الجزائر

غياب المجلات.. إهانة في حق صورة الجزائر وتاريخها ونخبتها



غياب المجلات..               إهانة في حق صورة الجزائر وتاريخها ونخبتها
يجب قولها بصراحة نيئة: لم يعد هناك، ومنذ بداية الثمانينيات إلى الآن، من مؤشر واحد على ظهور إرادة سياسية لدى الهيئة التشريعية ـ التي تصوغ الأهداف لمختلف الاستراتيجيات للنهوض بمصالح الدولة الجزائرية في الميدان الثقافي والأدبي والفني. ولا للحكومة، المسيرة لشؤون الدولة، طرف عين على أهم واجهة ثقافية وأدبية وفكرية تشكلها مجلة. كما لا بد من إعلانها بأسف: لم تبد الوصاية يوما، ومنذ بداية التسعينيات، نية واضحة وصادقة في الحفاظ، على الأقل، على بقايا مجلتين خرج من بين صفحاتهما، في عهدهما المزدهر، خيرة الشعراء والقصاصين والروائيين والنقاد والكتاب الجزائريين: مجلة "الثقافة"؛ التي كانت تمثل النزعة الكلاسيكية ـ والتي يمكن وصفها سياسيا بالمحافظة. ومجلة "آمال" ذات النزعة الحداثية منذ نشأتها على أيدي كتاب سبقوا زمنهم الجزائري في استشراف تلك الحداثة. وستبلغ، مع هيئة تحرير مكونة من جيل سبعيني شاب وقتها، ذروة تلك الحداثة من حيث الموضوعات والنصوص والحوارات ومن حيث الأنفوغرافية والتزايين. وكلتاهما صادرة عن وزارة الثقافة في أبهى ما كانت تسمح به ظروف النشر وقتها. وتوزعان بشكل يكاد يكون منتظما عبر الجزائر كلها إلى أقصى نقطة فيها. فقد كانتا، بالنسبة إلى جيل بأكمله، ما تمثله الآن وسيطة الفايسبوك؛ ولكن في عالم واقعي ورقي. ومن ثمة صارتا محكمتين، فعلا؛ لاعتمادهما على صرامة في انتقاء ما هو قابل للنشر. فكانتا، بذلك، تكملان، وبشكل جميل، مفاصل ملمح الجزائر. بل وتقدمان عنها، إلى الآخر، صورة للطاقة الخلاقة التي يتمتع بها المثقف الجزائري وقتها.  فما الذي، إذاً، حال دون أن تستمر المجلتان في الظهور بشكل دوري منتظم؛ مع هذه الوفرة المالية الهائلة بالنسبة إلى تمويل مجلتين اثنتين للربط بين الكتاب وبينهم وبين قرائهم، ولتسويق صورة ثمينة من صور الجزائر؟ أجازف بظني أن الأمر يعود إلى أن الإدارة الوصية، خاصة، تتجنب أن تتورط مع هيئات تحرير؛ لا بد أنها تشعر بنفسها عاجزة عن ممارسة الرقابة عليها في زمن "الانفتاح" الإعلامي والسياسي والثقافي (هناك في دواليب النظام من يرفع صوته عاليا: كيف نصرف على هؤلاء الشذاذ ـ يعني الكتاب والمثقفين والإعلاميين الأحرار ـ من المال العمومي ما يحولونه إلى وسائط اتصال لشتمنا وزعزعة استقرارنا؟) إنه خوف حقيقي من تكتل النخبة ضمن دورية كمجلة شبه متخصصة تعنى بالفكر والأدب والفن. وإن هي توصلت إلى تنصيب أفراد يشتغلون تحت الطلب فإن النتائج، كما أظهرت التجارب، كانت محزنة.  كما أن الوصاية متنازلةً لضغط اللوبيات اللغوية والثقافية، تختار سياسة "على وعلى أعدائي": الأفضل أن لا تكون أي مجلة بلغة الجزائر ـ أو بلغتيها ـ من أن تكون؛ ما دام "الآخر" واقفا في الساحة رافعا لافتة بحقه التاريخي "لعّاب وإلا حرّام".  إنه شيء يدعو إلى السخرية، حقيقة. ولكن تلك هي الحال؛ حالنا. وذلك هو واقعنا؛ واقع بلد بحجم الجزائر مساحة وساكنة وخيرات وكفاءات وتاريخ مقاومة وتثاقفا وطموحات وأحلاما. فمتى يدرك "النواب" يوما، والحكومة والساهرون على حفظ صورة الجزائر أن إعادة بعث المجلتين، في حلة جديرة بقيمة البلد، وبنزعتيهما نفسيهما وباللغات التي يتواصل بها الجزائريون، أن ذلك من حق الجزائريين الابتدائي في الاطلاع على ما تنتجه مواهبهم؛ ومن ثمة التأسيس لخطية ذات أثـر تكون مرجعية تاريخية للحركة الأدبية والنقدية؟  وهل يحين يوماً زمنٌ على بعض مؤسسات الدولة الغنية (من ريع البترول والإشهار) وعلى الأثـرياء من الحقول الثقافية والإعلامية والنشر أن يدعموا، إن لم يستثمروا، المبادرات التي يقوم بها من حين لآخر كتاب ومثقفون لإنشاء مجلات سرعان ما يهوون إلى الإفلاس؟ فإن غياب سياسة نشر للمجلات، بمختلف تخصصاتها، الفنية والأدبية والفكرية منها خاصة، في بلد كالجزائر، يعد إهانة في حق صورتها وتاريخها ونخبتها.  sayahhabib@yahoo.fr   


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)