النهضة تفوز ب40 بالمئة من الأصوات ومدير ''المستقلة'' يحدث مفاجأةأمسك الإسلاميون بمداخل المجلس التأسيسي في تونس بفوزهم بأغلبية مقاعده. واتجه الديمقراطيون إلى الشارع للاحتجاج على ''صناديق الانتخابات'' التي منحت النهضة أكثر من 40 بالمئة من الأصوات، فيما تجرعت أحزاب التيار الديمقراطي هزيمة قاسية، و''ذبحت'' النتائج عددا كبيرا من الشخصيات السياسية المعروفة التي فشلت في عضوية المجلس.
فازت حركة النهضة بثلث مقاعد المجلس التأسيسي في تونس البالغ عددها 217 مقعدا، بعد ظفرها بأكثر من 40 بالمئة من أصوات الناخبين، وبرغم ذلك ستحصل النهضة على 60 مقعدا فقط، حيث لا يسمح قانون النسبية الذي تعتمده تونس لأي حزب بالفوز بأكثر من 30 بالمئة من المقاعد، وتحتاج النهضة إلى تحالف طفيف من أجل تشكيل الحكومة.
وأجّلت الهيئة المستقلة للانتخابات الإعلان عن النتائج الرسمية إلى صباح اليوم الثلاثاء، غير أن النتائج الأولية كشفت فوز الحركة بتسعة مقاعد من بين 18 مقعدا مخصصة للجالية التونسية في الخارج، وفوزها بأكثر من 40 بالمئة من أصوات الناخبين، يليها حزب ''المؤتمر من أجل الجمهورية'' بنحو 15بالمئة، ثم ''التكتل من أجل العمل والحريات'' بنسبة تصل إلى 12بالمئة، فيما أحدثت قوائم المستقلة ''للعريضة الشعبية'' التي يقودها الهاشمي الحامدي مدير قناة المستقلة مفاجأة كبيرة بحصولها على نسبة متقدمة تقارب ال10 بالمئة. وسجل ''الحزب التقدمي الديمقراطي''، الذي يقوده مرشح الرئاسة السابق نجيب الشابي، وتكتل القطب الديمقراطي الذي يضم 11 حزبا سياسيا، وكانا مرشحين للرتبة الثانية بعد النهضة، هزيمة قاسية، وتقهقرا إلى المرتبة الخامسة والسادسة. واعترفت هذه الأحزاب بهزيمتها، وعلقت الأمينة العامة ل''الحزب الديمقراطي التقدمي''، مية الجريبي في تصريح ل''الخبر'' على النتائج بقولها ''هذه قواعد الديمقراطية، وعلينا أن نقبل الصندوق، وسنكون في المعارضة''. وقال جنيدي عبد الجواد، المنسق العام لتحالف ''القطب الديمقراطي الحداثي'' ل''الخبر'' إن ''النهضة نجحت في تسويق خطابها. لكننا رغم ذلك مصرون على مواقفنا في محاربة مشروعها''.
وفشلت شخصيات سياسية أخرى معروفة في الحصول على عضوية المجلس، كمنصف المرزوقي رئيس حزب ''المؤتمر من أجل الجمهورية''، كما سقطت مرشحة ''التكتل من أجل العمل والحريات'' شرى بالحاج حميدة، ولم يتمكن رئيس ''التكتل من أجل العمل والحريات'' مصطفى بن جعفر من الفوز، كما فشل زعيم ''القطب الديمقراطي الحداثي'' أحمد ابراهيم، الذي قاد حملة دعائية ضد النهضة في الانتخابات، وسقط أيضا المحامي عبد الناصر العويني صاحب العبارة الشهيرة ''بن علي هرب''، فيما نجا رئيس حزب ''الديمقراطي التقدمي'' أحمد نجيب الشابي، وحصل على مقعده.
