الجزائر

''فن'' الحكم والتأجيل



 تميزت عمليات ترميم واجهة الديمقراطية بالوفاء لتقاليد الحكم. وتكشف مراحل الترميم على قدرة ودهاء في تأجيل كل ما هو مهم.
إن وجود مشاريع قوانين، الأحزاب والجمعيات والإعلام.. يجسد هذه الرغبة في إبقاء الإصلاحات مجرد عمليات ترميم. فالنصوص عبارة عن قرارات تضبط عمل كل طرف.
إن ما يمنع السلطة من إشراك الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين في صياغة مشاريع قوانين، يعدّ سببا يحول دون إقامة تجربة ديمقراطية تعددية تنافسية. فقد تم تجاهل دور الفاعلين، من محامين وإعلاميين وسياسيين، في إثراء النصوص. وتم الاعتماد على الطريقة الكلاسيكية في تعديل نص، حتى يتكيف ولا يتغير. لقد صاحبت عمليات المشاورات انتقادات. ولم يكن النقد من باب رفض التغيير، بل للمطالبة بتغيير فعلي وحقيقي، يعطي للمجتمع سكينة وهدوء.
ويأتي مشروع قانون الإعلام كصورة مصغرة، تعبر عن فلسفة الحكم في الحكم، من دون قيد ولا رقيب، عن طريق الاحتكار والمنع. فالاحتكار معبر عنه من خلال تجاهل حماية حق المواطن في الحصول على معلومة صحيحة، وفي حق الصحفي في الوصول إلى مصادر الخبر، حيث اقتصر دور الصحفي على أداء وظيفة الملحق الإعلامي .
إن العلاقة التي يحددها أي نظام أو حكومة بين حق المواطن في الإعلام وبين حق الصحفي في الوصول إلى مصادر الخبر، هي التي تشكل الرابطة التي تتأسس عليها الاستقلالية وحرية العمل، وأيضا هي الحدود البيّنة التي تميز طبيعة نظام عن آخر. وميزة الأنظمة غير الديمقراطية، أو تلك الدخيلة على الديمقراطية، أنها تحيط نفسها بترسانة من القوانين، تمنع الآخرين من التعرض لمحتوى عملها، أو لمظاهر الفساد، من خلال استخدام الأخلاق و القيم لتبرير المنع. وهذا ما يحدث في الجزائر منذ عقود. النظام لا يريد صحافة، غير صحافة التدليك . ولا يريد من الإعلام غير الدعاية.
والمسؤولية لا يتحملها المشرّع لوحده، لأن التجربة تؤكد بأن المشرّع الفعلي يملي الأفكار على الحكومة، ثم يأتي دور النواب، كل حسب اجتهاده، وحسب إمكانياته، للموافقة بالأغلبية. وسنخطو فعلا خطوة نحو الأمام يوم تسترجع قبة البرلمان صلاحية التشريع، وتسترجع سلطة الرقابة على عمل المؤسسات الدستورية.
فحال النائب هو من حال المحامي والصحفي، ومن حال إطار في حزب أو جمعية. ومطالبته بسنّ قوانين عادلة قد يكون فيه نوع من تجاهل للواقع. كان الأمر سيكون مفاجئا فعلا، لو جاءت مشاريع القوانين لتعبر عن طموحات ذات مصلحة عمومية ـ واجتماعية.
ولهذا، كان الحكم وفيا لتقاليده.. في التأخير والتأجيل.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)