الجزائر

فيما يزور لافروف دمشق الثلاثاء القادمروسيا والصين تبطلان مشروع القرار بشأن سوريا




لم يتوان السفير الروسي في الأمم المتحدة لحظة في إخراج ورقة ''الفيتو'' في وجه المشروع الأوروبي ـ العربي الخاص بإيجاد مخرج لتفاعلات الأزمة السورية منفذا بذلك تهديدات وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي استبق عملية التصويت بالتأكيد أن موسكو ترفض كل قرار أممي يدين النظام السوري.
وكما كان متوقعا، فقد اصطدم مشروع القرار العربي ـ الغربي المعدل حول سوريا بالفيتو الروسي ـ الصيني مما أعاد اللعبة الدبلوماسية إلى نقطة البداية وبما يمدد في عمر الأزمة في هذا البلد بالنظر إلى استحالة إيجاد ارضية توافقية بين مواقف متباينة حد التنافر.
وأصيبت العواصم الغربية والعربية الداعمة لنص مشروع القرار بخيبة أمل حقيقية وهي التي كانت تعتقد في إمكانية تمرير النص بعد التعديلات الجوهرية التي قبلت إدخالها عليه بعد أن ألغت البند الخاص بتسليم الرئيس بشار الأسد لكل صلاحياته لنائبه وتشكيل حكومة انتقالية لإدارة الشأن العام السوري إلى غاية تنظيم انتخابات نيابية جديدة.
والانتكاسة الدبلوماسية الغربية تعود بالأساس إلى كون مشروع النص الجديد جاء بعد ولادة قيصرية وبعد أن أكدت الدول العربية أنها لن تقبل بأكثر من تلك التنازلات التي قدمتها إرضاء لروسيا والصين وحتى تضمن انسحابا يحفظ ماء الوجه بالنسبة للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد تماما كما حدث مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وأيضا بسبب انحصار البدائل في ''معركة'' التعاطي مع وضع ما انفك يتأجج في أفق غامض استحال فيه على السلطات السورية حسم الموقف لصالحها وفي وقت عجزت فيه المعارضة في تغليب كفة ميزان المواجهة والضغط إلى جانبها رغم مرور قرابة أحد عشر شهرا عن اندلاع المواجهات.
ولكن المنفذ الوحيد الذي يمكن أن يكون متنفسا لإيجاد مخرج لهذا المأزق الزيارة التي ينتظر أن يشرع فيها وزير الخارجية الروسي إلى دمشق يوم غد لمطالبة الرئيس السوري بالشروع في إصلاحات سياسية جذرية ربما تكون منقذا له من هاوية السقوط التي آلت إليها الأنظمة التونسية والمصرية والليبية وأخيرا اليمنية.
وهو ما أكدت عليه وزارة الخارجية الروسية مباشرة بعد رفع ورقة حق النقض، بما يؤكد أن موسكو أرغمت على إخراج هذا الحق ربحا لبعض الوقت ومنحها مهلة للتحاور مع النظام السوري حول ما يجب القيام به إن كان يريد فعلا الإفلات من عقاب شارع سوري لم يشأ التوقف عن مطالبه برحيل الرئيس الأسد وكل نظامه.
وتدفع زيارة سيرغي لافروف إلى دمشق إلى طرح الكثير من التساؤلات حول طبيعة الضغوط التي سترفعها موسكو في وجه دمشق وهي التي لم تعد تحتمل الضغوط الدولية الممارسة عليها وإلى أي مدى يمكن للرئيس بشار الأسد أن يرضخ لتلبية مطالب الجامعة العربية؟
ولكن السؤال الذي يبقى بمثابة لغز قائم هو إلى أي مدى يمكن للتنازلات السورية أن ترضي معارضة سورية جعلت من رحيل الرئيس الأسد في أعلى سقف مطالبها واعتبرت كل تراجع في موقفها بمثابة تخاذل ونكران لأرواح ستة آلاف شهيد الذين سقطوا إلى حد الآن في مختلف المدن السورية.
وهو موقف إن هو تكرس، حتى بعد زيارة رئيس الدبلوماسية الروسي إلى العاصمة دمشق فإن الإصلاحات التي سيعلن عنها الرئيس بشار الأسد بإملاءات روسية ستكون عديمة الجدوى في وضع امني وسياسي لم يعد يحتمل وحصيلة القتلى ما انفكت تسير في منحناها التصاعدي.
وضعية انسداد تجعل وعود رئيس الدبلوماسية الروسي بإحلال الاستقرار في سوريا ضربا من الخيال وحينها ستجد موسكو نفسها في وضع حرج وقد تضطر على إثرها إلى تغيير موقفها لان صمود روسيا على مواقفها المبدئية دفاعا عن حليفها السوري قد ينعكس سلبا على صورتها بسبب حسابات مصلحية بأبعاد استراتيجية.