وقبيل إعلان نتائج الانتخابات التي فاقت نسبة المشاركة فيها ال90 بالمئة، احتج عشرات التونسيين، أمس، وتظاهروا أمام مقر الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات وأمام المركز الإعلامي. وقال مكرم خمار، الداعي إلى المظاهرة، ل''الخبر'' إنه ''يرفض النتائج، وأن النهضة لا تمثله، ونتائج الانتخابات مؤامرة ضد الشعب التونسي''. فيما دعا نشطاء على الفايسبوك للتظاهر، غدا، في العاصمة تونس ومدن أخرى، احتجاجا على ما اعتبروه ''تجاوزات قام بها مناضلو النهضة، وضغوطات على الناخبين، أدت إلى فوز الحركة، وعدم معاقبتها على هذه التجاوزات''.
ليلة في مقر النهضة على أنغام موسيقى بيتهوفن
النهضة.. من حزب ''ديني'' محظور إلى حزب ''حداثي'' يكتسح الصناديق
موسيقى بيتهوفن تملأ المكان وموسيقى مارسيل خليفة وأميمة الخليل. نحن في مقر أكبر حزب إسلامي في تونس، حركة النهضة الكبير والواقع في حي ''مونبليزير'' الراقي. والأضواء المبهرة، كما في احتفالات الأحزاب العريقة، تلون ليلة يحضر فيها النهضويون الذين رفعوا شعار ''أوفياء.. صادقون''، للاحتفال بانتصار الحركة في أول انتخابات حرة تشهدها تونس منذ ثورة الياسمين. وبعيدا عن الأناشيد والشعارات الدينية التي قد تزيد من مخاوف التونسيين من ''الأصولية'' تعمدت قيادات النهضة اعتماد ''بريستيج رفيع''، يعطيها مسحة ''الحداثة والعصرنة على الطريقة التركية''.
لم تنتظر حركة النهضة إعلان النتائج لإطلاق الاحتفالات بفوزها الكاسح في انتخابات المجلس التأسيسي، حتى الساعة الثانية صباحا. وكان عشرات الصحفيين، من كل دول العالم، والمئات من مناضلي الحركة والمواطنين قد تجمعوا أمام مقر النهضة. كانت الأجواء انفعالية داخل الخيم التي أقامتها الحركة لضيوفها ومناضليها في هذا ''البريستيج الرفيع'' الذي أقامته الحركة، وبمشهد ''حداثي وعصري''، سواء من حيث التنظيم أو الديكور، وحتى كيفية تجهيز المنصة التي ستلقى منها كلمة الحركة، كان على مستوى كبير من ''العصرانية''، لم تبلغها الأحزاب السياسية في الجزائر، برغم طول تجربتها الإسلامية وغير الإسلامية.. كانت تلك رسالة تطمين من النهضة إلى التونسيين، وإلى كل الأطراف الإقليمية والدولية بأنها حزب حداثي ومدني إلى أبعد الحدود، يمسح صورة الحزب الديني المحظور الذي كان نظام بن علي يلصق به تهم الإرهاب والتطرف والتعصب والرجعية، ويخيف به الغرب ودول الجوار.
بالنسبة للنهضويين الذين كانوا يستمتعون ب''نخب الانتصار''، إطارات وقيادات، شباب وشابات، محجبات وغير محجبات، الفوز هو ثمرة الجهد الذي بذلته الحركة، يقول أسامة بن سالم، ابن عالم الرياضيات التونسي منصف بن سالم، مرشح الحركة في حديث ل''الخبر'' إنه ''إحساس جارف بانكسار آلات الدعاية المضادة التي قادتها الأحزاب الديمقراطية ضد النهضة، عندما وصفتها بأنها مشروع رجعي قادم من إيران والسودان، وبالتمويل من الخليج''. بعض قيادات الحركة غلبتها الدموع نتيجة الإحساس بالانتصار على إرادة القهر التي طالت الحركة ومناضليها لفترة زادت على ال23 عاما في عهد بن علي، وما قبله في عهد بورقيبة. ويقول المرافق الخاص والمستشار الإعلامي للشيخ راشد الغنوشي، معاذ لخريج، إن ''الحركة لا تريد أن تسبق الأحداث، ولا تحتفل بانتصارها في الانتخابات، بقدر ما تحتفل بانتصار الديمقراطية''.
