على إيقاع سياسي محتشم طغى عليه الروتين واجترار حديث العهدة الرابعة وتعديل الدستور، تنقضي سنة 2013 في الجزائر، مثلما بدأت وحال البلد الاقتصادي لازال مشدودا للريع النفطي، وظلت منذ مطلع السنة حادثة "فال دوغراس الثانية" تملأ بصداها فضاءات الإعلام وكواليس السياسة وكأنما الوضع قد توقف عند "مرض" الرئيس بوتفليقة.تنقضي السنة بطموحات أقل مما كان متوقعا على الصعيد السياسي، فالمعارضة التي كانت تتطلع لعهد جديد في الأشهر الأولى من السنة، أملا في أن تدفع الاحتجاجات وسخونة الوضع الاجتماعي، بالسلطة إلى المزيد من التنازلات، وجدت نفسها في نهاية السنة، رهينة حراك محتشم، لم يخرج عن نطاق ما تعيشه السلطة بداخلها من "تجاذبات" كان الأبرز فيها الصخب الإعلامي المتفجر حول العلاقة بين "مؤسسة الرئاسة" و "المؤسسة العسكرية". جمود سياسي وحراك اجتماعيإذا كان عنوان الوضع السياسي الجزائري خلال 2013 هو حديث العهدة الرابعة وتعديل الدستور، فإن للوضع الاجتماعي المتفجر منذ بداية العام، أيضا حضورا لافتا، صنعته بامتياز أسلاك الحرس البلدي، الصحة والتربية ، فئة البطالين والمشغلين في إطار عقود ما قبل التشغيل واحتجاجات ما عرف بشباب الجنوب وكلها انتفاضات من وضع اجتماعي بائس، جعل المتابعين يقولون بأن الجبهة الاجتماعية باتت بمثابة "الرمال المتحركة" تحت أرجل السلطة.فقد شهدت السنة دعوة تنسيقية الحرس البلدي لمسيرة وطنية الجمعة 12 جانفي 2013، ودعت إليها كل ضحايا المأساة الوطنية، استكمالات لسلسلة الاحتجاجات السابقة، ما جعل الداخلية تقرأ ألف حساب لهذه الفئة التي حملت السلاح في وجه "الإرهاب الأعمى" وسارعت لاستكمال سلسلة مشاورات بدأتها مع ممثلي هذا السلك سنة 2011، وانتهت معركة "لي العظم" بين تنسيقية الحرس البلدي والداخلية باتهام الأخيرة لنشطاء نقابيين في السلك ب "متمردين ومسيسين" لا يمكن إدماجهم في سلك الشرطة والجيش، في إطار إجراءات التهدئة، التي أقرتها الحكومة.وبدورها تنسيقية مهنيي قطاع الصحة ومختلف النقابات، شنت إضرابات عنيفة بمختلف المستشفيات وحتى عيادات خاصة ابتداء من 06 ماي 2013، ودامت هذه الحركة الاحتجاجية عدة أسابيع، تكبد المرضى وذويهم الويلات جراء الانتظار وضعف الخدمات الصحية وانعدامها في كثير من الأحيان، وكان الأبرز طريقة تعامل وزير الصحة والسكان إصلاح المستشفيات أنداك عبد العزيز زياري الذي أعلنها صراحة بأنه يرفض محاورة المضربين في مطالب تعجيزية، وقال عن نقابات مؤطة للإضراب بأنها غير شرعية وأنه لا يقبل الحوار معها، وقلما تحدث زياري في أتون تلك الأزمة عن معاناة المرضى ونقص وسائل التكفل بالمرضى وضمان أحسن الخدمات الصحية. سنة العواصف داخل حزبي السلطةوسياسيا لم تكن 2013 سنة عسلا على كل من أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم الأمينين العامين على التوالي لكل من التجمع الوطني الديمقراطي وحزب جبهة التحرير الوطني، فلم يكن أويحيى على نفس القدرة من الصمود أمام العواصف التي اجتازها في الحكومة