ إلى استعمال جهاز تنفس بعد أن ضاق صدره بمجرد سماعه النطق بالحكم رفقة وزيره للداخلية حبيب العادلي.
وهي الصدمة التي أضيفت إلى أمراض السرطان والانهيار العصبي والمتاعب القلبية التي تلاحقت عليه منذ الإطاحة به قبل أكثر من عام.
وفي مشهد مأساوي لرئيس أكبر دولة عربية فقد رفض مبارك مغادرة الطائرة المروحية التي أقلته من محكمة جنايات القاهرة إلى الجناح الطبي بسجن طرة جنوب العاصمة المصرية وهو الذي كان يعتقد أنه سيعاد إلى المستشفى العالمي للشرطة. وذكرت مصادر أمنية مصرية أن مبارك لم يتمالك نفسه وراح يبكي بحرقة ربما لأنه لم يتقبل أن يقضي بقية أيامه وراء قضبان سجن لم يكن يوما يتوقع أنه سيدخله لولا ضباط الأمن الذين رافقوه في رحلته النهائية إلى زنزانته وأقنعوه بالنزول.
وأوضح مصدر طبي أن الأزمة الصحية فاجأت مبارك لدى علمه بأنه سيتم حجزه بمستشفى سجن طرة وليس بالمركز الطبي العالمي، ويكون هذا الشعور بالإحباط هو الذي عمق أزمته الصحية وجعله ينهار مما استدعى نقله إلى المستشفى.
وشدت أطوار جلسة محاكمة أمس التي خصصت للنطق بالحكم النهائي أنظار كل الشعب المصري الذي تابع كل دقيقة منها منهم من يريد إنزال أقصى عقوبة عليه محملين إياه مسؤولية تصفية ذويهم في عمليات قتل جنونية ومنهم من رق قلبه رأفة برئيس كان يلقب ب''الريس'' وبقناعة أنه بلغ خريف عمره وما كان لأن يعامل بمثل هذه الطريقة.
وفهم الرئيس مبارك الذي حضر كما في المرات السابقة إلى قاعة المحكمة على سرير متحرك من خلال كلمة الافتتاح التي تلاها رئيس المحكمة القاضي احمد رفعت أن أقصى عقوبة تنتظره ولكنه لم يكن يدري إن هي الإعدام أم المؤبد.
وفي رد فعل مباشر على النطق بالحكم ثارت ثائرة مئات المصريين في الساحة المقابلة ممن قتل أبناءهم وذويهم وقالوا إن العدالة المصرية مازالت تخضع لأوامر فوقية وان دماء حوالي 900 قتيل لن تذهب هدرا وان الحكم المنطقي الذي انتظره عامة المصريين هو الإعدام.
وقد انتقد محامو الطرف المدني الشهود في هذه القضية التي لم يسبق للمصريين أن عايشوا قضية بهذه الأهمية لم يكونوا في المستوى وأكدوا أن الحكم مردود في الشكل والمضمون بعد أن رافعوا جميعهم من اجل إنزال عقوبة الإعدام في حق الرئيس المطاح به، كما طالب أهالي الضحايا الذين أصروا على إعدامه كما اعدم أبناؤهم.
وزاد سخط المصريين بعد أن تمت تبرئة ستة متهمين آخرين من كبار مسؤولي وزارة الداخلية الذين وجهت لهم تهمة إعطاء أوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين خلال الأيام التي استغرقتها ثورة 25 جانفي دون أن يتم إثبات ذلك وكذا تبرئة ذمة علاء وجمال مبارك نجلي الرئيس المصري السابق بدعوى تقادم قضيتهما.
يذكر أن الرئيس المصري المدان حكم مصر لأكثر من ثلاثة عقود منذ اغتيال الرئيس أنور السادات في أكتوبر 1981 وقد حكم مصر بيد من حديد بالاعتماد على جهاز امني قوي جعلته يقطع الصلة مع عامة شرائح المجتمع المصري رغم انه منحدر من عائلة من البرجوازية المتوسطة قبل أن يلتحق بالمدرسة الحربية التي ارتقى في سلمها إلى غاية توليه مقاليد السلطة في مصر وأصبح يلقب ب ''الريس''.
لكن تخليه عن مهامه الرئاسية لصالح أبنائه الذين كانوا يأملون في توريث السلطة لجمال مبارك جعله يفقد مقاليد السلطة الفعلية لمنتفعين عرفوا كيف يستغلون مناصبهم من اجل الاغتناء غير المشروع في وقت كان فيه عامة الشعب المصري يعاني من الفقر المدقع وكان ذلك كافيا لأن يهز كيان نظام بوليسي في فترة 18 يوما فقط في سياق أمواج عاتية لربيع عربي مسح في طريقه أنظمة أحادية في تونس وليبيا واليمن.
تاريخ الإضافة : 02/06/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : المساء
المصدر : www.el-massa.com