لماذا يفضل بعض صناع الرأي العام الفرنسي مثل قناة ''فرانس ٢'' سياسة الهروب إلى الأمام بالانغماس أكثر في تزييف التاريخ وتغليط الأجيال. في الشريط الذي روجت له قبل أيام عشية عيد انتصار الثورة التحريرية على الوجود الاستعماري في بلادنا قدمت قراءة كاذبة وملفقة للتاريخ بالقفز مع سبق الإصرار على الحقائق ومحاولة إظهار المحتل والقاتل والسارق والجلاد في ثوب الضحية، باستعمال أضواء السمعي البصري، وبأسلوب لا يختلف عن أساليب ''لاصاص''.
يا له من عار، بعد نصف قرن يسمح بعض المتخصصين في التاريخ لأنفسهم بممارسة الكذب بينما كل الشواهد والشهود والحقائق بالملموس تؤكد بما لا يدع مجالا لغير ذلك بأن فرنسا الاستعمارية مارست جرائم إبادة من تقتيل جماعي وتهجير وحرق للمداشر ونهب للأراضي والأملاك وعنصرية في حق الشعب الجزائري منذ أن اعتدت على بلادنا في ١٨٣٠ وعلى مدى ١٣٢ سنة.
هل هم صحافيون يبحثون عن الحقيقة أم موظفون لدى بقايا وأحفاد المصالح الإدارية المتخصصة صاص؟، ومن ثمة كيف يقبلون بتزييف التاريخ الذي يدين الإدارة الاستعمارية الفرنسية بكامل حكوماتها وجنرالاتها المجرمين من بيجو إلى صالان مرورا بالسفاح بيجار قاتل الأبطال من حاملي رسالة التحرر ومعذب أحرار الجزائر وأغلبهم شبان نهضوا من رماد المقاومات الشعبية ليصنعوا مجدا يبقى رمزا لمناهضة الاستعمار ورفض الاستكانة.
ألا يخجل دعاة الحرية وحقوق الإنسان من تركة أسلافهم وكلها جرائم مسّت حتى عدد من الفرنسيين الذين أدركوا الحقيقة وناصروا القضية العادلة للشعب الجزائري فاغتالوهم أيضا.
هل هو الخوف من التاريخ وحكمه، أم أن أدوات الإدارة الاستعمارية بما فيها الإعلام الخاضع لمخابر تزييف الحقيقة وترويج الأكاذيب باللعب على التفوق التكنولوجي وتراكمات وتناقضات الماضي هي التي تكتب للرأي العام الفرنسي الذي ينبغي أن يطلع على الحقيقة وقبولها. الحقيقة هي أن حكامه استعملوا جيوش بلادهم في احتلال الجزائر بالقوة الحربية وطبقوا ساسة استعمارية عنصرية بالإبادة والتقتيل والنهب والاعتداء الممنهج على الكرامة وضرب عناصر الهوية الوطنية للجزائريين ونشر الأمراض والقيام بتجارب نووية وتطبيق التعذيب بأبشع صوره على الأبرياء واغتيال الرموز الوطنية واغتيال فرنسيين اقتنعوا بأن الجزائر للجزائريين وكامل المخطط الاستعماري بهتان وسيناريو ملفق.
الحقيقة أن القادة السياسيين والعسكريين لفرنسا الاستعمارية مجرمون بامتياز، ويحاكمهم التاريخ عبر الأجيال. فهم من مارس التقتيل والتعذيب ضد الرجال والنساء والأطفال، هم من قصف المداشر بالنابالم المحرم دوليا، والمدفعية الثقيلة والمقنبلات دون تمييز، هم من أقاموا المحتشدات ومراكز التعذيب، هم من اغتالوا قادة الثورة تحت الأسر مثل العربي بن مهيدي الذي قاوم إلى آخر رمق، فلم يتحمل جلادوه إصراره وقوته فشنقوه غدرا مروجين لسنوات ادعاء أنه انتحر، هم من ألقوا بالجزائريين أحياء في نهر السين بباريس نفسها في أكتوبر ١٩٦١، هم القتلة وليسوا أبطال جيش وجبهة التحرير التاريخية، أولئك الأشاوس الذين سحبوا العدو بكل جبروته وخبثه ومؤامراته إلى طاولة المفاوضات في ايفيان السويسرية وألزمته بالحنكة والصراحة والوضوح بقبول حكم التاريخ ومعطيات الواقع على الأرض لوقف إطلاق النار وتقرير المصير، فكان النصر الذي ترسم أمام العالم برمته بتقرير المصير عبر الاستفتاء العلني والشفاف
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/03/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : سعيد بن عياد
المصدر : الشعب 2012/03/18