في هذه الأثناء كان شباب الحركة يوزعون على الصحفيين ورود الياسمين، وفي الساعة الحادة عشر والنصف ليلا، أطل رئيس الهيئة الانتخابية للحركة كمال الجلاصي على الصحفيين ومناضلي الحركة، ليعلن أن الحركة تمتلك النتائج وهي بصدد عدها. وقبلها كان النقاش محتدما بين قيادات الحركة عما إذا كانت النهضة ستعلن النتائج قبل إعلان الهيئة المستقلة للانتخابات عن النتائج. البعض كان يرى في ذلك خطأ سياسيا قد يحسب ضد الحركة، بأنها استولت على صلاحية الهيئة، أو هو استعراض غير محمود للقوة، لكن البعض أراد أن يرسل رسالة سياسية إلى الهيئة المشرفة على الانتخابات بعدم التلاعب بنتائج الانتخابات او بمحاضرها. وفي التصريح الصحفي تحدث كمال الجلاصي عن ضرورة الاستعداد لمرحلة العمل، ودعا أنصار الحركة إلى الهدوء والاتزان، وأعلن استعداد النهضة للعمل على تحقيق إرادة الشعب التونسي.
وتسعى النهضة الآن إلى إعادة بناء مؤسساتها التنظيمية والسياسية والأهلية، بعد ''انتهاء مرحلة السجون والاضطهاد. وزرع أذرعها في الجامعة وفي النقابات أمر مشروع مادام ذلك يتم في إطار القانون والتنافس الشريف''. والنهضويون يقولون ''نحن نتحرك في تونس وأمام أعيننا التجربة الجزائرية. مهم جدا بالنسبة عدم تكرار أخطاء التجربة الجزائرية، وليس من مصلحة تونس ولا الحركة التصادم مع القوى الحية في المجتمع''.
في أول يوم بعد انتخابات بعد ثورة الياسمين
ترقب النتائج والخوف من المجهول.. ''فوبيا النهضة'' والنكت السياسية
مر أطول يوم في تاريخ تونس، وانطلق قطار الحياة مجددا، لكن اليوم الأول بعد الانتخابات بدا أطول منه، فقد أفاق التونسيون على أخبار انتصار حركة النهضة، لكنهم ظلوا يترقبون إعلان النتائج الأولية على الأقل، وسط موجة من النكت السياسية. ومع ذلك لا يكرس التونسيون كل وقتهم للسياسة والانتخابات، '' فالخبزة '' تتطلب بعضا من الوقت أيضا.
حمل العم صالح صندوقه الذي يحتوي أغراض عمله كماسح للأحذية، وخرج من بيته الكائن بالقرب من محطة برشلونة، وخرج لينصب الصندوق قرب المسرح البلدي وسط العاصمة تونس، كانت الحركة مازالت بطيئة في الشارع، وبرغم عمله المتواضع، لا يستغني العم صالح عن شراء الصحف الصباحية، وعن فتح راديو صغير يرافقه يوميا، للاستماع إلى الأخبار. حين اقتربت منه كان يضع الراديو على أذنه، سألته ''ما الأخبار وهل أُعلن عن النتائج؟''، قال لي ''ليس بعد، أنا صوّت لصالح المرزوقي، لكن النهضة تتجه إلى حسم النتائج لصالحها''.