استخدمت روسيا والصين أمس السبت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار عربى-أوروبى بشأن سوريا للمرة الثانية منذ أكتوبر 2011 ويدعم مشروع القرار خطة للجامعة العربية تطالب بتغيير النظام . وكانت روسيا هددت باستخدام حق النقض ضد النص لأنه يؤيد بصفة غير مباشرة دعوة الجامعة العربية لتخلي الرئيس السوري عن صلاحياته لفائدة نائبه.
وفي الصيغة الجديدة لمشروع القرار لا يطلب مجلس الأمن الدولي صراحة تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة ولا يشير إلى أي حظر على الأسلحة أو عقوبات جديدة على سوريا لكنه ''يدعم بشكل كامل ... قرار الجامعة العربية الصادر في 22 جانفي 2012 بتسهيل عملية انتقال سياسي يتولاها السوريون أنفسهم''.
وكانت روسيا وجدتنفسها محاصرة دبلوماسيا في كيفية التعامل مع تطورات الأوضاع في سوريا وخاصة منذ الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي وما شهده من عمليات شد وجذب بينها وبين الدول الغربية على خلفية تعارض موقفهما على خلفية استصدار قرار جديد ضد النظام السوري.
ويبدو أن البدائل المتاحة للدبلوماسية الروسية ما انفكت تتقلص وخاصة منذ أن تحركت الجامعة العربية في غير الاتجاه الذي كانت تريده موسكو وراحت تؤيد إجراءات ردعية ضد نظام الرئيس بشار الأسد لإرغامه على التنحي وفق السيناريوهات التي عرفتها البلدان العربية التي اجتاحتها رياح التغيير العربي.
ولا يمكن إخراج زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق الثلاثاء القادم بالحاح من الرئيس ديمتري ميدفيديف عن سياق الوضع الذي وجدت فيه روسيا نفسها وقد تأكدت أنها لا يمكن أن تصمد لأطول مدة في ظل الضغوط الدولية الممارسة عليها من اجل تليين موقفها باتجاه إحداث تغييرات جذرية في طبيعة النظام السوري.
والمؤكد أن لافروف الذي سيكون مرفوقا في هذه الزيارة الاستثنائية برئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسية ميخائيل فرادكوف سيطلع الرئيس السوري بحقيقة الوضع وما يجب على دمشق فعله وما يجب على موسكو بذله من جهود من اجل تفادي الوقوع في بديل تغيير النظام من أساسه كما تريد ذلك الجامعة العربية ومعها الدول الغربية.
والمؤكد أيضا أن السلطات السورية تدرك قبل أي طرف آخر أن حليفها الروسي يخضع لسيل من الضغوط وان ثباته على مواقفه ليست مؤكدة على اعتبار أن كل موقف لموسكو يجب أن يراعي معادلة الربح والخسارة في رهان يبدو أن النظام السوري غير قادر على المحافظة عليه في ظل إصرار المحتجين السوريين الرافضين لكل تراجع عن حراكهم رغم مرور عشرة أشهر كاملة منذ اندلاعه منتصف شهر مارس من العام الماضي.
كما أن تبني السلطات السورية لخيار ''الكل الأمني'' لإسكات صوت المعارضة بذريعة أنهم جماعات إرهابية لم يعد يقنع حتى السلطات الروسية وخاصة في ظل سقوط قتلى من الأطفال والنساء في عمليات عسكرية تشارك فيها الدبابات الحربية.
 وربما هو ذلك الذي افقد موسكو ورقة إقناع  هامة كان يمكن أن ترفعها في وجه الدول الغربية من اجل التعامل مع الوضع السوري بمنطق مغاير لما حدث في الدول العربية الاخرى.
وجاء مقتل أكثر من 200 مدني في مدينة حمص وحدها ليلة الجمعة إلى السبت ليزيد من متاعب موسكو الدبلوماسية وقد فقدت قرائن الدفاع عن حليفها باستعمال ورقة الجماعات الإرهابية التي فقدت كل معنى لها بحكم التجربة التونسية والليبية.
ورغم أن روسيا أكدت أن كل تصويت على مشروع قرار جديد ضد سوريا أمس يعتبر فضيحة وأنها لن تزكيه بقناعة انه لا يتماشى مع ما كانت تريده وهي تلميحات تؤكد أن موسكو وجدت نفسها فعلا محاصرة دبلوماسيا في مجلس الأمن الدولي وخاصة إذا علمنا أنها لا تريد الوصول إلى تنفيذ تهديدها برفع ورقة حق النقض في وجه المشروع العربي-الغربي لأن نتائج ذلك ستكون عكسية وتضر بالدبلوماسية الروسية وخاصة في ظل سقوط المدنين السوريين على أيدي قوات الجيش السوري في معادلة تصور موسكو وكأنها غير مكترثة بسقوط قتلى مدنيين أمام الإبقاء على مصالحها في دولة تبقى اكبر حلفائها في كل منطقة الشرق الأوسط.
وأدرك المجلس الوطني السوري المعارض درجة الحرج الروسي وهو ما جعله يحث موسكو على إدانة النظام السوري وتحمليه المسؤولية المباشرة في كل ما جرى لأنه يعي جيدا أن روسيا التي تسعى لأن تكون نموذجا في الديمقراطية ستجد نفسها محرجة في الدفاع على نظام يقتل المدنيين.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)