ما أثارته قضية الصفحات الإشهارية التي دفعت من أجلها الدولة ملايين الدولارات لتبييض صورة الجزائر، والدعاية لها في صحف فرنسية وأمريكية وبريطانية وعربية بمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال، يؤكد أننا ما زلنا نعاني أزمة اتصال وتواصل في الداخل والخارج، وبيننا ومع غيرنا، ونعاني أزمة ثقة في النفس تجاه الخارج، وأننا مازلنا لا نفهم العالم وكيف تسير أموره، ولا نفهم أن إعلام السبعينيات لم يعد صالحا في القرن الواحد والعشرين، ففضحنا أنفسنا مع شعبنا ومع غيرنا..
من فكر في الدعاية لإنجازات الجزائر بالكيفية التي قرأناها ولم يقرأها من الأجانب أحد، ومن نفذها بالطريقة التقليدية البدائية، لا يفهم شيئا في قواعد الاتصال والتواصل والإشهار والدعاية، ولا يدرك أن الأمر يتعلق ببلد من حجم الجزائر التي تبقى مطالبة بإرضاء شعبها أولا، وبتبرير مواقفها تجاه أبنائها ثانيا، وليست مطالبة بتبرير وشرح مواقفها للعالم الخارجي، لأن الشعوب هي السيدة وليست أمريكا ولا بريطانيا أو فرنسا.
نملك قنوات تلفزيونية وصحفا وإذاعات وسفارات وعلاقات وكفاءات وطنية وإمكانيات بشرية ومادية، لكننا لم نقدر على الاستثمار فيها، ومازلنا في حضيض أزمة الاتصال الداخلي والتواصل مع العالم الخارجي، ولا نعرف كيف نسوّق صورتنا بأقل تكلفة وبأكثر فعالية، لأننا أوكلنا المهام إلى غير أهلها، ولأننا لم نترك الوزير والسفير والمدير والصحفي يقوم بدوره، بل اعتبرناه قاصرا غير مؤهل، فأصبحت مواقفنا من القضايا الدولية رغم صحتها غير مفهومة، مثلما حدث في موقفنا من الثورة الليبية!
أزمة الاتصال والتواصل الخارجي على مستوى الدولة انعكست على التواصل المؤسساتي الغائب تماما بين مؤسسات الدولة وهياكلها الفرعية وبين المواطنين، لأننا لا نثق في قدراتنا، ونخاف قول الحقيقة ومواجهة العالم الخارجي، ولا نملك القدرة على الإقناع، وفي الكثير من المناسبات نلتزم الصمت فيسود الغموض والإشاعات عوض الحوار والتشاور الاجتماعي بخصوص القضايا الوطنية المختلفة..
أزمة التواصل بين المؤسسات وهياكل الدولة انعكست على الأسر والأفراد في مجتمعنا، فغاب الحوار والتشاور، وغابت المعلومة بين أفراد الأسرة الواحدة، وصار العنف اللفظي والجسدي هو اللغة الوحيدة، وصار الابن غير قادر على مصارحة والده، ولا البنت على النقاش مع والدتها، أما الأولياء فيخفون على أبنائهم ما يعتبرونه أسرارا عائلية، فيدخل الشك ويسود عدم الاطمئنان بين أفراد الأسرة الواحدة، ونغرق في المشاكل الأسرية..
"البلوى إذا عمّت خفّت"، ولكن في الاتصال والتواصل إذا عمّت البلوى والأزمة "غرقت الأمة"! وعندما تخطئ الدولة وتخفق في مهامها، لا تجد الجزائر من يتحدث باسمها ويدافع عن مواقفها وأطروحاتها كلما اقتضت الضرورة، ثم ننتظر الذكرى الخمسين للاستقلال لنشتري صفحات إشهارية في صحف عالمية مقابل ملايين الدولارات.. إننا بذلك لن نكون -للأسف- بحاجة إلى الوزير والسفير والمدير والهياكل والمؤسسات وجامعات ومعاهد تكوين الإطارات والمهنيين، وننتظر الذكرى الستين للاستقلال لنشتري صفحات إشهارية أخرى نخاطب من خلالها الشعب والعالم، ونشرح مواقف الجزائر وإنجازاتها التي تفوق في بعض المجالات إنجازات دول عظمى، ولكننا لا نعرف كيف نُسوّقها، ولا نعرف كيف نتواصل مع الشعب، لأننا لا نقدره ولا نحترمه ولا نخاف منه ولا عليه..
الخلل في التواصل والاتصال الأسري والمؤسساتي؛ الداخلي والخارجي ومع فئات المجتمع، يضاف إلى سلسلة الاختلالات التي ما زلنا نعاني منها مطلع القرن الواحد والعشرين.. عهد شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة التي قربت المسافات وقللت التكاليف وجعلت العالم قرية صغيرة، ولكن عندنا ابتعدت مؤسسات الدولة عن المجتمع وتعمّقت الهوة بينهما، والمؤسف أن الجميع يدركون ذلك ولكنهم يكتفون بمشاهدة الفضيحة تلو الأخرى!!
تاريخ الإضافة : 16/07/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : حفيظ دراجي
المصدر : الشروق 2012/07/15