لايزال الأكل الصحي من التحديات الكبيرة التي تواجه العائلات الجزائرية؛ لصعوبة الوصول إلى تبنّيه كنمط حياة، أمام حجم الإغراءات الكبير الذي تقدمه محلات بيع الأكل السريع، والتي يمكن القول إنها حلت محل المطابخ المنزلية وحتى ربات البيوت، وكانت وراء عدم القدرة على إقناع الفرد بضرورة أن يأكل ما هو صحي؛ فإن وجدت شخصا يأكل ما هو صحي، اعلم أنه مصاب بمرض ما، أو أنه يتبع الحمية مرغما لا مخيَّرا.بحثت "المساء" في استطلاع للرأي، عن الأسباب التي جعلت ربات البيوت عاجزات عن الوصول إلى تحضير وجبات صحية في المنازل، والتقيد بها، لا سيما أن الأغلبية تعي أهمية الغذاء الصحي، وتعرف ما يسببه أكل الشوارع من أمراض، غير أن الوصول إلى تحضير وجبة صحية، لايزال أمرا غير وارد؛ ليس من حيث تحضيره فقط، وإنما من حيث إقناع الفرد والعائلة عموما، كبيرا أو صغيرا، بضرورة أكله. ولعل من جملة الأسباب الأولى التي اتفقت عليها أغلب النساء، الخروج للعمل الذي كان من أهم العوامل الأولى لتضييع الوجبة المنزلية الصحية.
وحسبهن، كيف يمكنهن الحرص على ما هو غذاء صحي إن كن يأكلن، أصلا، ما هو غير صحي من "بيتزا" و"سانويشات" بصورة يومية حتى وإن حاولن الاعتماد على ما يحضّرنه في المنازل؟ فأحيانا حتى الوجبة لا تكون صحية؛ ما يعني أن الالتزام صعب، بينما أرجعته أخريات إلى ارتفاع تكاليف الحياة، وانخفاض القدرة الشرائية؛ فالأكل الصحي يتطلب التنويع، وهذا الأخير لا يمكن تحقيقه أمام الغلاء المسجل؛ فلا يمكن، مثلا، تأمين اللحوم الحمراء والبيضاء والفواكه بصورة دورية.
كما إن الاكتفاء بتحضير الأطباء النباتية يؤثر على الصحة في غياب التنويع، وبالتالي لا يمكن التقيد به، وتعويد أفراد العائلة عليه؛ لأنه غير مضمون، بينما أشارت أخريات إلى أن أغلب أفراد العائلة يفضلون أكل المحلات، خاصة بعدما أصبحت تحضر الوجبات السريعة في الأحياء، فاستغنى الأبناء عن أكل المطابخ؛ الأمر الذي شجعهم على تجنب الأكل في المنازل، والاكتفاء بما يسوَّق؛ مما دفع ببعض ربات البيوت، إلى تحضير وجبات سريعة في المنزل كتلك التي تباع؛ لحث أفراد العائلة على الأكل في المنزل.
هذه معادلة الأكل الصحي...
ومن أجل تحقيق معادلة الأكل الصحي في ظل كل هذه المتغيرات، قالت المختصة في التغذية الأستاذة لمياء والي: " بوجود فئة كبيرة لا تراعي، تماما، الأكل الصحي بل تبحث دائما عن الأكلات السريعة والمليئة بالمصنّعات، فإن الكثير من النساء يعتقدن أنهن يحضّرن أكلا صحيا، ولكن في الحقيقة هو أكل يشبه في تحضيره، ذلك الذي يباع في المحلات؛ لأن مفهوم الأكل الصحي عندهن خاطئ؛ حيث يستعملن كميات كبيرة من الأجبان والمايونيز والصلصات التي تحضَّر في المنزل، معتقدات أن تحضيرها منزليا يجعلها صحية، ولكن هذا، أيضا، مفهوم خاطئ"، مؤكدة أن "نسبة 10% فقط، تبحث عن تحضير الأكل الصحي في البيت، وتتعلم وتتدرب لتوفير المواد الأولية الصحية، وطريقة طبخ صحي".
من جهة أخرى، أشارت المتحدثة إلى أن الفئة التي تمثل 10 ٪ والتي تبحث أو تهتم بالأكل الصحي من حيث اختيار المواد وطريقة التحضير، لا تفعل ذلك من باب الاقتناع بأهمية الأكل الصحي، وإنما من باب الخوف من المرض؛ إذ تبث الرعب وسط أفراد العائلة، وتقدم أكلا صحيا مرغمة تقريبا، ويقابله أفراد العائلة بالنفور والهروب إلى الأكل السريع لسد الجوع؛ ما يقود هنا، إلى التأكيد على أهمية التوعية حول ماهية الأكل الصحي، الذي يعني أكل كل ما هو متوازن، وبنسبة معتدلة. ويستهدف الصحة العقلية والجسدية معاً، ولا يُنظر إليه على أنه أكل شخص مريض، أو أكلٍ يجنب المرض، وهو المفهوم السائد، والذي يجب أن يتغير.
وحسب المختصة في التغذية، فإن النتيجة التي خرجت بها كانت خلاصة ما تستقبله من أشخاص باحثين عن الأكل الصحي، يجيبون عند سؤالهم عن سر الاهتمام بهذا النوع من الغذاء، بالقول: "بسبب وجود مريض في العائلة" . وأردفت في هذا السياق :"وأكثر من هذا، نجد عند الأمهات فوبيا من الأمراض، خاصة إن وُجدت في العائلة أمراض وراثية؛ لهذا نجد في أغلب الأحيان، حتى الأكل الصحي الذي يتم اعتماده، لا يعطي نتيجة؛ لأنهم يقبلون عليه مكرَهين، أو يبالغون في البحث عما هو صحي، ولأنهم أشخاص يضحون، فيبحثون عمن يصفق لهم؛ لأنهم تمكنوا من رفع تحدي الأكل الصحي حتى وإن لم يرغبوا فيه".
الاقتناع بوجوب تعلم كيفية تحضير الوجبة الصحية والتعود عليها، حسب المختصة في التغذية، في ظل الإغراء الكبير الذي تقدمه محلات الأكل السريع التي تشكل أكبر تهديد للصحة وتُعد عدوة للأكل الصحي، هو العمل، بشكل كبير، على الجانب التحسيسي، وتغيير الذهنيات حول أهمية أن يكون جسدك على الفطرة، وخاليا من السموم، وليس من باب الخوف من المرض، وإنما رغبة في بناء جسم قوامه الغذاء الصحي، وهي مسألة تقول: "لا تتحقق بين ليلة وضحاها، وإنما تتطلب سنوات من العمل عليها ".
مشيرة: "ما ينبغي التأكيد عليه في مسألة الأكل الصحي، أنه لا وجود لمفهوم صحي أو طبيعي أمام ما يُستعمل في إنتاج الخضروات والمواد الغذائية من مبيدات ومواد كيماوية، وإنما المفهوم الأصح هو الأكل على الفطرة، التي تبدأ بتنظيف الجسم من السموم؛ لهذا فإن الحديث في موضوع الغذاء ككل، دقيق. والتعمق فيه يوصلنا إلى أن كل شخص حتى يأكل، لا بد له من مختص؛ لذا لا بد من التدرج في المجال التحسيسي في ظل الذهنية السائدة، التي تبحث عن الحبة السحرية لبلوغ الهدف مباشرة".
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 31/10/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : رشيدة بلال
المصدر : www.el-massa.com