"على المرء أن يرى في شبابه أشياء ويجمع خبرات وأفكاراً ويشرّع آفاق ذهنه"، بهذا التقديم المقتطف من قول لجوزيف كونراد يقدم الروائي الفرنسي ماتياس إينار روايته "شارع اللصوص" بترجمة ناصعة من ماري طوق.الرواية حائزة على جائزة "غونكور" خيار الشرق في باريس عام 2012. رواية مبهرة وصادمة برؤياها، تحمل لغة شعرية لافتة وحكايا مصاغة بعناصر تشويق واضحة، تتمدد على جميع صفحاتها التي تعدت الثلاثمئة صفحة، وهي عمل لا ينجو من المغامرة المعجونة بالفتنة التعبيرية.تدور أحداثها في طنجة المغربية وبرشلونة والجزيريس وهي منطقة سياحية، مترعة بالأسواق والمقاهي والمقاصف البحرية والسياح من كلا الطرفين المغاربة والأسبان وتكاد تقع في الوسط ما بين طنجة المغربية والمرفأ الإسباني، ويستطيع من يكون في طنجة أن يرى أضواء المدن الإسبانية ويستطيع أن يحلم بموانئها وشواطئها وحاناتها ومقاهيها والسفن العابرة بين هذه الأماكن الثلاثة، بوسعك استعراضها وعدّها إذا ما كنت جالساً على شواطئ طنجة المغربية.هذا من ناحية المكان الذي يشكل الجزء الهام منها ويعطي لقارئها زخماً وهو يتنقل بين البواخر والشواطئ والمرافئ والفنارات والأضواء البحرية، وهو مكان حالم بامتياز وشاعري وهدف للحالمين بمدن وشوارع وشواطئ أخرى وعالم جديد، غير العالم الذي يتحرك فيه "لخضر" وهو الشخصية المحورية في الرواية التي تجمع بالإضافة إليه شخصيتين أخريين هما الشيخ نور الدين وبسّام وشخصيات ثانوية أخرى مثل سعدي البحار وهو شخصية رومانسية، وبوريلييه وكروز ومنير الذي سيظهر في"شارع اللصوص" في برشلونة. لكن الشيخ نور الدين وبسام هما اللذان سيواصلان السفر عبر صفحات الرواية حتى نهايتها، ولكنهما وحسب المنطق الفني للرواية قد يختفيان ومن ثم يظهران بحكم ما يضفيه النشاط الخيالي للروائي وكذلك بحكم العامل الزمني للرواية فضلا عن العامل المكاني الذي تضافر على نحو مدهش مع العامل الزماني وله وظيفته الجمالية العالية، كما سنرى في تضاعيف هذا العمل المنتسج بعناية واضحة.فالزمن الذي نجد أنفسنا في سياقه هو زمن الثورات، زمن الربيع العربي الذي سيتحكم بمفاصل عديدة من بنيان الرواية الشاهق بتفاصيله المثيرة، زمن الثورة السورية التي تمت الإشارة اليها في غير موضع، والثورة الليبية، والتغيير في اليمن والثورة المصرية على حكم مبارك وثورة تونس من حيث إشارة البدء التي قامت فيها، واشتعال البؤر المؤازرة في كل من الجزائر والمغرب وغيرهما وفي البلدان الأوروبية التي تواقت فيها الزمان بانتفاض الشارع الإسباني وخصوصاً برشلونة وكذلك الشارع اليوناني، إبان اندلاع شرارات الأزمة الاقتصادية التي لاحت في الأفق، من ذلك التاريخ، وأعني تاريخ بدء الزمان العربي المطالب بالحرية والانعتاق من النيور اللاإنسانية والبنود الفاشية التي كانت تضعها الطغم العربية الحاكمة على الشعوب العربية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/11/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : ق ث
المصدر : www.elhayatalarabiya.com