لا تقتصر مخلفات الاستعمار في المجتمع الجزائري على المجازر ومعطوبي الحرب وضحايا الألغام والقنبلة النووية المفجرة في رقان بصحراء البلاد وغيرها من الفضاعات، ولكن آثاره امتدت إلى ما بعد الاستقلال في شاكلة الألقاب والأسماء المشينة التي تحملها الدفاتر العائلية فعقدّت أصحابها من الجزائريين، رغم مرور أكثر من 55 سنة على استرجاع السيادة الوطنية (1962).
وألصق الاستعمار الفرنسي ألقابا أقل ما توصف بأنّها مشينة ومهينة على العائلات الجزائرية خلال حقبة احتلاله للجزائر (1830-1962)، تتمثل في أسماء حيوانات وأوساخ وأعضاء تناسلية وألقاب تنابز وغيرها.
دفاتر عائلية بألقاب حيوانات وأوساخ
ومن مثل هذه الألقاب التي لا تزال سارية المفعول في المجتمع الجزائري نذكر “بوبقرة” و”بوبلغة” و”حمار” و”الخامج” (الوسخ)، “جحيش” (معناه اسم تصغير للجحش)، “بومعزة”، “معيوف” (ومعناه الانسان العفن)، “بوخنونة” و”خنونة” (المخاط)، “بوجاجة” (مشتق من الدجاجة)، “فرطاس” (الأصلع)، “بومنجل” (مشتقة من أداة يدوية للحصاد المنجل)، “لطرش” (الأصم)، “عقون” (الأبكم)، “جرو” (اين الكلب)، “بلفار” (من اسم الفأر)، “مجراب” (المصاب بالجرب)ن “جربوعة” (من اسم اليربوع)، “البعبوش” (النملة)، “بهلول وبهلولي” (الأبله)، “وشن” كلمة قبائلية وتعني الذئب)، “بلغراب”..وألقاب أخرى “حقيرة” وغير أخلاقية لا يمكن ذكرها كان القصد من وراء إطلاقها هو إهانة الجزائري.
عبء ثقيل نفسي واجتماعي وأخلاقي
اليوم وفي ظل الاستقلال والحرية لا يزال تأثير الاستعمار في هذا الجانب باديا بصورة كبيرة فتركت هذه المصيبة نتائج سلبية نفسية واجتماعية على الملقبين بهكذا أسماء، بل جرتهم إلى أروقة المحاكم من أجل تغييرها بألقاب حسنة وطيبة تفاديا للإحراج وتخلصا من هذا العبء الذي لازمهم لأكثر من نصف قرن ما شكل لبعضهم أزمات وعقد نفسية وأخلاقية جراء استهزاء وسخرية المحيط بهم كلّما سمعوا ألقابهم.
مشهد من الجزائر العاصمة
وبالرغم من أنّ وزارة العدل الجزائرية قد عالجت ملفات كثيرة تفوق الثلاثة ألاف ملف يتعلق بالألقاب والأسماء المشينة وطلب تغييرها، إلا أنّ الهاجس هو التأخر والكم الهائل من الألقاب والمقدر بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف في ظل غياب إحصاءات دقيقة، فعلى سبيل المثال عند تصفح جريدة محلية معينة تجد في ركن الإعلانات التالي: “تعلم عائلة كذا وكذا.. عن تغيير لقبها العائلي إلى كذا وكذا” وطبعا بعد المرور على المحكمة والفصل وتغيير اللقب وذلك بهدف التشهير للقب الجديد ومحو غصّة لقب الماضي.
قانون فرنسا الذي “حيون” الجزائريين وأساء لهم
ومن هذا المنطلق عملت فرنسا الاستعمارية على طمس هوية المجتمع الجزائري، على مستوى كافة الجوانب، الثقافية والدينية والعادات والتقاليد، بالتغريب ومحاولة تغييب العربية والإساءة للعائلات من خلال إطلاق ألقاب مشينة تقوم على التحوير في الكلمات واللهجة لا غرض منها سوى إذلال وإهانة الشعب من خلال استعمال مصطلحات مسيئة ودنيئة ما تزال إلى اليوم كشبح يطارد صاحبه.
