الجزائر

فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء التاسع والثمانون-



في مدينة الأبيض سيدي الشيخ
فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ
-الجزء التاسع والثمانون-
بقلم: الطيب بن إبراهيم
+ تعليق الصورة
الأب فوايوم: مرحلة الأذان ومرحلة الاعتراف بالخطأ
*اعتراف رئيس الإرسالية بخطأ فكرة الأذان
الاعتراف بالخطأ فضيلة ولو بعد حين وعامل الزمن كفيل بكشف الأمور على حقيقتها وبِتَجلِّي الحقائق بعيدا عن زمن الشباب والاندفاع والحماس والعواطف والمصالح خاصة في عهد الاحتلال الذي انعكست فيه الموازين وكانت الأمور فيه تحسب بحسابات الاستعمار ومنطق القوة والتفوق والمصلحة والتمييز.
وفي مرحلة استقلال الجزائر تحول الليل إلى نهار والعبودية إلى حرية والباطل إلى حق والخطأ إلى صواب وسميت المسميات بأسمائها فالجزائر التي ادّعت فرنسا أنها امتداد لها فيما وراء البحر أصبحت دولة مستقلة كما كانت قبل الاحتلال وأصبحت تسمى بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وكاتدرائية سان فيليب عادت إلى أصلها الأول وتحولت إلى مسجد كتشاوة كما كان الحال قبل الاحتلال وتسمَّت المسميات بأسمائها. وفي عهد الاستقلال عاد منصر إرسالية الأبيض شيخ الخلوة روني فوايوم إلى رشده وزار الجزائر كما زار مدينته الأبيض سيدي الشيخ عدة مرات ولم يتوقف عن زيارتها إلى غاية نهاية القرن الماضي عندما بلغ من الكبر عِتيا وفقد بصره حيث كانت وفاته سنة 2003.
كان عامل الوقت كافيا لكثير من الناس للقيام بمراجعات فكرية بعيدا عن الممارسات الظرفية وهذا ما حدث لعلماء ومفكرين كبار من رجال الاستعمار وكنيسته وكان من بين هؤلاء الأب روني فوايوم رئيس إرسالية الأبيض وصاحب مغامرات المنارة والأذان وهذا بعد أكثر من ستين سنة (60 سنة) حيث اعترف فوايوم ( في كتابه الصادر سنة 1998 ) بالخطأ الذي ارتكبه وقال جملة معبرة : على الإنسان أن يتكيف مع الدين وليس الدين هو من يتكيف مع الإنسان .
عندما يعود الأب روني فوايوم بذاكرته بعد عدة عقود إلى تجربة أذانه بإرساليته في مدينة الأبيض سيدي الشيخ الجزائرية سنة 1934 يحاول في بداية الأمر أن يتشبث ببعض خياراته وأن يبرر خطوات تجربته التنصيرية في مدينة الأبيض سيدي الشيخ خاصة مغامرة الأذان آنذاك قائلا : في الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه في مدينة الأبيض سيدي الشيخ لم يكن استخدام الأذان خطأ في حد ذاته بل محاولة جاءت في وقت مبكر وهذا الوصف الأخير مستمد من إحدى رسائل ماسينيون وجهها إليه سنتوقف عندها لاحقا إنشاء الله. فالأذان في نظره هو ليس ممارسة إسلامية طبيعية ولكنه مجرد تعبير من قبل المجتمع الإسلامي.
Dans la situation ou nous nous trouvions à El-Abiodh utiliser l appel à la prière était non pas en soi une erreur mais une tentative inopportune.
ويواصل رئيس الإرسالية و مؤذنها محاولة تبرير مواقفه بأنه رفقة أستاذه ومنظر إرساليته آنذاك المستشرق لويس ماسينيون كانا محقّين في خيار خطوة الأذان لأن من حق الشعب المسيحي أن يعبر عن إيمانه وحياته الدينية من خلال نداء وبلحن خاص يدعو من خلاله للصلاة.
لكنه في الأخير لم يجد مفراً من الاعتراف بالخطأ الذي وقع فيه معترفا أنه مع مجموعته في حقيقة الأمر لم يكونوا يمثلون شعبا عربيا مسيحيا في مدينة الأبيض سيدي الشيخ حتى يعبروا عن أنفسهم بثقافتهم الخاصة بل مجرد مجموعة دينية بسيطة جدا ( خمسة أشخاص ) تمثل الثقافة اللاتينية الأوروبية :
Mais notre erreur était d oublier qu en fait nous n étions pas un peuple arabe chrétien s exprimant dans sa propre culture.. .
ويواصل الأب فوايوم سرد اعترافاته بالخطأ الثاني الذي وقعوا فيه وهو أنهم نسبوا لسكان مدينة الأبيض ردود أفعال ومواقف خاطئة بسبب رفضهم للأذان بصيغته الكنسية ويرى الأب فوايوم في اعترافاته أن الأمر بالنسبة للمسلم يجب أن لا تُمَسّ طقوسه التي يعبر بها عن صَلاته وإيمانه ولا يمكنه أن يتصور أو يقبل بتعديل أو تكييف طقوسه الإسلامية. وفي الأخير لا مفر لرئيس الإرسالية الأب فوايوم أن يُقر صراحة لا لبس فيها بالأخطاء التي ارتكبها في كل خياراته بالتكيف مع المسلمين بداية من تأسيس زاويته وإطلاق هذا الاسم عليها وتعريب الصلوات وتقليد تجويد القرآن وإلغاء ترانيم المزامير وصولا لبناء منارة ورفع أذان من قمتها. وفي الأخير يقول: ليس للدين أن يتكيف مع الإنسان بل الإنسان هو من يتكيف مع الدين.
Ce n est pas à la religion de s adapter à l homme mais à l homme de s adapter à la religion.
ويبقى هذا الاعتراف بالخطأ خاص بصاحبه بصفته الشخصية وليس حتى باسم إرساليته ولم يرق لدرجة الاعتذار للسكان وما ارتكبه في حق المساس والتشويه والتحريف لشعائرهم الدينية والتحايل عليهم من أجل دوافع تنصيرية وعدم اعتذاره هو جزء لا يتجزأ من جرائم فرنسا وتجاربها المتعددة في الجزائر وعلى رأسها مجازر 8 ماي سنة 1945 وعشرات المجازر الدموية الأخرى وتجارب رقان النووية. وأخيرا وليس آخرا نتمنى أن تعتذر فرنسا يوما ما للجزائريين على جرائمها المتعددة الأشكال والأنواع والميادين وهذا أضعف الإيمان.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)