حينما اطلع رئيس الجمهورية الحالي على النتائج السلبية المسجلة على المستويين السياسي والاقتصادي دعا إلى تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة في أفريل .1999 هذا المقترح تم اقتراحه للمرور إلى ''مرحلة نوعية جديدة للبلاد وترسيخ مبدأ التداول على السلطة''، حسب العبارة التي استخدمها الرئيس السابق.
لقد برز أول انحراف وابتعاد جاد عن المنحى المعلن عنه لبناء مؤسسات سياسية من خلال تنظيم انتخابات رئاسية بمرشح واحد، بعد الانسحاب في آخر لحظة لستة مرشحين من مجموع سبعة، تم قبولهم بعد استيفائهم الشروط الدستورية المطلوبة. وهنا، نجد أن هناك خطأ في التقدير للسلطات المكلفة بتنظيم الانتخابات، والذي سيؤثـر سلبا على الأحداث المتلاحقة في البلاد. وفي الواقع، حتى شكلية بناء المؤسسات تم التراجع عنها وإعادة النظر فيها، وبدل أن نسير قدما إلى الأمام، عمدنا للعودة إلى الوراء.
إننا نشهد منذ نهاية سنوات التسعينيات إرساء نظام شمولي يعبر عن نفسه من خلال قناتين، الأولى على مستوى السلطة التنفيذية والثانية على مستوى البرلمان. ففي حالة السلطة التنفيذية، نشهد تسلطا يتم التشهير له عبر الخرافة والوهم، أي من خلال تبني السلطة باسم المثل والمبادئ السامية، مثل الحرية والمساواة وتقاسم الرخاء. وبعد التعبير عن ذلك، سرعان ما يتم القيام بعكس الوعود المقدمة. ونفس الأمر ينطبق على الديمقراطية المباشرة، بواسطة فرض الرقابة على المعلومة والصحافة العمومية، وإضعاف الحكومة والبرلمان، ورفض الاستماع الى مؤسسات تقوم بدور الوساطة مع السكان واستخدام موارد الميزانية بصورة تمييزية بهدف إعادة الانتخاب، خارج أي قواعد لتسيير الموارد العمومية وخرقا لكافة القوانين والتشريعات المتعلقة بالانتخابات.
أما على مستوى البرلمان، فإن التسلط عبر الإجماع المصطنع الذي يجمع فروعا هامة من النخبة الحاكمة والمنتهزين السياسيين الذين يكوّنون ائتلافا ظرفيا دون أي وزن أو ثقل ايديولوجي، ولكنه يسارع إلى إغلاق الباب أمام زملائهم الذين يحاولون إعطاء الدور الذي يخوّله له الدستور.
وعليه، فإن الواقع يبرز مفارقة كبيرة، فالبلد يعرف انسدادا عاما وشللا شبه كامل، في وقت يحوز البلد على قدرات وإمكانات تضمن له الإقلاع الاقتصادي والاستقرار السياسي. وفي الواقع، لم يعش البلد منذ بداية العشرية الماضية في وضع مريح ماليا مثلما يعيشه اليوم، ولم يستفد الحكام من دعم شعبي في بداية الأمر أكثـر مما عرفته بداية المرحلة. ومع ذلك، تعجز الجزائر عن الإقلاع، فهناك من جهة شعب مستعد لأي تضحيات مقابل بصيص من الأمل، لأنه يعيش منذ عشريتين في ظل انعدام الأمن، وركود اقتصادي ومزايدة سياسية. ومن جانب آخر، نشهد راحة وبحبوحة مالية لم يعرفها البلد منذ الاستقلال بمستويات قياسية لاحتياطات الصرف بالعملة الصعبة، وفائض معتبر للميزان التجاري، وانخفاض محسوس للمديونية الخارجية ولنسبة خدمة الديون الخارجية. إلا أنه مع هذه المزايا التي لا يمكن إنكارها، تبقى الجزائر جامدة، ترزح في تأخر اقتصادي وفي تراكم لمشاكل سوء التوظيف أو التشغيل والمشاكل الاجتماعية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/04/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : بقلم: الدكتور أحمد بن بيتور
المصدر : www.elkhabar.com