وفي الحزب منذ سنوات، وأحدث المفاجئة باستقالة غير متوقعة، من قيادة "الأرندي" يوم 03 جانفي ودخولها حيز التنفيذ في 15 من الشهر، بعد الحركة التقويمية التي خاضتها ضده الأمينة الوطنية لاتحاد النساء الجزائريات والعضو في المجلس الوطني للحزب نورية حفصي، والتحقت بها فيما بعد قيادات وازنة، استطاعت أن تجبر الرجل الذي وصف بأنه صاحب القوة والنفوذ في دواليب الدولة على مغادرة الحزب بعد أن قد غادر الحكومة في 03 سبتمبر 2012.فور تنحي أويحيى توجهت الأنظار لما سيفعله (حليفه وغريمه) في "الأفلان" عبد العزيز بلخادم، الذي قاوم حركة تصحيحية انخرط فيها وزراء من الحزب ودامت ما يربو عن سنتين. لينتهي به الأمر في نهاية المطاف إلى مغادرة منصب الأمين العام في دورة فاصلة للجنة المركزية يوم 31 جوان 2013 بفندق الرياض بسيدي فرج بالعاصمة.الأزمة التنظيمية التي هزت أركان ثاني قوة نيابية في البرلمان (الأرندي) بدت وكأن المطلوب فيها هو رأس الحزب وأمينه العام أحمد أويحيى، بدليل أن عديد القيادات التي كانت من حوله، أعادت التموقع من جديد، وعلى رأس هذه القيادات عبد القادر بن صالح الذي أعيد انتخابه ه الأربعاء 9 جانفي، مجدد على رأس مجلس الأمة، لعهدة جديدة تدوم ست سنوات، في أعقاب التجديد النفصي لأعضاء المجلس، بعد الانتخابات المحلية التي جرت يو م 29 نوفمبر 2012، وتعيين الرئيس بوتفليقة لأعضاء الثلث الرئاسي.ونجح رئيس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي السبت 12 جانفي 2013 في كسب رضا المشاركين في أشغال المؤتمر الثالث (الأفانا) بتزكيته رئيسا للحزب لفترة ثالثة، واستطاع بقدرة قادر أن يجتاز عاصفة تنظيمية لا تقل عن تلك التي اعترضت ما حزبي السلطة (الأرندي) و(الأفلان) وزجت بأمينيهما العامين، أويحيى وبلخادم خارج مركز القيادة. عين أميناس..ضريبة الأزمة في مالي بعد مد وجزر في المواقف السياسية والدبلوماسية بين دول الساحل الإفريقي والغرب تتقدمه فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، استقر الأمر على ضرورة تدخل عسكري ضد الجهاديين المرابطين بشمال مالي، فما كان إلا أن وصل جنود فرنسيون وتشاديون مساء الخميس 07 فيفري 2013 إلى اغيلهوك الواقعة على بعد 160 كلم شمال كيدال في أقصى شمال شرق مالي قرب الحدود الجزائرية، حيث أهم معاقل الجماعات المسلحة.هذا الحدث لم يكن وقعه أشد على الجزائر من "القنبلة السياسية" التي فجرها الرئيس وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عندما صرح الأحد 13 جانفي 2013، بأن الجزائر رخصت بالسماح لمقاتلات فرنسية عبور مجالها الجوي لضرب معاقل العناصر الإرهابية الناشطة في مالي، التصريح الذي أثار جدلا لم يكن من السهل على الجزائر ودبلوماسيتها التحكم فيه، وتقديم إجابات مقنعة للرأي العام الوطني، المعتاد على سماع خطاب رسمي يتغنى بالسيادة الوطنية والاستماتة في الدفاع عن حرمة الحدود برا وجوا.