الجزائر

غَرِيبٌ في مَقْهَى”العرش”



روى لِي أَحَد أعيانِ عَرْشٍ كبيرٍ في الشرق الجزائري نُكْتَةً، هي عبارةٌ عن قصّةٍ واقعيّة، قال:في مرحلةٍ سابقةٍ من التّاريخ، عندما كانتْ العقليَّةُ “العروشيَّةُ” “القبليّة” مُسْتحْكَمَةً،كان أفراد عرشِنا يُشكِّلون كُتْلَةً مُوَحَّدةً لا يُمكن لِأَيِّ غريبٍ على العرش أن يخترقَها، أو تكون له المكانةُ المعنويّة التي يحظى بها أبناء العرش فيما بينهم.. قال الرّاوي: حدَثَ مرّةً أن تزوَّجَ أحدُ الأغراب على العرش امرأةً من العرش، وجاءتْ به الظروفُ ليسكُنَ عندَ أصهارِهِ.. كان ذلك الرجلُ الغريبُ عندما يخرجُ مساءً للجلوس في المقهى، يلاحظ أنّ القوم يعامِلُونَهُ معاملةً سطحيّة، توحي أنّه يبقى دائماً غريباً، مهما حاولَ أن يبذل من مجهودات للاندماج، فقد كان يُبدي كثيرا من القابليّة للتّعايش، لكن دون جدوى، فلا أحد يستطيع اختراق البنيةِ العميقةِ للعرش..مع مرور الوقت، أخذ الأمر يُؤثِّر على معنوياته، وبدأَ الشعورُ اليوميّ بالتّهميش والدّونيّة يتفاقَمُ بداخِلِه، فيُشكِّل لديه أعطاباً نفسيّة.. انتبهَتْ زوجتُه بحسّها الانسانيّ القويّ إلى مُعاناته، حاوَلتْ كثيراً أن تقفَ إلى جانبِه، وأن تُسلِّيَ عنهُ وتُعَوِّضَهُ على الشّعور بالتّهميشِ خارج البيت بالحنان والدِّفءِ العائليِّ، ولكن دون جدوى، لأنّ مبالغةَ الزّوجة في التّعاطف معه كان يُشْعِرُهُ بمزيدٍ من الدّونيّة!.. فقد كان الرّجلُ يريدُ أن يكون له تقديرٌ خارج البيت،وأن تكون له مكانةٌ في الشّأنِ العام لكي يَشعُرَ بمكانته عند زوجتِه في البيت، فهذه من تلك..بعدَ مُدّةٍ، لاحظتْ الزّوجةُ بحكمتها، أن لا جدوى من الحلول الدّاخليّةِ النّاعمةِ للمشكلة، فأرادتْ أن تنقُل القضيّةَ إلى الرّأي العام، وأن تنتقل إلى منطق الهجوم للمعالجة الحاسمة للمعضلة، فقالتْ لزوجها: غداً، اخرُجْ إلى المقهى، اترُكْ المقهى حتى يكون ممتلئاً عن آخره، وادْعُ النّادل من بعيد، بصوت مرتفع فيه شيءٌ من الاحتقار له، قل له: احضر لي قهوةً، حتّى اذا جاءك بها، تَذَوَّقْ منها قليلاً، ثمّ افتعِلْ غضباً شديداً،وأَفْرِغْ الفنجانَ على وجه النّادل، وقُلْ له بعنف: أهذه قهوةٌ تُحضِرها لي؟ ماذا تحسبُ نفسك؟ ألا تعرف بأنّني صِهْر عرش “بني…”؟ فأنا من أعيان عرش “بني…” من جِهَة “مَرْتِي!.. قال الرّاوي: من ذلك اليوم أصبح ذلك الرجلُ يُطيلُ الجلوسَ في المقهى!..وأضاف: وأصبح موضوعاً للتّندّر والنُّكتة!..لسْتُ أدري لماذا أتذكّر هذه القِصَّةَ دائماً، عندما أرى بعض المترشّحين للانتخابات يُزايِدون على بعضهم في ذكر الأسباب التي تَجعلُهم أكثر تمثيلاً للشّعب الجزائري، أو أقرأ لبعض المُثَقَّفين وهم يقتطعون بعض النّصوص من سياقاتها السّابقة للدّلالة على بطولاتهم التّاريخيّة في النّضال..ولله درُّ القائل:إذا اشْتَبَكَتْ دُمُوعٌ في عُيُونٍ.. تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَى


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)