الجزائر

"عيون الماء" إرث حضاري سلبه الإهمال!




يرتبط اسم ”دزاير” أوالجزائر العاصمة، بكثير من المنشآت العلمية والسياسية، وكذلك الأمر بالنسبة للمشاريع التنموية مؤخرا، لكن الجدير بالذكر أنها مدينة حضارية بامتياز منذ قرون مضت. ونظرا لبروز هشاشة وعي اجتماعي بها لأسباب كثيرة، جعل مدينة ”العيون” تعيش جفافا في منابعها، ليضطر المواطن العاصمي لشراء قارورة ماء لسد عطشه، بعد أن كان هذا الأخير يوّفر شربة ماء بشكل صحي ومجاني، بفضل منابع مدينة سيدي عبد الرحمن.يعتبر وجود منابع الماء في المجتمع دليلا على ترسخ الفكر الإنساني به، وامتدادا للقيم الاجتماعية التي جعلت الإنسان أساس التنمية المستدامة، باعتبار أن وفرة المياه تسهل حركية المواطنين ومختلف نشاطاتهم، بغض النظر عن كونها خدمة ذات منفعة عامة. فقد اعتبر وجود منابع الماء بالمجتمع المسلم أمرا ضروريا لتحقيق حياة آمنة للمواطنين، والتي تبدأ بترفعه عن التفكير بضروريات الحياة الاجتماعية. وكانت مستقرة بكثرة جنب المساجد والمصليات، لأن النظافة ركن في دين الإسلام، وشرط أساسي لتصح الصلاة.على غرار منابع الماء، فإن الوديان ب”دزاير” مصدر آخر للمياه، لكن هذه الأخيرة تعرض كثير منها للجفاف، ناهيك عن جزء من مشاريع البناء العشوائي التي خرّبتها وقصفت قدسية الطبيعة، لتبقى الوديان مجرد أسماء تتداولها الأجيال. استنادا لمجلة الدراسات التاريخية، في عددها التاسع الذي صدر سنة 1415 ه الموافق ل 1995م، في معهد التاريخ بجامعة الجزائر، كتب الدكتور ناصر الدين سعيدوني مقالا حول ”مصادر المياه بفحص مدينة الجزائر”، حيث ذكر أنها تتوزع على كل الأودية والينابيع من الآبار المنتشرة على سفوح جبل بوزريعة، أوالواقعة بمرتفعات وبطون أودية الساحل المتصلة به، مؤكدا أن خصوبة التربة في مدينة ”دزاير” دليل على وفرة المياه بها، ما يفسر تزايد استقرار الناس بها. كما أن الطبيعة الخلابة التي تتمتع بها تبرهن على ذلك. ”عيون الماء” بمدينة ”دزاير”.. خدمة إنسانية راقية ذكر ناصر الدين سعيدوني أن الحكام في العهد العثماني بادروا إلى بناء منشآت عمرانية في إطار أعمال خيرية من العيون، الحنايا، السواقي، الأحواض، الصهاريج، القنوات وغيرها. ليعتمد عليها السكان في تلبية حاجياتهم الضرورية من المياه، حيث أكد أحد المسافرين الإنجليز يدعى ”مورغان” أن عدد الآبار في مدينة الجزائر كان يزيد عن الألف، وكان يتراوح عمقها ما بين 25 و30 مترا، تنتشر في الحراش، بئرمراد رايس، باب عزون، باب الوادي، وبئرخادم. كما كانت هذه الآبار تتوفر على احتياطي قدره 6000 متر مكعب. تعتبر ”عيون الماء” طبيعية المصدر، لكن السمة الحضرية التي غلبت على سكان المدينة جعلت المسؤولين في تلك الفترة يلفونها بمبنى يتم فيه استعمال الزليج على الأرضية، والخزف المصقول على الجدران، وكذا نقش زخارف على جوانبه. فقد كانت المنابع تضمن سد ظمأ العطشان خارج البيت بشربة ماء نظيفة باردة ومجانية. تنبع ”عيون الحامة” شرق المدينة خارج باب عزون، من مغارة متكونة من تجويفين تتجمع بهما المياه الجوفية قبل أن تصل في شكل ينابيع إلى سفوح المرتفعات المشرفة على سهل الحامة الصغير والمحاذي للبحر، بالإضافة إلى 24 ينبوعا أو عينا طبيعية تنتشر في مدينة الجزائر قطرها 10 كلم منها ”عين الجاج” (الدجاج ) بسفح جبل بوزريعة المحاذي لشاطئ البحر، خارج باب الوادي، و”عين سليمان” من أسفل التكوينات الجيرية لسفح جبل بوزريعة، وكذلك ”عيون القناصل” بمنحدرات جبل بوزريعة، عُرفت بذلك الاسم لاستخدام مياهها في ري بساتين قنصليات سردينيا، صقلية والدانمارك. أما ”عين مصطفى باشا” فتوجد خارج باب الوادي بحي بولوغين حاليا، و”عين الأزرق” خارج باب عزون بأعالي مُرتفعات مصطفى.عيون وأحواض أبهرت الرّحالة وأفسدتها المنشآت العمرانية تميزت عيون وأحواض مدينة ”دزاير” بكثرتها وجمالها، اللذين شدّا انتباه كثير من الرحالة وبعض قادة الجيش الفرنسي عام 1830، مثل الجنرال ”بيرثيزن” الذي وصفها في السنوات الأولى للاحتلال بقوله ”على كافة الطرق بفحص الجزائر، هناك العديد من عيون الماء المخصصة للشرب، أغلبها مزيّن بأعمدة من الرخام الأبيض، وهي من الجمال والذوق ما يجعلها جميلة، بل تضاهي حتى مثيلاتها في باريس”.ومن أهم العيون التي أقيمت عليها منشآت عمرانية، ذكر ناصر الدين سعيدوني، ”عين الأزرق” بأعالي مصطفى، ”عين تيقصريين”، ”عين سبع عيون” توجد قرب وادي المغاسل، بالمكان المعروف اليوم ب”بوفريزي” خارج باب الوادي بجوار قبة سيدي يعقوب، وكذلك عيون ”عين الربط ”، وهي ثلاث عيون تقع على الطريق السلطاني الذي يربط باب عزون بقنطرة الحراش. وهذه العيون كانت مخصصة للحامية العسكرية الانكشارية، حيث خصصت لسقي المواشي والخيول المتوجهة إلى باب عزون.مسّت المنشآت العمرانية التي تم تجسيدها كذلك عين ”بئر خادم” التي تقع على بعد 07 كلم من مركز المدينة، و”عين مراد رايس” على ذات البعد من نفس المكان. أما ”عين الحامة” فيعود بناؤها إلى أحد الصناع الأندلسيين المهاجرين إلى الجزائر، وعين ”مصطفى باشا”، التي تقع بحي بولوغين على بعد 03 كلم من باب الوادي، بالقرب من برج الإنجليز على طريق مرسى الذبان، وتتزود بالماء من منبع الزغارة المعروف بجنة الصناجي مصدره واد القناصل.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)