ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة ودموع الفراق كانت تنزل على خذيه لحظات قبل رحيله عن هذه الدنيا.. توفي ولم يسعفه الحظ أن يكون بيننا في الذكرى الـ50 لاستقلال الجزائر التي قال عنها المرحوم إبّان الاستعمار الغاشم، لن أرتاح إلا بعد أن تخرج فرنسا أو أموت أنا...
هي عبارات خرجت من فيه ابنة أخت الراحل أحمد بن بلة، التي تربّت وترعرعت معه في نفس البيت، كانت في حالة يرثى لها بدى وجهها شاحبا مصفرا، وعيناها منتفختان من الدموع التي كانت تذرف كطلقات مدفع، وهي على كرسي متحرك، وتصرخ بأعلى صوتها "رحلت يا أخي وتركتني وحيدة في هذه الحياة، كنت أنيسي الوحيد، ولم يمر يوما دون أن تسمع صوتي وأسمعه أنا كذلك.. لم يحالفك الحظ يا أخي أن تتذوق طعم الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر التي قلت عنها لن تهدأ نفسي حتى يرحل ديغول أو تغمد روحي..
اقتربنا منها وحاولنا مواساتها لنذكرها بأن ما حدث هو إرادة الله ومقدر منه، وكلنا إليها، لكنها لم تستطع أن تتمالك نفسها، كيف لا وهو توأمها الذي لم يفارقها منذ الطفولة، حيث روت لنا بعض التفاصيل عن حياته خاصة عندما كان صغيرا، قائلة: "كان يهرب من المدرسة، وعندما يقوم المعلم باستدعاء أبانا شيخ مبارك، ويقول له أن ابنك غائب هذا اليوم.. ليقوم أبي بعدها بالبحث عنه ليجده عند الشيخ الإبراهيمي، قبل أن يشبعه ضربا، كان يعشق السياسة، بل كانت تسري في عروقه.. وعندما كبر والتحق بصفوف الثورة كنت أزوره في السجن وحينما أقول له خفف عليك المتاعب يرد علي "لن أتراجع عن مبدأ تحرير بلادي، فإما أن تخرج فرنسا منها أو أخرج أنا من هذه الحياة...".
وأردفت الحاجة يمينة قائلة: "الرئيس بوتفليقة سلّم على جيبيني وهو يبكي فراق صديقه، وهمس في أذني وقال لي.. رحل الرجل العظيم وترك في نفسي حرقة كبيرة إنه رفيقي وصديقي ولن أنساه مادمت حيا والجزائر إن شاء الله في حداد لمدة 8 أيام.. وهو قليل على سي أحمد...".
جو رهيب خيّم على المكان وزاده رهبة، بكاء ابنته مهدية التي روت لنا أن والدها قبل أن يلفظ آخر أنفاسه ابتسم لها قبل أن تضمه إلى صدرها، حيث كانت تستقبل جموعا غفيرة من المعزين، وفي نفس الوقت تتابع مراسيم استقبال الوفود التي تأتي لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان والدها على المباشر من التلفزيون الجزائري، فيما كانت ابنته نورية، ينتابها نوع من الهستيريا بين الفينة الأخرى، وسط مدائح تقشعر لها الأبدان لأعمدة الصوفية وكبار زوايا الجزائر. أثناء تواجدنا في بيت الرئيس الراحل أحمد بن بلة أمس، اكتشفنا من خلال حديث سيدات من عائلته أن سي احمد طلب من ابنتيه مهدية ونورية أن تحولا منزله إلى متحف من بعد أن يأخذ الله روحه، وهي أمانة قالت عنها ابنته مهدية من خلال حديثها مع أفراد عائلة المرحوم أنها ستنفذ حرفيا كما أراد...
- كان آخر شخص هاتفه المرحوم، هو أخته "يمينة" المقعدة على كرسي متحرك قبل أن يدخل في الغيبوبة وقال لها "اشتقت إليك كثيرا يا أختي الحبيبة".
- ابتسامته في وجه ابنته مهدية، كان آخر ما فعله المرحوم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
- دموع الفراق لحظة موته كانت تنزل على خديه ونظرة أخيرة لابنتيه وأخيه حسب ما سردته أخته يمينة.
- زاره في المستشفى، أحد العسكريين الذي شارك في عملية الانقلاب عليه في 1965 وقال له "إسمحلي يا أخي كنت عبدا مأمورا..".
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/04/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : نوارة باشوش
المصدر : الشروق 2012/04/13