ولم تمضي سوى أيام قليلة حتى استيقظت الجزائر فجر يوم يوم الأربعاء 16 جانفي على اعتداء "الموقعون بالدم" بالقاعدة الغازية لتيقنتورين بعين أمناس، وحدث ما حدث من أسر وقتل، قبل ان تنتهي العملية بتدخل عسكري قوي قامت به الجزائر لتطهير المكان من عناصر الجماعة الإرهابية، التي يقودها مختار بالمختار، وربطت عملها بالانتقام من الموقف الجزائري" المتحالف مع قوى الغرب المتدخلة في مالي". كأس بوتفليقة يفيض من الوضع في "سوناطراك"في خطابه الموجه للمركزية النقابية في ذكرى تأميم المحروقات للمصادفة ليوم 24 فيفري، عبر الرئيس بوتفليقة عن سخطه لما عرف بفضيحة "ونطراك2 " وقال بالمناسبة التي تصادف أيضا تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين متحدثا فضائح أكبر شركة اقتصادية جزائرية (سوناطراك) أن هذه الأمور"تثير سخطنا واستنكارنا"، وأنه "في هذا المقام لا يجوز لي أن أمر مرور الكرام على ما تناولته الصحافة مؤخرا من أمور ذات صلة بتسيير شركة سوناطراك". البطالون يخرجون عن الصمتمباشرة بعد أن أخذت فضيحة "سوناطراك" مجراها في التداول الإعلامي والحديث عن متابعة وزير الطاقة السابق والمتورطين في القضية، حتى تفجر الوضع بولايات الجنوب، حيث انتفض بطالون بولايات جنوب البلاد ونظموا يوم 14 مارس، مسيرات طالت أيضا بعض الولايات ورفعت فيها شعارات منددة بالفساد، وبتصريحات الوزير الأول عبد المالك سلال، عندما، وصف الشباب المحتج بالجنوب بأنه"شرذمة".سرقة مجلس قضاء الجزائر وأسئلة الفسادفي سابقة أولى من نوعها تعرض مجلس قضاء ولاية الجزائر العاصمة للسرقة حيث تسلل مجهولون، فجر الجمعة 29 مارس 2013 إلى مجلس قضاء الجزائر العاصمة بنهج فرنان حنفي (الرويسو) وسرقوا منه حواسيب تتضمن معلومات متعلقة بعمل المجلس وملفات ذات صلة بقضايا مختلفة، لم يستبعد أن تكون من ضمنها ملفات فساد قد تكون من ضمنها تحقيقات متعلقة بقضية "سوناطراك".ويوم الجمعة 05 أفريل تعرض مجلس قضاء ولاية وهران لحريق أتى على عديد الملفات وعلب الأرشيف، فكانت ثاني حادثة تعترض مؤسسات قضائية في غاية من الأهمية وفي يوم عطلة، ما جعل المتابع لهذه القضية يؤكد بأن هكذا أفعال لا يمكن أن تكون معزولة بل متصلة بمحاولات "مافيا" الفساد المالي الإفلات من العقاب بأي طريقة. مرض الرئيس..حدث السنة بامتيازتعرض رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، السبت 27 أفريل 2013 على الساعة ال 12 و30 دقيقة لنوبة اقفارية عابرة ونقل نهاية ظهر اليوم نفسه إلى باريس لإجراء فحوصات إضافية وفق توصيات أطبائه المعالجين. هكذا كتبت وكالة الأنباء الجزائرية نقلا عن بيان رسمي.وجاء في هذا البلاغ أن مدير مصلحة الطب الرياضي رشيد بوغربال يشرف على متابعة الوضع الصحي للرئيس ، وقد أعلن أن "الفحوصات الأولية قد بوشرت وينبغي أن يخضع رئيس الجمهورية للراحة لمواصلة فحوصاته"، مطمئنا أن وضعه الصحي "لا يبعث على القلق".وأخذ مصطلح "النوبة الاقفارية" مداه في التداول اللغوي، حيث لأول مرة تتعامل وسائل الإعلام الجزائري وبهذا الحجم مع هذا المصطلح الذي كان المقصود به (الجلطة الدماغية).