على طول شارع بورقيبة الذي تنتشر فيه المقاهي السياحية، كما في شوارع مرسيليا ولافاييت ومحمد الخامس وغيرها، تابع التونسيون نتائج الانتخابات أولا بأول، يسألون عن الأحزاب التي تلت النهضة في النتائج، وعن الشخصيات التي فازت، وتلك التي أسقطها الصندوق. وانتقل النقاش في تونس من الأفكار والبرامج والقوائم إلى مستقبل تونس مع حركة النهضة، والخوف من المجهول وعلى الحريات. فالكثير من التونسيين مازالوا يعتقدون أن النهضة تعتمد خطابا متضادا مع قناعاتها، وأنها تختفي وراء شعارات الحداثة والديمقراطية. ويقول الصحفي نجيب عبدي إن النهضة تعتمد خطابا مزدوجا، وقد تتصادم مع مكونات المجتمع المدني.
لكن محمد علي، سائق الطاكسي، يرد على هذه المخاوف بأنها غير واقعية، فيقول ''أنا أعمل في اليوم، وفي الليل أقضي الوقت في الحانة. لا أصلي، والكثير من التونسيين لا يصلون، ومع ذلك صوّت لصالح النهضة''. وتقول كرمة العاملة في شركة ''تونيزيانا''، وهي غير محجبة، ''ارتحنا من الكلام الكثير للمرشحين، انتهت الانتخابات فاز من فاز وخسر من خسر، علينا أن نعود إلى العمل، ونهتم بأنفسنا''. سألتها إن كانت محبطة من فوز الإسلاميين، فقالت ''لا.. ليس صحيحا أنهم سيغلقون الحانات والفنادق، ويطردون السياح.. هذه نكتة''.
وكما في الجزائر تنتعش النكت السياسية في أجواء الانتخابات، وكثير منها وجدت طريقها إلى الشارع التونسي. حيث ينكت البعض في المقاهي بأنه ''على التونسيات أن يحضرن أنفسهم لكثرة الأعراض، لأنه سيبدأ الزواج بأربع نساء''، في إشارة إلى حكم النهضة. ويقول آخر ''حزب التكتل الحر الذي أسسه رجل أعمال، وكان شعاره ''توه''- يعني الآن -، رفع مسدسا ليطالب الناخبين الذين أغراهم بالمال أن يردوا له أمواله- توه -''. وسرت نكتة أخرى تقول إن ''بن علي احتج على عدم تسجيله في قائمة الناخبين في السعودية''.
تقرير الفريق العربي لمراقبة الانتخابات في تونس
''الانتخابات حرة لكن هناك نقائص كالأمية وبعد مراكز الاقتراع والتمييز''
قال علي جري، عضو فريق الملاحظين العرب لمراقبة انتخابات المجلس التأسيسي في تونس، إن الانتخابات التي جرت الأحد الماضي كانت على عمومها حرة ومن دون ضغوطات، لكننا لا نستطيع أن نجزم أنها نزيهة، لا نعلم النتائج.
وقال جري ل'' الخبر'' إن الفريق العربي الذي أرسله مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية سجل جملة من النقائص، بعضها تعود إلى قلة خبرة الإدارة وتنظيم الانتخابات في مثل ظروف تونس، وبعضها يعود إلى النقص اللوجستيكي. وأكد أن 74 بالمائة من التونسيين لم يتمكنوا من التسجيل في القوائم الاسمية للناخبين، إضافة إلى مشكل الأمية في بن قردان والمناطق الجنوبية والداخلية في تونس. موضحا أنه ''في بعض المناطق التي زرناها لاحظنا النسبة الكبيرة للأمية، وهي معاكسة تماما للأرقام التي كان يعلنها النظام التونسي السابق، والكثير من الأميين يعتقدون أن الانتخابات تتعلق بالرئاسيات''.
وأضاف جري الذي يشارك إلى جانبه مصطفى بوشاشي، رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، في عملية المراقبة أنه تمت الإشارة إلى التمييز وفصل الجنسين، وغياب النقل في الريف، وبعد مراكز الاقتراع، وقرب حملات الدعاية من مراكز الاقتراع، ونقص تأطير الكوادر القائمة على تنظيم الانتخابات.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/10/2011
مضاف من طرف : archives
صاحب المقال : '''' عثمان لحياني
المصدر : www.elkhabar.com