فرنسا أصدرت قانون الحالة المدنية يجبر الجزائريين على حمل ألقاب مشينة
وما يؤكد ذلك هو أنّ فرنسا أصدرت في الـ23 مارس/أذار 1882 قانونا يجبر الجزائريين على حمل ألقاب وأسماء قبيحة وغير أخلاقية ومن يرفض حكم عليه بالموت والتعذيب، فكان العمل يقوم على تحوير وتحريف أسماء الحيوانات مثلا بقرة يصبح اللقب من خلالها “بوبقرة”، “دماغ العتروس” (رأس الجدي)، مثل قردود (تصغير لإسم قرد)، أو بالنظر إلى حجم الشخص أو لكبر عضو من جسمه فمثلا “بوراس” (مشتقة من الرأس وتعني صاحب الرأس الكبيرة)، “بوكراع” (صاحب الرجل الكبيرة)، أو أخرى قصد التقليل من قيمته في المجتمع ولو انّ هذا غير صحيح مثل “كنّاس” (منظف) أو “بوشاقور” (الفأس)ـ “لعور) أو “لحول” (شخص ضئيل النظر)، “العايب” (معاق)..وغيرها من الأسماء المسيئة المخجلة والمحرجة عند أصحابها.
سعد الله: الجنود الفرنسيون اختاروا للجزائريين أسماء على هواهم إذلالها وعقابا
وفي السياق يقول الباحث في التاريخ فوزي سعد الله إنّه “لما جاء المحتلون الفرنسيون إلى الجزائر، باشروا بعقود وضع الحالة المدنية”.
وأضاف سعد الله في تصريح لمجلة “ميم”: ” واستغلوا العملية لتفكيك وحدة القبائل بتقسيمها إلى ألقاب عائلية متباينة مما يضعف الروابط وتصبح العائلات تعرف بعد جيل أو اثنين أو ثلاثة أنها من أصل واحد”.
وتابع المتحدث: “وهكذا تتفكك قوة القبيلة وتُفكك قوتها المقاوِمة، اليوم نجد الكثير من العائلات تقول إن لقبنا كذا وكذا لكننا ننتمي إلى نفس العائلة التي تحمل لقب كذا وكذا..فقط الألقاب تغيرت”. وأشار صاحب كتاب “الشتات الأندلسي” أنّه “ أحيانا لا يعرفون أصلا لماذا وكيف ومتى ومَن الذي تسبب في هذا التباين في ألقاب العائلة الواحدة وإبعاد بعضها عن بعضها الآخر”.
واعتبر المتحدث أنّ هذا الوضع “رافق إدخال نظام الحالة المدنية خلال النصف الثاني من القرن 19م وتغيير الألقاب أجبر عائلات برمتها على أخذ لقب عائلي رسمي يختاره لها الجنود الفرنسيون على هواهم تحقيرا وإذلالا واستخفافا وحتى عقابا في حالات معينة لمقاومين للاستعمار”.
ولم يخف المتحدث أنّه في هذا الإطار ظهرت ألقاب مشينة هي في الحقيقة -على حدّ تعبيره- أسماء حيوانات أو أعضاء تناسلية أو شتائم وغير ذلك. وحسبه بهذا إضطرت الكثير من العائلات بعد استقلال البلاد لأن تتخذ إجراءات قضائية لتغيير ألقابها التي تخلق لها الكثير من الحرج”.
أزيد من 3550 جزائري غير لقبه في ظرف 3 سنوات
والجدير بالذكر أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد أصدر في الـ30 أكتوبر/تشرين الأول من 2016 مرسوما رئاسيا يتعلق بتغيير الألقاب. وجاء في المرسوم أنّ رئيس الجمهورية سمح بتغيير مجموعة من الألقاب لعائلات عديدة.
وذكر المرسوم بعض الألقاب المسيئة والمشينة منها “جرو عيسى”، “بوعلة” باللهجة الجزائرية وتعني “المرض” و”قعر المثرد “أي “قاع الصحن” و”بولوسخ” ومعناه” الوسخ” أو “القذر”..إضافة إلى عدّة ألقاب أخرى أراد أصحابها استبدالها بألقاب أخرى مناسبة وحسنة.
ووفق تصريحات سابقة نقلتها وسائل إعلام محلية عن وزير العدل الجزائري الطيب حافظ الأختام فإنّ الألقاب المشينة لا تسمح بها الدولة تلقائيا باعتبارها مرتبطة بأصحابها ولا يتم ذلك إلا بموجب إجراءات قانونية وقضائية إلى غاية صدورها في الجريدة الرسمية التي تصدر بصفة مستمرة مراسيم عن عائلات غيرت ألقابها من لقب مشين إلى لقب محسّن ولائق.
وبلغ عدد الجزائريين الذين غيروا ألقابهم المشينة إلى ألقاب لائقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة (2016-2015-2014) أزيد من 3550 شخص.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/05/2019
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
صاحب المقال : الجزائر/حسام الدين ربيع/ميم
المصدر : مجلة ميم