كما شكلت عودة الرئيس من مشفاه بفرنسا يوم الاثنين 15 جويلية، حدثا بارزا، ووضعت حدا لشائعات ظلت ماثلة في واجهة الصحافة الوطنية والدولية حول حقيقة الحالة الصحية لبوتفليقة.وبقي الوضع الصحي لرئيس الجمهورية، يضبط إيقاع الوضع العام في البلاد الذي دخل في مرحلة انتقالية غير معلنة، حيث الكل يترقب ما سيفعله بوتفليقة بخصوص قرار بقائه في السلطة، أم إعلان تخليه عن الحكم، مع قرب الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، وبدا المشهد وكأن مصير البلد مرتبط بما سينطق به بوتفليقة بهذا الخصوص. تدنيس العلم الجزائري بالدار البيضاء...أدب دبلوماسي مغربي في درجة الصفرعلى الصعيد الدبلوماسي مع المملكة المغربية، طغت واقعة إقدام شاب من جمعية الشباب الملكي المغربي، على اعتلاء مبنى القنصلية العامة الجزائرية بالدار البيضاء يوم أول نوفمبر المصادف للاحتفال بالذكرى ال 59 لعيد الثورة التحريرية، وقام بنزع العلم الوطني من ساريته وإلقائه على الأرض، أمام أعين الأمن المغربي وعلى تصفيق نشطاء في جمعية الشباب الملكي.وزاد الموقف خطورة طريقة معالجته من طرف القضاء المغربي الذي، اعتبر ما حصل حدث معزول يتعلق ب" الاعتداء على مسكن الغير" واصدر حكما "كوميديا" يقضي بالسجن الموقوف التنفيذ لمدة سنة ضد مرتكب هذا الفعل. الخليفة..الحوت الأكبر في شباك العدالة الجزائريةبعد سنوات من التعاطي العقيم مع قضية تسليم الرئيس المدير العام للمجمع الاقتصادي المنهار"الخليفة" أصدرت وزارة الداخلية البريطانية، الاثنين 16 ديسمبر قرارا يقضي بتسليم رفيق عبد المؤمن خليفة للجزائر، وذكرت في بيان لها أن عبد المؤمن خليفة " استنفد كامل الطعون في المملكة البريطانية" بعد أن رفضت العدالة البريطانية الطعن المقدم من قبل دفاع المتهم يوم 3 ديسمبر الجاري، مشيرة إلى أنه "سيتم ترحيله إلى الجزائر في غضون 28 يوما، وهو ما تم فعلا، لكن بوتيرة أسرع مما كان متوقعا.فقد رُحّل المليار دير الفار منذ سنة 2003، إلى الجزائر مساء الثلاثاء 24 ديسمبر 2013، الحدث الذي لم تحط به أية تسريبات، بل حتى على المستوى الرسمي، بدت الأمور هادئة ولا شيئ يوحي بأن "الفتى الذهبي" سيودع أضواء لندن ويقضي ليلته الأولى في عتمة السجن بالجزائر، بعد أسبوع فقط من صدور قرار تسليمه، في انتظار إعادة فتح ملفه القضائي من جديد.أوساط أشارت إلى أن تسليم المتهم الرئيسي في قضية الخليفة، لم يكن يعلم به حتى وزير العدل الطيب بلعيز، الذي صرح من تيبازة في يوم قدوم "الخليفة" بأنه لا يعلم متى سيتم تسليمه. وبدأت التحاليل وقراءات مابين الأسطر، تحاول فهم العبرة والمغزى من حسم مسألة تسليم "الحوت الأكبر" في الإمبراطورية المالية المنهارة للجزائر، في هذا الظرف المشدود إلى استحقاق الانتخابات الرئاسية المنتظرة ربيع العام الجديد 2014.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 29/12/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشروق اليومي
المصدر : www.horizons-dz.com